وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين [ ص: 32 ] قوله تعالى: وإن كان كبر عليك إعراضهم سبب نزولها: أن الحارث بن عامر أتى النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من قريش فقال: يا محمد ، ائتنا بآية كما كانت الأنبياء تأتي قومها بالآيات ، فإن فعلت آمنا بك ، فنزلت هذه الآية ، رواه عن أبو صالح "وكبر" بمعنى: "عظم" . وفي إعراضهم قولان . ابن عباس .
أحدهما: عن استماع القرآن . والثاني: عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم .
فأما "النفق" ، فقال النفق في الأرض: المدخل ، وهو السرب . والسلم في السماء: المصعد . وقال ابن قتيبة: : النفق: الطريق النافذ في الأرض . والنافقاء ، ممدود: أحد جحره اليربوع يخرقه من باطن الأرض إلى جلدة الأرض ، فإذا بلغ الجلدة أرقها ، حتى إن رابه ريب ، دفع برأسه ذلك المكان وخرج ومنه سمي المنافق ، لأنه أبطن غير ما أظهر ، كالنافقاء الذي ظاهره غير بين ، وباطنه حفر في الأرض . الزجاج
"والسلم" مشتق من السلامة ، وهو الشيء الذي يسلمك إلى مصعدك . والمعنى: فإن استطعت هذا فافعل ، "وحذف" فافعل ، لأن في الكلام دليلا عليه .
وقال السلم: السبب والمرقاة ، تقول: اتخذتني سلما لحاجتك ، أي: سببا . أبو عبيدة:
وفي قوله: فتأتيهم بآية قولان
أحدهما: بآية قد سألوك إياها: وذلك أنهم سألوا نزول ملك ، ومثل آيات الأنبياء ، كعصا موسى ، وناقة صالح .
والثاني: بآية هي أفضل من آيتك .
قوله تعالى: ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فيه ثلاثة أقوال . [ ص: 33 ]
أحدها: لو شاء أن يطبعهم على الهدى لطبعهم .
والثاني: لو شاء لأنزل ملائكة تضطرهم إلى الإيمان ، ذكرهما . الزجاج
والثالث: لو شاء لآمنوا كلهم فأخبر إنما تركوا الإيمان بمشيئته ، ونافذ قضائه .
قوله تعالى: فلا تكونن من الجاهلين فيه ثلاثة أقوال .
أحدها: لا تجهل أنه لو شاء لجمعهم على الهدى .
والثاني: لا تجهل أنه يؤمن بك بعضهم ويكفر بعضهم .
والثالث: لا تكونن ممن لا صبر له ، لأن قلة الصبر من أخلاق الجاهلين .