[ ص: 312 ] فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين
قوله تعالى: فبما نقضهم في الكلام محذوف ، تقديره: فنقضوا ، فبنقضهم لعناهم . وفي المراد بهذه اللعنة ثلاثة أقوال .
أحدها: أنها التعذيب بالجزية ، قاله والثاني: التعذيب بالمسخ ، قاله ابن عباس . الحسن ، والثالث: الإبعاد من الرحمة ، قاله ومقاتل عطاء ، والزجاج .
قوله تعالى: وجعلنا قلوبهم قاسية قرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وأبو عمرو ، "قاسية" بالألف ، يقال: قست ، فهي قاسية ، وقرأ وابن عامر: حمزة ، والكسائي ، والمفضل عن "قسية" بغير ألف مع تشديد الياء ، لأنه قد يجيء فاعل وفعيل ، مثل شاهد وشهيد ، وعالم وعليم ، و "القسوة": خلاف اللين والرقة . وقد ذكرنا هذا في (البقرة) . وفي تحريفهم الكلم ثلاثة أقوال . عاصم:
أحدها: تغيير حدود التوراة ، قاله والثاني: تغيير صفة ابن عباس . محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله . والثالث: تفسيره على غير ما أنزل ، قاله مقاتل . الزجاج
قوله تعالى: عن مواضعه مبين في سورة (النساء)
قوله تعالى: ونسوا حظا مما ذكروا به "النسيان" هاهنا: الترك عن عمد . و "الحظ": النصيب . قال نسوا كتاب الله الذي أنزل عليهم . وقال غيره: تركوا نصيبهم من الميثاق المأخوذ عليهم . وفي معنى (ذكروا به) قولان . مجاهد:
أحدهما: أمروا . والثاني: أوصوا .
[ ص: 314 ] قوله تعالى: ولا تزال تطلع على خائنة منهم وقرأ "على خيانة منهم "قال الأعمش: الخائنة: الخيانة . ويجوز أن تكون صفة للخائن ، كما يقال: رجل طاغية ، وراوية للحديث . قال ابن قتيبة: : وذلك مثل نقض ابن عباس قريظة عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخروج كعب بن الأشرف إلى أهل مكة للتحريض على رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلا قليلا منهم) لم ينقضوا العهد ، وهم وأصحابه . وقيل: بل القليل ممن لم يؤمن . عبد الله بن سلام
قوله تعالى: فاعف عنهم واصفح واختلفوا في نسخها على قولين
أحدهما: أنها منسوخة ، قاله الجمهور . واختلفوا في ناسخها على ثلاثة أقوال .
أحدها: أنها آية السيف . والثاني: قوله: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله [التوبة: 29] والثالث: قوله: وإما تخافن من قوم خيانة [الأنفال: 58]
والثاني: أنها نزلت في قوم كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد ، فغدروا ، وأرادوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم ، فأظهره الله عليهم ، ثم أنزل الله هذه الآية . ولم تنسخ .
قال يجوز أن يعفى عنهم في غدرة فعلوها ، ما لم ينصبوا حربا ، ولم يمتنعوا من أداء الجزية والإقرار بالصغار ، فلا يتوجه النسخ . ابن جرير: