الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وكذلك نصرف الآيات قال الأخفش وكذلك معناها: وهكذا . وقال الزجاج : المعنى: ومثل ما بينا فيما تلي عليك ، نبين الآيات . قال ابن عباس : نصرف الآيات ، أي: نبينها في كل وجه ، ندعوهم بها مرة ، ونخوفهم بها أخرى . وليقولوا يعني أهل مكة حين تقرأ عليهم القرآن "دارست" .

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن الأنباري: معنى الآية: وكذلك نصرف الآيات ، لنلزمهم الحجة ، وليقولوا: دارست; وإنما صرف الآيات ليسعد قوم بفهمها والعمل بها ، ويشقى آخرون بالإعراض عنها; فمن عمل بها سعد ، ومن قال: دارست ، شقي . قال الزجاج : وهذه اللام في ليقولوا يسميها أهل اللغة لام الصيرورة . والمعنى: أن السبب الذي أداهم إلى أن قالوا: دارست ، هو تلاوة الآيات ، وهذا كقوله: فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا [القصص:8] وهم لم يطلبوا بأخذه أن يعاديهم ، ولكن كان عاقبة الأمر أن صار لهم عدوا وحزنا . ومثله أن تقول: كتب فلان الكتاب لحتفه ، فهو لم يقصد أن يهلك نفسه بالكتاب ، ولكن العاقبة كانت الهلاك .

                                                                                                                                                                                                                                      فأما "دارست" فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: دارست بالألف وسكون السين وفتح التاء; ومعناها: ذاكرت أهل الكتاب . وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي: [ ص: 101 ] "درست" بسكون وفتح التاء ، من غير ألف ، على معنى: قرأت كتب أهل الكتاب . قال المفسرون: معناها: تعلمت من جبر ويسار . وسنبين هذا في قوله: إنما يعلمه بشر [النحل:103] إن شاء الله وقرأ ابن عامر ، ويعقوب: "درست" بفتح الراء والسين وسكون التاء من غير ألف . والمعنى: هذه الأخبار التي تتلوها علينا قديمة قد درست . أي: قد مضت وامحت . وجميع من ذكرنا فتح الدال في قراءته . وقد روي عن نافع أنه قال: "درست" برفع الدال ، وكسر الراء وتخفيف التاء ، وهي قراءة ابن يعمر; ومعناها: قرئت . وقرأ أبي بن كعب: "درست" بفتح الدال والسين وضم الراء وتسكين التاء . قال الزجاج : وهي بمعنى: "درست" أي: امحت; إلا أن المضمومة الراء أشد مبالغة . وقرأ معاذ القارئ ، وأبو العالية ، ومورق: "درست" برفع الدال ، وكسر الراء وتشديدها ساكنة السين . وقرأ ابن مسعود ، وطلحة بن مصرف: "درس" بفتح الراء والسين بلا ألف ولا تاء . وروى عصمة عن الأعمش: "دارس" بألف .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ولنبينه يعني التصريف لقوم يعلمون ما تبين لهم من الحق فقبلوه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية