وفي "أضاءت" قولان . أحدهما: أنه من الفعل المتعدي ، قال الشاعر:
أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه
وقال آخر:
أضاءت لنا النار وجها أغر ملتبسا بالفؤاد التباسا
والثاني: أنه من الفعل اللازم . قال أبو عبيد: يقال: أضاءت النار ، وأضاءها غيرها . وقال يقال: ضاء القمر ، وأضاء . الزجاج:
وفي "ما" قولان . أحدهما: أنها زائدة ، تقديره: أضاءت حوله . والثاني: أنها بمعنى الذي . وحول الشيء: ما دار من جوانبه . والهاء: عائدة على المستوقد . فإن قيل: كيف وحد ، فقال: كمثل الذي استوقد ثم جمع فقال: ذهب الله بنورهم ؟ فالجواب: أن ثعلبا حكى عن أنه قال: إنما ضرب المثل للفعل ، لا لأعيان الرجال ، وهو مثل للنفاق . وإنما قال: الفراء ذهب الله بنورهم لأن المعنى ذاهب إلى المنافقين ، فجمع لذلك . قال وقال غير ثعلب: معنى الذي: الجمع ، وحد أولا للفظه ، وجمع بعد لمعناه ، كما قال الشاعر: الفراء:
[ ص: 40 ]
فإن الذي حانت بفلج دماؤهم هم القوم كل القوم يا أم خالد
فجعل "الذي" جمعا .
فصل
اختلف العلماء في الذي ضرب الله تعالى له هذا المثل من على قولين . أحدهما: أنه ضرب بكلمة الإسلام التي يلفظون بها ، ونورها صيانة النفوس وحقن الدماء ، فإذا ماتوا سلبهم الله ذلك العز ، كما سلب صاحب النار ضوءه . وهذا المعنى مروي عن أحوال المنافقين والثاني: أنه ضرب لإقبالهم على المؤمنين وسماعهم ما جاء به الرسول ، فذهاب نورهم: إقبالهم على الكافرين والضلال ، وهذا قول ابن عباس . مجاهد .
وفي المراد بـ "الظلمات" هاهنا أربعة أقوال . أحدها: العذاب ، قاله والثاني: ظلمة الكفر ، قاله ابن عباس . والثالث: ظلمة يلقيها الله عليهم بعد الموت ، قاله مجاهد . والرابع: أنها نفاقهم قاله قتادة . السدي .
فصل
وفي ضرب المثل لهم بالنار ثلاث حكم .
إحداها: أن المستضيء بالنار مستضيء بنور من جهة غيره ، لا من قبل نفسه ، فإذا ذهبت تلك النار بقي في ظلمة ، فكأنهم لما أقروا بألسنتهم من غير اعتقاد قلوبهم ، كان نور إيمانهم كالمستعار .
والثانية: أن ضياء النار يحتاج في دوامه إلى مادة الحطب ، فهو له كغذاء الحيوان ، فكذلك نور الإيمان يحتاج إلى مادة الاعتقاد ليدوم .
[ ص: 41 ] والثانية أن الظلمة الحادثة بعد الضوء أشد على الإنسان من ظلمة لم يجد معها ضياء ، فشبه حالهم بذلك .