وفيها قولان:
أحدهما: أنها مكية، قاله ابن مسعود، وعطاء، وعكرمة، وجابر .
والثاني: مدنية، قاله ابن عباس، وقتادة، ومقاتل .
بسم الله الرحمن الرحيم
والعاديات ضبحا فالموريات قدحا فالمغيرات صبحا فأثرن به نقعا فوسطن به جمعا إن الإنسان لربه لكنود وإنه على ذلك لشهيد وإنه لحب الخير لشديد أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور إن ربهم بهم يومئذ لخبير .
قوله تعالى: والعاديات فيه قولان:
أحدهما: أنها الإبل في الحج، قاله علي، وابن مسعود، وعبيد بن عمير، والقرظي، وروي عن والسدي . علي أنه قال: " والعاديات ضبحا " من عرفة إلى المزدلفة، ومن المزدلفة، إلى منى . وروي عن علي أنه قال هذا في صفة وقعة بدر . قال: وما كان معنا يومئذ إلا فرس . وفي بعض الحديث أنه كان معهم فرسان .
[ ص: 207 ] والثاني: أنها الخيل في سبيل الله، قاله ابن عباس، والحسن، وعطاء، ومجاهد، وأبو العالية، وعكرمة، وقتادة، وعطية، والربيع، واللغويون . وكان يذهب إلى أن هذا كان في سرية، فروى ابن عباس عن عكرمة ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خيلا، فلم يأته خبرها شهرا، فنزلت والعاديات ضبحا ضبحت بمناخرها فالموريات قدحا قدحت بحوافرها الحجارة فأورت نارا فالمغيرات صبحا صبحت القوم بغارة فأثرن به نقعا أثارت بحوافرها التراب فوسطن به جمعا قال: صبحت الحي جميعا . وقال مقاتل: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى حيين من كنانة واستعمل عليها المنذر بن عمرو الأنصاري، فأبطأ عنه خبرها، فجعل اليهود والمنافقون إذا رأوا رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تناجوا، فيظن الرجل أنه قد قتل أخوه أو أبوه، أو عمه، فيجد من ذلك حزنا، فنزلت: " والعاديات ضبحا " فأخبر الله كيف [ ص: 208 ] فعل بهم . قال الضبح: أصوات أنفاس الخيل إذا عدون . وقال الفراء: الضبح: صوت حلوقها إذا عدت . وقال ابن قتيبة: ضبحها: صوت أجوافها إذا عدت . الزجاج:
قوله تعالى: فالموريات قدحا فيه خمسة أقوال .
أحدها: أنها الخيل توري النار بحوافرها إذا جرت، وهذا قول الجمهور .
قال إذا عدت الخيل بالليل، فأصابت بحوافرها الحجارة، انقدحت منها النيران . الزجاج:
والثاني: أنها نيران المجاهدين إذا أوقدت، روي عن ابن عباس .
والثالث: مكر الرجال في الحرب، قاله مجاهد، وزيد بن أسلم .
والرابع: نيران الحجيج بالمزدلفة، قاله القرظي .
والخامس: أنها الألسنة إذا ظهرت بها الحجج وأقيمت بها الدلائل على الحق وفضح بها الباطل، قاله عكرمة .
[ ص: 209 ] قوله تعالى: فالمغيرات صبحا هي التي تغير على العدو عند الصباح، هذا قول الأكثرين . وقال فالمغيرات صبحا حين يفيضون من جمع . ابن مسعود:
قوله تعالى: فأثرن به قال يريد بالوادي ولم يذكره قبل ذلك، وهذا جائز، لأن الغبار لا يثار إلا من موضع . والنقع: الغبار، ويقال: التراب . وقال الفراء: المعنى: فأثرن بمكان عدوهن، ولم يتقدم ذكر المكان، ولكن في الكلام دليل عليه، الزجاج: فوسطن به جمعا قال المفسرون: المعنى: توسطن جمعا من العدو، فأغارت عليهم . وقال ابن مسعود: فوسطن به جمعا، يعني مزدلفة .
قوله تعالى: إن الإنسان لربه لكنود هذا جواب القسم . والإنسان هاهنا: الكافر . قال نزلت في الضحاك: الوليد بن المغيرة، وقال نزلت في مقاتل: قرط بن عبد الله بن عمرو بن نوفل القرشي .
وفي " الكنود " ثلاثة أقوال .
أحدها: أنه الذي يأكل وحده، ويمنع رفده، ويضرب عبده، رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . أبو أمامة
[ ص: 210 ] والثاني: أنه الكفور، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والضحاك .
والثالث: لوام لربه يعد المصيبات، وينسى النعم، قاله . قال الحسن والأرض الكنود: التي لا تنبت شيئا . ابن قتيبة:
قوله عز وجل: وإنه على ذلك لشهيد في هاء الكناية قولان .
أحدهما: أنها ترجع إلى الله عز وجل، [تقديره]: وإن الله على كفره لشهيد .
والثاني: أنها ترجع إلى الإنسان، تقديره: إن الإنسان شاهد على نفسه أنه كنود، روي القولان عن . ابن عباس
قوله تعالى: وإنه يعني: الإنسان لحب الخير يعني: المال لشديد . وفي معنى الآية قولان .
أحدهما: وإنه من أجل حب المال لبخيل، هذا قول الحسن، [ ص: 211 ] وابن قتيبة، قال والزجاج . ويقال للبخيل: شديد، ومتشدد . قال أبو عبيدة: طرفة:
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي عقيلة مال الباخل المتشدد
والثاني: وإنه للخير لشديد الحب، وهذا اختيار قال: فكأن الكلمة لما تقدم فيها الحب، وكان موضعه أن يضاف إليه " شديد " ، حذف الحب من آخره لما جرى ذكره في أوله، ولرؤوس الآي . ومثله الفراء . اشتدت به الريح في يوم عاصف [إبراهيم:18] فلما جرى ذكر الريح قبل اليوم طرحت من آخره .
قوله تعالى: أفلا يعلم يعني: الإنسان المذكور إذا بعثر ما في القبور أي: أثير وأخرج وحصل ما في الصدور أي: ميز واستخرج . والتحصيل: تمييز ما يحصل . وقال أبرز ما فيها، وقال ابن عباس: ميز ما فيها من الخير والشر . وقال ابن قتيبة: المعنى: لو علم الإنسان الكافر ما له في ذلك اليوم لزهد في الكفر، وبادر إلى الإسلام . ثم ابتدأ فقال تعالى: أبو سليمان الدمشقي: إن ربهم بهم يومئذ لخبير وقال غيره: إنما قرئت " إن " بالكسر لأجل اللام، ولولاها كانت مفتوحة بوقوع العلم عليها .
[ ص: 212 ] فإن قيل: أليس الله خبيرا بهم في كل حال، فلم خص ذلك اليوم؟
فالجواب أن المعنى: أنه يجازيهم على أفعالهم يومئذ، ومثله: أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم [النساء:63]، معناه: يجازيهم على ذلك، ومثله: يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء [غافر:16] .