يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من  [ ص: 441 ] ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون   
قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم  في سبب نزولها قولان . 
أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى هجر ،  وعليهم المنذر بن ساوي  يدعوهم إلى الإسلام ، فإن أبوا فليؤدوا الجزية ، فلما أتاه الكتاب ، عرضه على من عنده من العرب  واليهود والنصارى والمجوس ، فأقروا بالجزية ، وكرهوا الإسلام ، فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما العرب فلا تقبل منهم إلا الإسلام أو السيف ، وأما أهل الكتاب والمجوس ، فاقبل منهم الجزية" فلما قرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلمت العرب ،  وأعطى أهل الكتاب والمجوس الجزية ، فقال منافقو مكة:  عجبا لمحمد  يزعم أن الله بعثه ليقاتل الناس كافة حتى يسلموا ، وقد قبل من مجوس هجر ،  وأهل الكتاب الجزية ، فهلا أكرههم على الإسلام ، وقد ردها على إخواننا من العرب ،  فشق ذلك على المسلمين ، فنزلت هذه الآية ، رواه  أبو صالح  عن  ابن عباس .  وقال  مقاتل:  كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقبل الجزية إلا من أهل الكتاب فلما أسلمت العرب طوعا وكرها ، قبلها من مجوس هجر ،  فطعن المنافقون في ذلك ، فنزلت هذه الآية . 
والثاني: أن الرجل كان إذا أسلم ، قالوا له: سفهت آباءك وضللتهم ، وكان ينبغي لك أن تنصرهم ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن زيد .  قال  الزجاج   : ومعنى الآية: إنما ألزمكم الله أمر أنفسكم ، ولا يؤاخذكم بذنوب غيركم ، وهذه الآية لا توجب ترك الأمر بالمعروف ، لأن المؤمن إذا تركه وهو مستطيع له ، فهو  [ ص: 442 ] ضال ، وليس بمهتد . وقال  عثمان بن عفان:  لم يأت تأويلها بعد . وقال  ابن مسعود:  تأويلها في آخر الزمان: قولوا ما قبل منكم ، فإذا غلبتم ، فعليكم أنفسكم . 
وفي قوله: لا يضركم من ضل إذا اهتديتم  قولان .  [ ص: 443 ] أحدهما: لا يضركم من ضل بترك الأمر بالمعروف إذا اهتديتم أنتم للأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، قاله  حذيفة بن اليمان ،   وابن المسيب .  
والثاني: لا يضركم من ضل من أهل الكتاب إذا أدوا الجزية ، قاله  مجاهد .  
وفي قوله: فينبئكم بما كنتم تعملون  تنبيه على الجزاء . 
فصل 
فعلى ما ذكرنا عن  الزجاج  في معنى الآية هي محكمة ، وقد ذهب قوم من المفسرين إلى أنها منسوخة ، ولهم في ناسخها قولان . 
أحدهما: أنه آية السيف . 
والثاني: أن آخرها نسخ أولها . روي عن أبي عبيد  أنه قال: ليس في القرآن آية جمعت الناسخ والمنسوخ غير هذه ، وموضع المنسوخ منها إلى قوله: لا يضركم من ضل  والناسخ: قوله: إذا اهتديتم . والهدى هاهنا: الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر . 
				
						
						
