القول في تأويل قوله تعالى :
[ 54 ] كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين .
كدأب آل فرعون والذين من قبلهم فكان مبدأ تغييرهم أنهم : كذبوا بآيات ربهم [ ص: 3019 ] أي : الذي رباهم بالنعم ، فصرفوها إلى غير ما خلقت له بمقتضى تلك الآيات ، فكانت ذنوبا فأهلكناهم أي : زيادة على سلبه النعم بذنوبهم أي : بما صرفوا بها النعم إلى غير ما خلقت له وأغرقنا آل فرعون لإغراقهم النعم في بحر الإنكار بنسبتها إلى فرعون حيث أقروا بآلهيته وكل أي : من الفرق المكذبة الكافرة ، أو من آل فرعون ومن قبلهم ، وكفار قريش .
كانوا ظالمين أي : بصرف النعم إلى غير ما خلقت له ، وهو نوع من الإغراق لها في بحر الإنكار لأنه مرجع التغيير لها . كذا أول المهايمي .
وفيه إشارة إلى دفع ما يتوهم من التكرار في الآيتين ، بتغير التشبيهين فيهما ، فلا يحتاج إلى دعوى التأكيد ، فمعنى الأول : حال هؤلاء كحال آل فرعون في الكفر ، فأخذهم وآتاهم العذاب ، ومعنى الثاني : حال هؤلاء كحال آل فرعون في تغييرهم النعم ، وتغيير الله حالهم بسبب ذلك التغيير ، وهو أنه أغرقهم .
وقيل : إن النظم يأباه ، لأن وجه التشبيه في الأول كفرهم المترتب عليه العقاب ، فينبغي أن يكون وجهه في الثاني قوله : ( كذبوا ) لأنه مثله ، إذ كل منهما جملة مبتدأة بعد تشبيه ، صالحة لأن تكون وجه الشبه ، فتحمل عليه كقوله تعالى :
إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب وأما قوله : ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة فكالتعليل لحلول النكال ، معترض بين التشبيهين ، غير مختص بقوم ، فجعله وجها للتشبيه بعيد عن الفصاحة . كذا في ( " العناية " ) .