[ ص: 134 ] قوله تعالى: ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم اختلفوا فيمن نزلت على قولين .
أحدهما: أنها نزلت في نفر من المهاجرين ، كانوا يحبون أن يؤذن لهم في قتال المشركين وهم بمكة قبل أن يفرض القتال ، فنهوا عن ذلك ، فلما أذن لهم فيه ، كرهه بعضهم . روى هذا المعنى عن أبو صالح ، وهو قول ابن عباس ، قتادة ، والسدي ، ومقاتل .
والثاني: أنها نزلت واصفة أحوال قوم كانوا في الزمان المتقدم ، فحذرت هذه الأمة من مثل حالهم ، روى هذا المعنى عطية ، عن قال ابن عباس . كأنه يومئ إلى قصة الذين قالوا: ابعث لنا ملكا . وقال أبو سليمان الدمشقي: هي في اليهود . مجاهد:
فأما كف اليد ، فالمراد به: الامتناع عن القتال ، ذلك كان بمكة ، و"كتب" بمعنى: فرض ، وذلك بالمدينة ، هذا على القول الأول .
قوله تعالى: إذا فريق منهم في هذا الفريق ثلاثة أقوال .
أحدها: أنهم المنافقون . والثاني: أنهم كانوا مؤمنين ، فلما فرض القتال ، نافقوا جبنا وخوفا . والثالث: أنهم مؤمنون غير أن طبائعهم غلبتهم ، فنفرت [ ص: 135 ] نفوسهم عن القتال .
قوله يخشون الناس في المراد بالناس قولان . أحدهما: كفار مكة . والثاني: جميع الكفار .
قوله تعالى: أو أشد خشية قيل: إن "أو" بمعنى: الواو ، و "كتبت" بمعنى: فرضت . و "لولا" بمعنى: "هلا" . قال إذا لم تر بعدها اسما ، فهي استفهام ، بمعنى: هلا ، وإذا رأيت بعدها اسما مرفوعا ، فهي التي جوابها اللام ، تقول: لولا عبد الله لضربتك . وقال الفراء: إذا رأيتها بغير جواب ، فهي بمعنى: "هلا" تقول: لولا فعلت كذا ، ومثلها "لولا" فإذا رأيت لـ "لولا" جوابا ، فليست بمعنى: "هلا إنما هي التي تكون لأمر يقع بوقوع غيره ، كقوله ابن قتيبة: فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه [الصافات: 143] قلت: فأما "لولا" التي لها جواب فكثيرة في الكلام ، وأنشدوا في ذلك:
لولا الحياء وأن رأسي قد عثا فيه المشيب لزرت أم القاسم
وأما التي بمعنى: "هلا" فأنشدوا منها:
[ ص: 136 ]
تعدون عقر النبيب أفضل مجدكم بني ضوطرى لولا الكمي المقنعا
أراد: فهلا تعدون الكمي ، والكمي: الداخل في السلاح .
وفي الأجل القريب قولان .
أحدهما: أنه الموت ، فكأنهم قالوا: هلا تركتنا نموت موتا ، وعافيتنا من القتل هذا قول السدي ، ومقاتل .
والثاني: أنه إمهال زمان ، فكأنهم قالوا: هلا أخرت فرض الجهاد عنا قليلا حتى نكثر ونقوى ، قاله في آخرين . أبو سليمان الدمشقي
قوله تعالى: قل متاع الدنيا قليل أي: مدة الحياة فيها قليلة .
قوله تعالى: ولا تظلمون فتيلا قرأ ابن كثير ، وابن عامر ، وحمزة ، ولا يظلمون بالياء . وقرأ والكسائي: نافع ، وأبو عمرو ، بالتاء ، وقد سبق ذكر المتاع والفتيل . وعاصم: