وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنـزل الله على بشر من شيء قل من أنـزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون
قوله تعالى: وما قدروا الله حق قدره في سبب نزولها سبعة أقوال .
أحدها: أن مالك بن الصيف رأس اليهود ، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى ، أتجد فيها أن الله يبغض الحبر السمين؟" قال: نعم . قال: "فأنت الحبر السمين" . فغضب ، ثم قال: ما أنزل الله على بشر من شيء فنزلت هذه الآية ، رواه عن أبو صالح وكذلك قال ابن عباس; سعيد بن جبير ، نزلت في وعكرمة: مالك بن الصيف .
والثاني: أن اليهود قالوا: يا محمد ، أنزل الله عليك كتابا؟ قال: "نعم" قالوا: والله ما أنزل الله من السماء كتابا ، فنزلت هذه الآية ، رواه عن الوالبي ابن عباس .
والثالث: أن اليهود قالوا: يا محمد ، إن موسى جاء بألواح يحملها من عند الله ، فائتنا بآية كما جاء موسى ، فنزل: يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا [ ص: 83 ] من السماء إلى قوله: "عظيما"[النساء:153-156] . فلما حدثهم بأعمالهم الخبيثة ، قالوا: والله ما أنزل الله عليك ولا على موسى وعيسى ، ولا على بشر من شيء ، فنزلت هذه الآية ، قاله محمد بن كعب .
والرابع: أنها نزلت في اليهود والنصارى ، آتاهم الله علما ، فلم ينتفعوا به ، قاله قتادة .
والخامس: أنها نزلت في فنحاص اليهودي ، وهو الذي قال: ما أنزل الله على بشر من شيء قاله السدي .
والسادس: أنها نزلت في مشركي قريش ، قالوا: والله ما أنزل الله على بشر من شيء ، رواه عن ابن أبي نجيح مجاهد .
والسابع: أن أولها ، إلى قوله: من شيء في مشركي قريش . وقوله: من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى في اليهود ، رواه ابن كثير عن وفي معنى مجاهد . وما قدروا الله حق قدره ثلاثة أقوال .
أحدها: ما عظموا الله حق عظمته ، قاله ابن عباس ، والحسن ، والفراء; وثعلب ، والزجاج .
والثاني: ما وصفه حق صفته ، قاله واختاره أبو العالية ، الخليل .
والثالث: ما عرفوه حق معرفته ، قاله أبو عبيدة .
[ ص: 84 ] قوله تعالى: ( يجعلونه قراطيس ) معناه يكتبونه في قراطيس وقيل إنما قال قراطيس لأنهم كانوا يكتبونه في قراطيس مقطعة حتى لا تكون مجموهة ليخفوا منها ما شاؤوا .
قوله تعالى: ( يبدونها ) قرأ ابن كثير " يجعلونه قراطيس يبدونها " ، "ويخفون" بالياء فيهن . وقرأ وأبو عمرو: نافع ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، بالتاء فيهن . فمن قرأ بالياء ، فلأن القوم غيب ، بدليل قوله: والكسائي: وما قدروا الله حق قدره . ومن قرأ بالتاء ، فعلى الخطاب; والمعنى: تبدون منها ما تحبون ، وتخفون كثيرا ، مثل صفة محمد صلى الله عليه وسلم وآية الرجم ، ونحو ذلك مما كتموه .
قوله تعالى: وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم في المخاطب بهذا قولان .
أحدهما: أنهم اليهود ، قاله الجمهور .
والثاني: أنه خطاب للمسلمين ، قاله فعلى الأول: علموا ما في التوراة; وعلى الثاني: علموا على لسان مجاهد . محمد صلى الله عليه وسلم .
قوله تعالى: قل الله هذا جواب لقوله: من أنزل الكتاب وتقديره: فإن أجابوك ، وإلا فقل: الله أنزله .
قوله تعالى: ثم ذرهم تهديد . وخوضهم: باطلهم . وقيل: إن هذا أمر بالإعراض عنهم ، ثم نسخ بآية السيف .
قوله تعالى: وهذا كتاب أنزلناه يعني القرآن . قال : والمبارك: الذي يأتي من قبله الخير الكثير . والمعنى: أنزلناه للبركة والإنذار . الزجاج