ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون
قوله تعالى: ما جعل الله من بحيرة أي: ما أوجب ذلك ، ولا أمر به .
وفي "البحيرة" أربعة أقوال .
أحدها: أنها الناقة إذا نتجت خمسة أبطن نظروا إلى الخامس ، فإن كان ذكرا نحروه ، فأكله الرجال والنساء ، وإن كان أنثى شقوا أذنها ، وكانت حراما على النساء لا ينتفعن بها ، ولا يذقن من لبنها ، ومنافعها للرجال خاصة ، فإذا ماتت ، اشترك فيها الرجال والنساء ، قاله واختاره ابن عباس ، ابن قتيبة .
[ ص: 437 ] والثاني: أنها الناقة تلد خمس إناث ليس فيهن ذكر ، فيعمدون إلى الخامسة ، فيبتكون أذنها ، قاله عطاء .
والثالث: أنها ابنة السائبة ، قاله ابن إسحاق ، قال والفراء . كانت الناقة إذا تابعت بين عشر إناث ، ليس فيهن ذكر ، سيبت ، فإذا نتجت بعد ذلك أنثى ، شقت أذنها ، وسميت بحيرة ، وخليت مع أمها . ابن إسحاق:
والرابع: أنها الناقة كانت إذا نتجت خمسة أبطن ، وكان آخرها ذكرا بحروا أذنها ، أي: شقوها ، وامتنعوا من ركوبها وذبحها ، ولا تطرد عن ماء ، ولا تمنع عن مرعى ، وإذا لقيها لم يركبها ، قاله . فأما "السائبة": فهي فاعلة بمعنى: مفعولة ، وهي المسيبة ، كقوله: الزجاج في عيشة راضية أي: مرضية . وفي السائبة خمسة أقوال .
أحدها: أنها التي تسيب من الأنعام للآلهة ، لا يركبون لها ظهرا ، ولا يحلبون لها لبنا ، ولا يجزون منها وبرا ، ولا يحملون عليها شيئا ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس .
والثاني: أن الرجل كان يسيب من ماله ما شاء ، فيأتي به خزنة الآلهة ، فيطعمون ابن السبيل من ألبانه ولحومه إلا النساء ، فلا يطعمونهن شيئا منه إلا أن يموت ، فيشترك فيه الرجال والنساء ، رواه عن أبو صالح وقال [ ص: 438 ] ابن عباس . كانوا يهدون لآلهتهم الإبل والغنم ، ويتركونها عند الآلهة ، فلا يشرب منها إلا رجل ، فإن مات منها شيء أكله الرجال والنساء . الشعبي:
والثالث: أنها الناقة إذا ولدت عشرة أبطن ، كلهن إناث ، سيبت ، فلم تركب ، ولم يجز لها وبر ، ولم يشرب لبنها إلا ضيف أو ولدها حتى تموت ، فإذا ماتت أكلها الرجال والنساء ، ذكره الفراء .
والرابع: أنها البعير يسيب بنذر يكون على الرجل إن سلمه الله تعالى من مرض ، أو بلغه منزله أن يفعل ذلك ، قاله قال ابن قتيبة . : كان الرجل إذا نذر لشيء من هذا ، قال: ناقتي سائبة ، فكانت كالبحيرة في أن لا ينتفع بها ولا تمنع من ماء ومرعى . الزجاج
والخامس: أنه البعير يحج عليه الحجة ، فيسيب ، ولا يستعمل شكرا لنجحها ، حكاه عن الماوردي وفي "الوصيلة" خمسة أقوال . الشافعي .
أحدها: أنها الشاة كانت إذا نتجت سبعة أبطن ، نظروا إلى السابع ، فإن كان أنثى ، لم ينتفع النساء منها بشيء إلا أن تموت ، فيأكلها الرجال والنساء ، وإن كان ذكرا ذبحوه ، فأكلوه جميعا ، وإن كان ذكران وأنثى ، قالوا: وصلت أخاها ، فتترك مع أخيها فلا تذبح ، ومنافعها للرجال دون النساء ، فإذا ماتت اشترك فيها الرجال والنساء ، رواه عن أبو صالح وذهب إلى نحوه ابن عباس . فقال: إن كان السابع ذكرا ، ذبح فأكل منه الرجال والنساء ، وإن كان أنثى ، تركت في النعم ، وإن كان ذكرا وأنثى ، قالوا: وصلت أخاها ، فلم تذبح ، لمكانها ، وكانت لحومها حراما على النساء ، ولبن الأنثى حراما على النساء إلا أن يموت منها شيء فيأكله الرجال والنساء . [ ص: 439 ] والثاني: أنها الناقة البكر تبتكر في أول نتاج الإبل بالأنثى ، ثم تثني بالأنثى ، فكانوا يستبقونها لطواغيتهم ، ويدعونها الوصيلة ، أي: وصلت إحداهما بالأخرى ، ليس بينهما ذكر ، رواه ابن قتيبة ، عن الزهري ابن المسيب .
والثالث: أنها الشاة تنتج عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن ، فيدعونها الوصيلة ، وما ولدت بعد ذلك فللذكور دون الإناث ، قاله ابن إسحاق .
والرابع: أنها الشاة تنتج سبعة أبطن ، عناقين عناقين ، فإذا ولدت في سابعها عناقا وجديا ، قيل: وصلت أخاها ، فجرت مجرى السائبة ، قاله الفراء .
والخامس: أن الشاة كانت إذا ولدت أنثى ، فهي لهم ، وإذا ولدت ذكرا جعلوه لآلهتهم فإن ولدت ذكرا وأنثى ، قالوا: وصلت أخاها ، فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم ، قاله . الزجاج
وفي "الحام" ستة أقوال .
أحدها: أنه الفحل ، ينتج من صلبه عشرة أبطن ، فيقولون: قد حمى ظهره ، فيسيبونه لأصنامهم ، ولا يحمل عليه ، قاله ابن مسعود ، واختاره وابن عباس ، أبو عبيدة ، والزجاج .
والثاني: أنه الفحل يولد لولده ، فيقولون: قد حمى هذا ظهره ، فلا يحملون عليه ، ولا يجزون وبره ، ولا يمنعونه ماء ، ولا مرعى ، رواه ابن أبي طلحة عن واختاره ابن عباس ، الفراء ، وابن قتيبة .
والثالث: أنه الفحل يظهر من أولاده عشر إناث من بناته ، وبنات بناته ، قاله عطاء .
[ ص: 440 ] والرابع: أنه الذي ينتج له سبع إناث متواليات ، قاله ابن زيد .
والخامس: أنه الذي لصلبه عشرة كلها تضرب في الإبل ، قاله أبو روق .
والسادس: أنه الفحل يضرب في إبل الرجل عشر سنين ، فيخلى ، ويقال: قد حمى ظهره ، ذكره عن الماوردي قال الشافعي . : والذي ذكرناه في البحيرة ، والسائبة ، والوصيلة ، والحام أثبت ما روينا عن أهل اللغة . وقد أعلم الله عز وجل في هذه الآية أنه لم يحرم من هذه الأشياء شيئا ، وأن الذين كفروا افتروا على الله عز وجل . قال الزجاج وافتراؤهم: قولهم: إن الله حرمه ، وأمرنا به . وفي قوله: مقاتل: وأكثرهم لا يعقلون قولان .
أحدهما: وأكثرهم ، يعني: الأتباع لا يعقلون أن ذلك كذب على الله من الرؤساء الذين حرموا ، قاله الشعبي .
والثاني: لا يعقلون أن هذا التحريم من الشيطان ، قاله قتادة .