قوله تعالى: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم سبب نزولها: أنه لما نزل قوله: لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم قال القوم الذين كانوا حرموا النساء واللحم: يا رسول الله كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها؟ فنزلت هذه الآية ، رواه عن العوفي وقد سبق ذكر "اللغو" في سورة (البقرة) . ابن عباس .
قوله تعالى: بما عقدتم الأيمان قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وحفص عن "عقدتم" بغير ألف ، مشددة القاف . قال عاصم: معناها: [ ص: 413 ] وكدتم . وقرأ أبو عمرو: أبو بكر ، والمفضل عن "عقدتم" خفيفة بغير ألف ، واختارها عاصم: أبو عبيد . قال معناها: أوجبتموها على أنفسكم . وقرأ ابن جرير: "عاقدتم" بألف ، مثل "عاهدتم" . قال ابن عامر: وهذه القراءة المشددة لا تحتمل إلا عقد قول . فأما المخففة ، فتحتمل عقد القلب ، وعقد القول . القاضي أبو يعلى:
وذكر المفسرون في معنى الكلام قولين .
أحدهما: ولكن يؤاخذكم بما عقدتم عليه قلوبكم في التعمد لليمين ، قاله مجاهد .
والثاني: بما عقدتم عليه قلوبكم أنه كذب ، قاله سعيد بن جبير .
قوله تعالى: فكفارته قال الهاء عائدة على "ما" في قوله: ابن جرير: بما عقدتم .
فصل
فأما إطعام المساكين ، فروي عن ابن عمر ، وزيد بن ثابت ، وابن عباس ، في آخرين: أن لكل مسكين مد بر ، وبه قال والحسن مالك ، والشافعي .
وروي عن عمر ، وعلي ، في آخرين: لكل مسكين نصف صاع من بر ، قال وعائشة عمر ، أو صاعا من تمر ، وبه قال وعائشة: أبو حنيفة . ومذهب أصحابنا في جميع الكفارات التي فيها إطعام ، مثل كفارة اليمين ، والظهار ، وفدية الأذى ، والمفرطة في قضاء رمضان ، مد بر ، أو نصف صاع تمر أو شعير . ومن ، تمليك الطعام للفقراء ، فإن غداهم وعشاهم ، لم يجزئه ، وبه قال شرط صحة الكفارة سعيد بن جبير ، والحكم ، وقال والشافعي . الثوري ، يجزئه ، وبه قال والأوزاعي: أبو حنيفة ، ولا يجوز صرف مدين إلى مسكين واحد ، ولا إخراج القيمة في الكفارة ، وبه قال ومالك . وقال الشافعي . أبو حنيفة: يجوز . قال : وإنما وقع [ ص: 414 ] لفظ التذكير في المساكين ، ولو كانوا إناثا لأجزأ ، لأن المغلب في كلام الزجاج العرب التذكير . وفي قوله: من أوسط ما تطعمون أهليكم قولان .
أحدهما: من أوسطه في القدر ، قاله عمر ، وعلي ، وابن عباس ، ومجاهد .
والثاني: من أوسط أجناس الطعام ، قاله ابن عمر ، والأسود ، وعبيدة ، والحسن ، وروي عن وابن سيرين . قال: كان أهل ابن عباس المدينة [يقولون:] للحر من القوت أكثر ما للمملوك ، وللكبير أكثر ما للصغير ، فنزلت من أوسط ما تطعمون أهليكم ليس بأفضله ولا بأخسه . وفي كسوتهم خمسة أقوال .
أحدها: أنها ثوب واحد ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وطاووس ، وعطاء ، والثاني: والشافعي . ثوبان ، قاله أبو موسى الأشعري ، وابن المسيب ، والحسن ، وابن سيرين ، والثالث: إزار ورداء وقميص ، قاله والضحاك . والرابع: ثوب جامع كالملحفة ، قاله ابن عمر . والخامس: كسوة تجزئ فيها الصلاة ، قاله مالك . ومذهب أصحابنا: أنه إن كسا الرجل ، كساه ثوبا ، والمرأة ثوبين ، درعا وخمارا ، وهو أدنى ما تجزئ فيه الصلاة . وقرأ إبراهيم النخعي . أبو عبد الرحمن السلمي ، وأبو الجوزاء ، "أو كسوتهم" ، بضم الكاف . وقد قرأ ويحيى بن يعمر: سعيد بن جبير ، وأبو العالية ، وأبو نهيك ، ومعاذ القارئ: "أوكإسوتهم" بهمزة مكسورة ، مفتوحة الكاف ، مكسورة التاء والهاء . وقرأ ابن السميفع ، وأبو عمران الجوزي مثله ، إلا أنهما فتحا الهمزة . قال المصنف: ولا أرى هذه القراءة جائزة ، لأنها تسقط أصلا من أصول الكفارة .
[ ص: 415 ] قوله تعالى: أو تحرير رقبة تحريرها: عتقها ، والمراد بالرقبة: جملة الشخص . واتفقوا على اشتراط لموضع النص . إيمان الرقبة في كفارة القتل
واختلفوا في إيمان الرقبة المذكورة في هذه الكفارة على قولين .
أحدهما: أنه شرط ، وبه قال لأن الله تعالى قيد بذكر الإيمان في كفارة القتل ، فوجب حمل المطلق على المقيد . الشافعي ،
والثاني: ليس بشرط ، وبه قال أبو حنيفة ، وعن رضي الله عنه في إيمان الرقبة المعتقة في كفارة اليمين ، وكفارة الظهار ، وكفارة الجماع ، والمنذورة ، روايتان . أحمد
قوله تعالى: فمن لم يجد اختلفوا فيما إذا لم يجده ، صام ، على خمسة أقوال .
أحدها: أنه إذا لم يجد درهمين صام ، قاله والثاني: ثلاثة دراهم ، قاله الحسن . والثالث: إذا لم يجد إلا قدر ما يكفر به ، صام ، قاله سعيد بن جبير . والرابع: مئتي درهم ، قاله قتادة . أبو حنيفة . والخامس: إذا لم يكن له إلا قدر قوته وقوت عائلته يومه وليلته ، قاله أحمد ، وفي تتابع الثلاثة أيام ، قولان . والشافعي ،
أحدهما: أنه شرط ، وكان أبي ، يقرآن: ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) وبه قال وابن مسعود ، ابن عباس ومجاهد ، وطاووس ، وعطاء ، وقتادة ، وأبو حنيفة ، وهو قول أصحابنا .
والثاني: ليس بشرط ، ويجوز التفريق ، وبه قال الحسن ، ومالك ، فيه قولان . والشافعي
قوله تعالى: ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم فيه إضمار تقديره: إذا حلفتم وحنثتم . وفي قوله: واحفظوا أيمانكم ثلاثة أقوال .
[ ص: 416 ] أحدها: أقلوا منها ، ويشهد له قوله: ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم وأنشدوا:
قليل الألايا حافظ ليمينه
والثاني: احفظوا أنفسكم من الحنث فيها .
والثالث: راعوها لكي تؤدوا الكفارة عند الحنث فيها .