قوله تعالى: (وكأين من نبي) قرأ الجمهور "وكأين" في وزن "كعين" . وقرأ ابن كثير "وكائن" في وزن "كاعن" قال الفراء: أهل الحجاز يقولون: "كأين" مثل: "كعين" ينصبون الهمزة ، ويشددون الياء . وتميم يقولون: "وكائن" كأنها فاعل من "كئت" . وأنشدني الكسائي:
وكائن ترى يسعى من الناس جاهدا على ابن غدا منه شجاع وعقرب
وقال آخر:
وكائن أصابت مؤمنا من مصيبة على الله عقباها ومنه ثوابها
، وقال ابن قتيبة: كائن بمعنى "كم" مثل قوله: وكأين من قرية عتت عن أمر ربها [ الطلاق: 8 ] وفيها لغتان: "كأين" بالهمزة وتشديد الياء ، و"كائن" على وزن "قائل" [وبائع ] وقد قرئ بهما [جميعا في القرآن ] والأكثر والأفصح تخفيفها . قال الشاعر:
وكائن أرينا الموت من ذي تحية إذا ما ازدرانا أو أصر لمأثم .
وقال الآخر:
وكائن ترى من صامت لك معجب زيادته أو نقصه في التكلم
قوله تعالى: (قاتل معه ربيون) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وأبان ، والمفضل [ ص: 472 ] كلاهما عن عاصم: "قتل" بضم القاف ، وكسر التاء ، من غير ألف ، وقرأ الباقون: "قاتل" بألف ، وقرأ ابن مسعود ، وأبو رزين ، وأبو رجاء ، والحسن ، وابن يعمر ، وابن جبير ، وقتادة ، وعكرمة ، وأيوب: "ربيون" بضم الراء . وقرأ ابن عباس ، وأنس وأبو مجلز ، وأبو العالية ، والجحدري ، بفتحها . فعلى حذف الألف يحتمل وجهين .
أحدهما: أن يكون قتل للنبي وحده ، ويكون المعنى: وكأين من نبي قتل ، ومعه ربيون ، فما وهنوا بعد قتله .
والثاني: أن يكون قتل للربيين ، ويكون: "فما وهنوا" لمن بقي منهم . وعلى إثبات الألف يكون المعنى: أن القوم قاتلوا ، فما وهنوا . وفي معنى الربيين خمسة أقوال .
أحدها: أنهم الألوف ، قاله ابن مسعود ، وابن عباس في رواية ، واختاره الفراء .
والثاني الجماعات الكثيرة ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، وعكرمة ، والضحاك ، وقتادة ، والسدي ، والربيع ، واختاره ابن قتيبة .
والثالث: أنهم الفقهاء والعلماء ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، واختاره اليزيدي ، والزجاج . والرابع: أنهم الأتباع ، قاله ابن زيد .
والخامس: أنهم المتألهون العارفون بالله تعالى ، قاله ابن فارس .
قوله تعالى: (فما وهنوا) فيه قولان .
أحدهما: أنه الضعف ، قاله ابن عباس ، وابن قتيبة . والثاني: أنه العجز ، قاله قتادة .
قال ابن قتيبة: والاستكانة: الخشوع ، والذل ، ومنه أخذ المسكين . وفي معنى الكلام قولان .
أحدهما: فما وهنوا بالخوف ، وما ضعفوا بنقصان القوة ، ولا استكانوا بالخضوع .
[ ص: 473 ] . والثاني: فما وهنوا لقتل نبيهم ، ولا ضعفوا عن عدوهم ، ولا استكانوا لما أصابهم .


