[ ص: 280 ] و "المتردية": الواقعة من جبل أو حائط ، أو في بئر ، يقال: تردى: إذا سقط .
و "النطيحة": التي تنطحها شاة أخرى ، أو بقرة ، "فعيلة" في معنى "مفعولة" (وما أكل السبع) وقرأ ابن عباس ، وأبو رزين ، وأبو مجلز ، السبع: بسكون الباء . والمراد: ما افترسه فأكل بعضه وابن أبي ليلى: (إلا ما ذكيتم) أي: إلا ما لحقتم من هذا كله ، وبه حياة ، فذبحتموه .
فأما الاستثناء ففيه قولان .
أحدهما: أنه يرجع إلى المذكور من عند قوله: (والمنخنقة) .
والثاني: أنه يرجع إلى ما أكل السبع خاصة ، والعلماء على الأول .
فصل في الذكاة
قال : الزجاج تمام الشيء ، فمنه الذكاء في السن ، وهو تمام السن . قال أصل الذكاة في اللغة: الذكاء: أن تأتي على قروحه سنة ، وذلك تمام استكمال القوة ، ومنه الذكاء في الفهم ، وهو أن يكون فهما تاما ، سريع القبول . وذكيت النار ، أي: أتممت إشعالها . وقد روي عن الخليل: علي ، وابن عباس ، والحسن ، أنهم قالوا: ما أدركت ذكاته بأن توجد له عين تطرف ، أو ذنب يتحرك ، فأكله حلال . قال وقتادة ومذهب أصحابنا أنه إن كان يعيش مع ما به ، حل بالذبح ، فإن كان لا يعيش مع ما به ، نظرت ، فإن لم تكن حياته مستقرة ، وإنما حركته حركة المذبوح ، مثل أن شق جوفه ، وأبينت حشوته ، فانفصلت عنه ، لم يحل أكله ، وإن كانت حياته مستقرة يعيش اليوم واليومين ، مثل أن يشق جوفه ، ولم تقطع الأمعاء ، حل أكله . ومن الناس من يقول: إذا كانت فيه حياة في الجملة أبيح بالذكاة ، والصحيح ما ذكرنا ، لأنه إذا لم تكن فيه حياة [ ص: 281 ] مستقرة ، فهو في حكم الميت . ألا ترى أن رجلا لو قطع حشوة آدمي ، ثم ضرب عنقه آخر ، فالأول هو القاتل ، لأن الحياة لا تبقى مع الفعل الأول . القاضي أبو يعلى:
وفي روايتان . ما يجب قطعه في الذكاة
إحداهما: أنه الحلقوم والمريء ، والعرقان اللذان بينهما الحلقوم والمريء ، فإن نقص من ذلك شيئا ، لم يؤكل ، هذا ظاهر كلام في رواية أحمد [ ص: 282 ] والثانية: يجزئ قطع الحلقوم والمريء ، وهو ظاهر كلامه في رواية عبد الله . وبه قال حنبل ، وقال الشافعي . أبو حنيفة: يجزئ قطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين . وقال يجزئ قطع الأوداج ، وإن لم يقطع الحلقوم . وقال مالك: : الحلقوم بعد الفم ، وهو موضع النفس ، وفيه شعب تتشعب منه في الرئة . والمريء: مجرى الطعام ، والودجان: عرقان يقطعهما الذابح . الزجاج
فأما الآلة التي تجوز بها الذكاة ، فهي كل ما أنهر الدم ، وفرى الأوداج سوى [ ص: 283 ] السن والظفر ، سواء كانا منزوعين ، أو غير منزوعين . وأجاز أبو حنيفة الذكاة بالمنزوعين . فأما البعير إذا توحش ، أو تردى في بئر ، فهو بمنزلة الصيد ذكاته عقره . وقال ذكاته ذكاة المقدور عليه . فإن رمى صيدا ، فأبان بعضه ، وفيه حياة مستقرة ، فذكاه ، أو تركه حتى مات جاز أكله ، وفي أكل ما بان منه روايتان . مالك:
قوله تعالى: وما ذبح على النصب في النصب قولان .
أحدهما: أنها أصنام تنصب ، فتعبد من دون الله ، قاله ابن عباس ، والفراء ، فعلى هذا القول يكون المعنى ، والزجاج ، ، وقيل: لأجلها ، فتكون "على" بمعنى: "اللام" ، وهما يتعاقبان في الكلام ، كقوله: وما ذبح على اسم النصب فسلام لك [الواقعة: 91] أي: عليك ، وقوله: وإن أسأتم فلها [الإسراء: 7] .
[ ص: 284 ] والثاني: أنها حجارة كانوا يذبحون عليها ، ويشرحون اللحم عليها ويعظمونها ، وهو قول وقرأ ابن جريج . الحسن ، وخارجة ، عن على النصب ، بفتح النون ، وسكون الصاد ، قال أبي عمرو: يقال: نصب ونصب ونصب ، وجمعه أنصاب ابن قتيبة:
قوله تعالى: وأن تستقسموا بالأزلام قال أي: وأن تطلبوا علم ما قسم لكم ، أو لم يقسم بالأزلام ، وهو استفعلت من القسم [قسم الرزق والحاجات] . قال ابن جرير: الأزلام: القداح ، واحدها: زلم وزلم . والاستقسام بها: أن يضرب [بها] فيعمل بما يخرج فيها من أمر أو نهي ، فكانوا إذا أرادوا أن يقتسموا شيئا بينهم ، فأحبوا أن يعرفوا قسم كل امرئ تعرفوا ذلك منها ، فأخذ الاستقسام من القسم وهو النصيب . قال ابن قتيبة: الأزلام: حصى بيض ، كانوا إذا أرادوا غدوا ، أو رواحا ، كتبوا في قدحين ، في أحدهما: أمرني ربي ، وفي الآخر: نهاني ربي ، ثم يضربون بهما ، فأيهما خرج ، عملوا به . وقال سعيد بن جبير: الأزلام: سهام مجاهد: العرب ، وكعاب فارس التي يتقامرون بها . وقال كانت الأزلام تكون عند الكهنة . وقال السدي: في بيت الأصنام . وقال قوم: كانت عند سدنة مقاتل: الكعبة . قال : ولا فرق بين ذلك ، وبين قول المنجمين: لا تخرج من أجل نجم كذا ، أو اخرج من أجل نجم كذا . الزجاج
قوله تعالى: ذلكم فسق في المشار إليه بذلكم قولان .
أحدهما: أنه جميع ما ذكر في الآية ، رواه علي بن أبي طلحة عن وبه قال ابن عباس ، سعيد بن جبير .
[ ص: 285 ] والثاني: أنه الاستقسام بالأزلام ، رواه عن أبو صالح والفسق: الخروج عن طاعة الله إلى معصيته . ابن عباس .
قوله تعالى: اليوم يئس الذين كفروا من دينكم في هذا اليوم ثلاثة أقوال .
أحدها: أنه اليوم الذي دخل فيه رسول الله مكة في حجة الوداع ، قاله عن أبو صالح وقال ابن عباس . نزلت ذلك اليوم . ابن السائب:
والثاني: أنه يوم عرفة ، قاله مجاهد ، وابن زيد .
والثالث: أنه لم يرد يوما بعينه ، وإنما المعنى: الآن يئسوا كما تقول: أنا اليوم قد كبرت ، قاله . قال الزجاج ابن الأنباري: العرب توقع اليوم على الزمان الذي يشتمل على الساعات والليالي ، فيقولون: قد كنت في غفلة ، فاليوم استيقظت ، يريدون: فالآن ، ويقولون: كان فلان يزورنا ، وهو اليوم يجفونا ، ولا يقصدون باليوم قصد يوم واحد . قال الشاعر:
[ ص: 286 ]
فيوم علينا ويوم لنا ويوم نساء ويوم نسر
أراد: فزمان لنا ، وزمان علينا ، ولم يقصد ليوم واحد لا ينضم إليه غيره .
وفي معنى يأسهم قولان .
أحدهما: أنهم يئسوا أن يرجع المؤمنون إلى دين المشركين ، قاله ابن عباس ، والسدي .
والثاني: يئسوا من بطلان الإسلام ، قاله . قال الزجاج وإنما يئسوا من إبطال دينهم لما نقل الله خوف المسلمين إليهم ، وأمنهم إلى المسلمين ، فعلموا أنهم لا يقدرون على إبطال دينهم ، ولا على استئصالهم ، وإنما قاتلوهم بعد ذلك ظنا منهم أن كفرهم يبقى . ابن الأنباري:
قوله تعالى: فلا تخشوهم قال لا تخشوهم أن يظهروا عليكم ، وقال ابن جريج: لا تخشوهم أن يظهروا على دينكم ، واخشوني في مخالفة أمري . ابن السائب:
قوله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم روى البخاري ، في "الصحيحين" من حديث ومسلم طارق بن شهاب قال: فقال: يا أمير المؤمنين إنكم تقرؤون آية من كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت ، لاتخذنا ذلك اليوم عيدا ، قال: وأي آية هي؟ قال: قوله: عمر اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي فقال إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله ، والساعة [ ص: 287 ] التي نزلت فيها ، والمكان الذي نزلت فيه على رسول الله وهو قائم عمر: بعرفة في يوم جمعة ، وفي لفظ "نزلت عشية عرفة" قال جاء رجل من اليهود إلى عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أحدا وثمانين يوما . سعيد بن جبير:
فأما قوله "اليوم" ففيه قولان .
أحدهما: أنه يوم عرفة ، وهو قول الجمهور .
والثاني: أنه ليس بيوم معين ، رواه عطية عن وقد ذكرنا هذا آنفا . وفي معنى إكمال الدين خمسة أقوال . ابن عباس ،
أحدها: أنه إكمال فرائضه وحدوده ، ولم ينزل بعد هذه الآية تحليل ولا تحريم ، قاله ابن عباس ، فعلى هذا يكون المعنى: اليوم أكملت لكم شرائع دينكم . والسدي ،
والثاني: أنه بنفي المشركين عن البيت ، فلم يحج معهم مشرك عامئذ ، قاله سعيد بن جبير ، وقال وقتادة . كمال الدين هاهنا: عزه وظهوره ، وذل الشرك ودروسه ، لا تكامل الفرائض والسنن ، لأنها لم تزل تنزل إلى أن قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعلى هذا يكون المعنى: اليوم أكملت لكم نصر دينكم . الشعبي:
[ ص: 288 ] والثالث: أنه رفع النسخ عنه . وأما الفرائض فلم تزل تنزل عليه حتى قبض ، روي عن أيضا . ابن جبير
والرابع: أنه زوال الخوف من العدو ، والظهور عليهم ، قاله . الزجاج
والخامس: أنه أمن هذه الشريعة من أن تنسخ بأخرى بعدها ، كما نسخ بها ما تقدمها . وفي إتمام النعمة ثلاثة أقوال .
أحدها: منع المشركين من الحج معهم ، قاله ابن عباس ، وابن جبير ، وقتادة .
والثاني: الهداية إلى الإيمان ، قاله ابن زيد .
والثالث: الإظهار على العدو ، قاله السدي .
قوله تعالى: فمن اضطر أي: . دعته الضرورة إلى أكل ما حرم عليه (في مخمصة) أي: مجاعة ، و "الخمص": الجوع ، قال الشاعر يذم رجلا:
يرى الخمص تعذيبا وإن يلق شبعة يبت قلبه من قلة الهم مبهما
وهذا الكلام يرجع إلى المحرمات المتقدمة من الميتة والدم ، وما ذكر معهما .
قوله تعالى: غير متجانف لإثم قال غير مائل إلى ذلك ، و "الجنف": الميل . وقال ابن قتيبة: ، ابن عباس والحسن ، غير متعمد لإثم . ومجاهد:
وفي معنى "تجانف الإثم" قولان .
أحدهما: أن يتناول منه بعد زوال الضرورة ، روي عن في آخرين . ابن عباس
[ ص: 289 ] والثاني: أن يتعرض لمعصية في مقصده ، قاله وقال قتادة . من بغى وخرج في معصية ، حرم عليه أكله . قال مجاهد: وهذا أصح من القول الأول ، لأن الآية تقتضي اجتماع تجانف الإثم مع الاضطرار ، وذلك إنما يصح في سفر العاصي ، ولا يصح حمله على تناول الزيادة على سد الرمق ، لأن الاضطرار قد زال . قال القاضي أبو يعلى: ومعنى الآية: فمن اضطر فأكله غير متجانف لإثم ، فإن الله غفور ، أي: متجاوز عنه ، رحيم إذ أحل ذلك للمضطر . أبو سليمان: