[ ص: 3020 ] القول في تأويل قوله تعالى :
[ 56 ] الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون .
الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون أي : لا يخافون عاقبة الغدر ، ولا يبالون بما فيه من العار والنار .
تنبيهات :
الأول : قال المهايمي : أشار تعالى إلى أنه كيف يترك نعمه على من غير أحواله التي كانت أسباب النعم ، وقد كان بها إنسانيته ، فبتغييرها لحق بالدواب ، وبإنكار المنعم صار شرا منها ، والنعم تسلب ممن لا يعرف قدرها ، فكيف لا تسلب ممن ينكر المنعم ؟ .
الثاني : دلت الآية على جواز ، حيث سماهم تعالى ( دواب ) ، وأخبر أنهم ( شر الدواب ) . تحقير العصاة ، والاستخفاف بهم
الثالث : قالوا : نزلت الآية في يهود بني قريظة ، رهط كعب بن الأشرف ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان عاهدهم ألا يحاربوه ، ولا يعاونوا عليه ، فنقضوا العهد ، وأعانوا مشركي مكة بالسلاح على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ثم قالوا : نسينا وأخطأنا ، فعاهدهم الثانية فنقضوا العهد أيضا . ومالؤوا الكفار على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق ، وركب كعب بن الأشرف إلى مكة ، فوافقهم على مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الرابع : ( الذين ) بدل من الموصول الأول ، أو عطف بيان له ، أو نصب له على الذم . وضمن عاهدت معنى الأخذ ، حتى عدي ب ( من ) ، أي : أخذت منهم عهدهم .
وقيل : ( من ) صلة ، وقال أبو حيان : هي للتبعيض ، لأن المباشر بالذات للمعاهدة بعض القوم ، وهي الرؤساء والأشراف .
الخامس : قوله : وهم لا يتقون حال من فاعل ينقضون أي : يستمرون على النقض ، والحال أنهم لا يتقون العار فيه ، لأن عادة من يرجع إلى دين وعقل وحزم
أن يتقي [ ص: 3021 ] نقض العهد ، حتى يسكن الناس إلى قوله ، ويثقون بكلامه ، فبين الله عز وجل أن من جمع بين الكفر ونقض العهد ، فهو شر من الدواب .
ثم شرع تعالى في بيان أحكام الناقضين ، بعد تفصيل أحوالهم ، بقوله :