[ 53 ] قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين .
قل أنفقوا يعني أموالكم في سبيل الله ووجوه البر طوعا أو كرها مصدران وقعا موقع الفاعل ، أي : طائعين من قبل أنفسكم ، أو كارهين مخافة القتل لن يتقبل منكم أي : ذلك الإنفاق . ثم بين سبب ذلك بقوله : إنكم كنتم قوما فاسقين أي : عاتين ، متمردين .
لطائف :
قال : فإن قلت : كيف أمرهم بالإنفاق ثم قال : الزمخشري لن يتقبل منكم ! قلت : هو أمر في معنى الخبر ، كقوله تبارك وتعالى : قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا ومعناه : لن يتقبل منكم أنفقتم طوعا أو كرها ، ونحوه قوله تعالى : استغفر لهم أو لا تستغفر لهم
وقوله :
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة
أي : لن يغفر الله لهم ، استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم ، ولا نلومك ، أسأت إلينا أم أحسنت .
[ ص: 3175 ] فإن قلت : متى يجوز هذا ؟ قلت : إذا دل الكلام عليه ، كما جاز عكسه في قولك : رحم الله زيدا وغفر له .
فإن قلت : لم فعل ذلك ؟ قلت : لنكتة فيه ، وهي أن كثيرا كأنه يقول لعزة : امتحني لطف محلك عندي ، وقوة محبتي لك ، وعامليني بالإساءة والإحسان ، وانظري : هل يتفاوت حالي معك ، مسيئة كنت أو محسنة ! وفي معناه قول القائل :
أخوك الذي إن قمت بالسيف عامدا لتضربه لم يستغشك في الود
وكذلك المعنى : أنفقوا وانظروا ، هل يتقبل منكم ؟ واستغفر لهم أو لا تستغفر لهم ، وانظر هل ترى اختلافا بين حال الاستغفار وتركه ؟
فإن قلت : ما الغرض في نفي التقبل ، أهو ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم تقبله منهم ، ورده عليهم ما يبذلون منه ، أم هو كونه غير مقبول عند الله تعالى ، ذاهبا هباء لا ثواب له ؟ قلت : يحتمل الأمرين جميعا .
وقد روي أن الآية من تتمة جواب الجد بن قيس حيث قال للنبي صلى الله عليه وسلم : هذا مالي أعينك به ، فاتركني ولا تفتني . والله أعلم .