القول في تأويل قوله تعالى :
[ 103 ]
nindex.php?page=treesubj&link=19731_23465_28723_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103خذ من أموالهم أي : بعضها
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103صدقة
قال
المهايمي : لتصدق توبتهم إذ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103تطهرهم [ ص: 3252 ] أي : عما تلطخوا به من أوضار التخلف . وعن حب المال الذي كان التخلف بسببه
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103وتزكيهم بها أي : عن سائر الأخلاق الذميمة التي حصلت عن المال .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : التزكية مبالغة في التطهير وزيادة فيه ، أو بمعنى الإنماء والبركة في المال
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103وصل عليهم أي : واعطف عليهم بالدعاء لهم وترحم
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103إن صلاتك سكن لهم أي : تسكن نفوسهم إليها ، وتطمئن قلوبهم بها ، ويثقون بأنه سبحانه قبل توبتهم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة : سكن ، أي : وقار .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : رحمة لهم . وقد روى الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد عن
nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة nindex.php?page=hadith&LINKID=703035أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا للرجل ، أصابته وأصابت ولده وولد ولده . وفي رواية :
nindex.php?page=hadith&LINKID=703149إن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لتدرك الرجل وولده وولد ولده .
والجملة تعليل للأمر بالصلاة عليهم
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103والله سميع أي : يسمع اعترافهم بذنوبهم ودعاءهم
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103عليم أي : بما في ضمائرهم من الندم والغم ، لما فرط منهم .
تنبيهات :
الأول :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103تطهرهم قرئ مجزوما على أنه جواب للأمر ، وأما بالرفع فعلى أنه حال من ضمير المخاطب في
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103خذ أو صفة ل ( صدقة ) ، والتاء للخطاب أو للصدقة .
والعائد على الأول محذوف ثقة بما بعده ، أي : بها .
وقرئ تطهرهم ، من أطهره بمعنى طهره ، ولم يقرأ : وتزكيهم ، إلا بإثبات الياء وهو خبر لمحذوف ، والجملة حال من الضمير في الأمر أو في جوابه ، أي : وأنت تزكيهم بها ، هذا على قراءة "تطهرهم" بالجزم .
وأما على قراءة الرفع فـ ( تزكيهم ) عطف على ( تطهرهم ) حالا أو صفة .
الثاني : قرئ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103صلاتك بالتوحيد ، و ( صلواتك ) بالجمع ، مراعاة لتعدد المدعو لهم .
وقال
الشهاب : جمع ( صلاة ) ، لأنها اسم جنس ، والتوحيد لذلك ، أو لأنها مصدر في الأصل .
[ ص: 3253 ] الثالث : قال
الشهاب : السكن السكون ، وما يسكن إليه من الأهل والوطن ، فإن كان المراد الأول ، فجعلها نفس السكن والاطمئنان مبالغة ، وهو الظاهر ، وإن كان الثاني فهو مجاز بتشبيه دعائه ، في الالتجاء إليه بالسكن ، انتهى .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء : سكن بمعنى مسكون إليها ، فلذلك لم يؤنثه ، وهو مثل القبض بمعنى المقبوض .
الرابع : قيل : المأمور به في الآية الزكاة . و ( من ) تبعيضية ، وكانوا أرادوا التصدق بجميع مالهم ، فأمره الله أن يأخذ بعضها لتوبتهم ، لأن الزكاة لم تقبل من بعض المنافقين ، فترتبط الآية بما قبلها .
وقيل : ليست هذه الصدقة المفروضة ، بل هم لما تابوا ، بذلوا جميع مالهم كفارة للذنب الصادر منهم ، فأمره الله تعالى بأخذ بعضها وهو الثلث ، وهذا ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ، وهو المختار عندهم . ونقل
الرازي أن أكثر الفقهاء على أن هذه الآية كلام مبتدأ قصد به إيجاب
nindex.php?page=treesubj&link=2646أخذ الزكوات من الأغنياء ، إذ هي حجتهم في إيجاب الزكاة ، ثم نظر فيه بأن حملها على ما ذكروه يوجب ألا تنتظم الآية مع سابقها ولاحقها .
وأقول : لا ريب في ارتباط الآية بما قبلها ، كما أفصحت عنه الرواية السابقة . وخصوص سببها لا يمنع عموم لفظها ، كما هو القاعدة في مثل ذلك ، ولذا رد
nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق رضي الله عنه على من تأول من بعض
العرب هذه الآية أن دفع الزكاة لا يكون إلا للرسول صلوات الله عليه ، لأنه المأمور بالأخذ ، وبالصلاة على المتصدقين ، فغيره لا يقوم مقامه وأمر بقتالهم ، فوافقته الصحابة ، وقاتلوهم حتى أدوا الزكاة إلى الخليفة ، كما كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فاستدل من ذلك على وجوب دفع الزكاة إلى الإمام ، ومثله نائبه ، وهؤلاء المتأولون المرتدون غاب عنهم أن الزكاة إنما أوجبها الله تعالى سدا لحاجة المعدم ، وتفريجا لكربة الغارم ، وتحريرا لرقاب المستعبدين ، وتيسيرا لأبناء السبيل ، فاستل بذلك ضغائن أهل الفاقة ، على من فضلوا عليهم في الرزق ، وأشعر قلوب أولئك محبة هؤلاء ، وساق الرحمة في نفوس
[ ص: 3254 ] هؤلاء على أولئك البائسين ، فالإمام لا خصوصية لذاته فيها ، بل لأنه يجمع ما يرد منها لديه ، فينفقها في سبلها المذكورة .
الخامس : استدل بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103وصل عليهم على ندب
nindex.php?page=treesubj&link=3101الدعاء للمتصدق .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله : السنة للإمام إذا أخذ الصدقة أن يدعو للمتصدق ، ويقول : آجرك الله فيما أعطيت وجعله طهورا ، وبارك لك فيما أبقيت ، وقال آخرون : يقول : اللهم صل على فلان ، ويدل عليه ما روي
nindex.php?page=hadith&LINKID=651402عن عبد الله بن أبي أوفى ، وكان من أصحاب الشجرة قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقة قال :
« اللهم صل عليهم » ، فأتاه أبي بصدقته فقال : « اللهم صل على آل أبي أوفى » . أخرجاه في الصحيحين .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير : وفي الحديث الآخر
nindex.php?page=hadith&LINKID=673233أن امرأة قالت : يا رسول الله ! صل علي وعلى زوجي ، فقال : « صلى الله عليك وعلى زوجك » .
أقول : وبهذين الحديثين يرد على من زعم أن المراد بـ : ( صل عليهم ) الصلاة على الموتى حكاه
السيوطي في ( " الإكليل " ) .
السادس : دلت الآية كالحديثين ، على جواز
nindex.php?page=treesubj&link=25968الصلاة على غير الأنبياء استقلالا .
قال
الرازي : روى
الكعبي في " تفسيره " أن
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا رضي الله عنه قال
nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر رضي الله عنه وهو مسجى : عليك الصلاة والسلام . ومن الناس من أنكر ذلك .
ونقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : لا تنبغي الصلاة من أحد على أحد ، إلا في حق النبي صلى الله عليه وسلم .
ثم قال
الرازي : إن أصحابنا يمنعون من ذكر صلوات الله عليه ، وعليه الصلاة والسلام ، إلا في حق الرسول ،
والشيعة يذكرونه في علي وأولاده ،
[ ص: 3255 ] واحتجوا بأن نص القرآن دل على جوازه فيمن يؤدي الزكاة ، فكيف يمنع في حق
nindex.php?page=showalam&ids=8علي nindex.php?page=showalam&ids=35والحسن nindex.php?page=showalam&ids=17والحسين عليهم رضوان الله ؟ قال : ورأيت بعضهم قال : أليس أن الرجل إذا قال : سلام عليكم ، يقال له : وعليكم السلام ، فدل هذا على أن ذكر هذا اللفظ جائز في حق جمهور المسلمين ، فأولى آل البيت . انتهى .
وأقول : إن المنع من ذلك أدبي لا شرعي ، لأنه صار - في العرف - دعاء خاصا به صلى الله عليه وسلم ، وشعارا له ، كالعلم بالغلبة ، فغيره لا يطلق عليه ، إلا تبعية له ، أدبا لفظيا .
السابع : قال
الرازي : في سر كون صلاته عليه السلام سكنا لهم : أن روح
محمد عليه السلام كانت روحا قوية مشرقة صافية باهرة ، فإذا دعا لهم وذكرهم بالخير ، فاضت آثار من قوته الروحانية على أرواحهم ، فأشرقت بهذا السبب أرواحهم ، وصفت أسرارهم .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
[ 103 ]
nindex.php?page=treesubj&link=19731_23465_28723_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ أَيْ : بَعْضَهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103صَدَقَةً
قَالَ
الْمَهَايِمِيُّ : لِتَصْدُقَ تَوْبَتُهُمْ إِذْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103تُطَهِّرُهُمْ [ ص: 3252 ] أَيْ : عَمَّا تَلَطَّخُوا بِهِ مِنْ أَوَضَارِ التَّخَلُّفِ . وَعَنْ حُبِّ الْمَالِ الَّذِي كَانَ التَّخَلُّفُ بِسَبَبِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا أَيْ : عَنْ سَائِرِ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ الَّتِي حَصَلَتْ عَنِ الْمَالِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : التَّزْكِيَةُ مُبَالَغَةٌ فِي التَّطْهِيرِ وَزِيَادَةٌ فِيهِ ، أَوْ بِمَعْنَى الْإِنْمَاءِ وَالْبَرَكَةِ فِي الْمَالِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103وَصَلِّ عَلَيْهِمْ أَيْ : وَاعْطِفْ عَلَيْهِمْ بِالدُّعَاءِ لَهُمْ وَتَرَحَّمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ أَيْ : تُسَكِّنُ نُفُوسَهُمْ إِلَيْهَا ، وَتُطَمْئِنُ قُلُوبَهُمْ بِهَا ، وَيَثِقُونَ بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَبِلَ تَوْبَتَهُمْ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16815قَتَادَةُ : سَكَنٌ ، أَيْ : وَقَارٌ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : رَحْمَةٌ لَهُمْ . وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=21حُذَيْفَةَ nindex.php?page=hadith&LINKID=703035أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا دَعَا لِلرَّجُلِ ، أَصَابَتْهُ وَأَصَابَتْ وَلَدَهُ وَوَلَدَ وَلَدِهِ . وَفِي رِوَايَةٍ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=703149إِنَّ صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَتُدْرِكُ الرَّجُلَ وَوَلَدَهُ وَوَلَدَ وَلَدِهِ .
وَالْجُمْلَةُ تَعْلِيلٌ لِلْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103وَاللَّهُ سَمِيعٌ أَيْ : يَسْمَعُ اعْتِرَافَهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَدُعَاءَهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103عَلِيمٌ أَيْ : بِمَا فِي ضَمَائِرِهِمْ مِنَ النَّدَمِ وَالْغَمِّ ، لِمَا فَرَطَ مِنْهُمْ .
تَنْبِيهَاتٌ :
الْأَوَّلُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103تُطَهِّرُهُمْ قُرِئَ مَجْزُومًا عَلَى أَنَّهُ جَوَابٌ لِلْأَمْرِ ، وَأَمَّا بِالرَّفْعِ فَعَلَى أَنَّهُ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103خُذْ أَوْ صِفَةٌ لِ ( صَدَقَةٍ ) ، وَالتَّاءُ لِلْخِطَابِ أَوْ لِلصَّدَقَةِ .
وَالْعَائِدُ عَلَى الْأَوَّلِ مَحْذُوفٌ ثِقَةً بِمَا بَعْدَهُ ، أَيْ : بِهَا .
وَقُرِئَ تُطْهِرُهُمْ ، مِنْ أَطْهَرَهُ بِمَعْنَى طَهَّرَهُ ، وَلَمْ يُقْرَأْ : وَتُزَكِّيهِمْ ، إِلَّا بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ وَهُوَ خَبَرٌ لِمَحْذُوفٍ ، وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي الْأَمْرِ أَوْ فِي جَوَابِهِ ، أَيْ : وَأَنْتَ تُزَكِّيهِمْ بِهَا ، هَذَا عَلَى قِرَاءَةِ "تُطَهِّرْهُمْ" بِالْجَزْمِ .
وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ الرَّفْعِ فَـ ( تُزَكِّيهِمْ ) عَطْفٌ عَلَى ( تُطَهِّرُهُمْ ) حَالًا أَوْ صِفَةً .
الثَّانِي : قُرِئَ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103صَلاتَكَ بِالتَّوْحِيدِ ، وَ ( صَلَوَاتَكَ ) بِالْجَمْعِ ، مُرَاعَاةً لِتَعَدُّدِ الْمَدْعُوِّ لَهُمْ .
وَقَالَ
الشِّهَابُ : جَمَعَ ( صَلَاةً ) ، لِأَنَّهَا اسْمُ جِنْسٍ ، وَالتَّوْحِيدُ لِذَلِكَ ، أَوْ لِأَنَّهَا مَصْدَرٌ فِي الْأَصْلِ .
[ ص: 3253 ] الثَّالِثُ : قَالَ
الشِّهَابُ : السَّكَنُ السُّكُونُ ، وَمَا يُسْكَنُ إِلَيْهِ مِنَ الْأَهْلِ وَالْوَطَنِ ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْأَوَّلَ ، فَجَعْلُهَا نَفْسَ السَّكَنِ وَالِاطْمِئْنَانِ مُبَالَغَةٌ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَهُوَ مَجَازٌ بِتَشْبِيهِ دُعَائِهِ ، فِي الِالْتِجَاءِ إِلَيْهِ بِالسَّكَنِ ، انْتَهَى .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14803أَبُو الْبَقَاءِ : سَكَنٌ بِمَعْنَى مَسْكُونٍ إِلَيْهَا ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُؤَنِّثْهُ ، وَهُوَ مِثْلُ الْقَبْضِ بِمَعْنَى الْمَقْبُوضِ .
الرَّابِعُ : قِيلَ : الْمَأْمُورُ بِهِ فِي الْآيَةِ الزَّكَاةُ . وَ ( مِنْ ) تَبْعِيضِيَّةٌ ، وَكَانُوا أَرَادُوا التَّصَدُّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِمْ ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَهَا لِتَوْبَتِهِمْ ، لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَمْ تُقْبَلْ مِنْ بَعْضِ الْمُنَافِقِينَ ، فَتَرْتَبِطُ الْآيَةُ بِمَا قَبْلَهَا .
وَقِيلَ : لَيْسَتْ هَذِهِ الصَّدَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ ، بَلْ هُمْ لَمَّا تَابُوا ، بَذَلُوا جَمِيعَ مَالِهِمْ كَفَّارَةً لِلذَّنْبِ الصَّادِرِ مِنْهُمْ ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَخْذِ بَعْضِهَا وَهُوَ الثُّلُثُ ، وَهَذَا مَا رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُمْ . وَنَقَلَ
الرَّازِيُّ أَنَّ أَكْثَرَ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ قُصِدَ بِهِ إِيجَابُ
nindex.php?page=treesubj&link=2646أَخْذِ الزَّكَوَاتِ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ ، إِذْ هِيَ حُجَّتُهُمْ فِي إِيجَابِ الزَّكَاةِ ، ثُمَّ نُظِرَ فِيهِ بِأَنَّ حَمْلَهَا عَلَى مَا ذَكَرُوهُ يُوجِبُ أَلَّا تَنْتَظِمَ الْآيَةُ مَعَ سَابِقِهَا وَلَاحِقِهَا .
وَأَقُولُ : لَا رَيْبَ فِي ارْتِبَاطِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا ، كَمَا أَفْصَحَتْ عَنْهُ الرِّوَايَةُ السَّابِقَةُ . وَخُصُوصُ سَبَبِهَا لَا يَمْنَعُ عُمُومَ لَفْظِهَا ، كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ ، وَلِذَا رَدَّ
nindex.php?page=showalam&ids=1الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى مَنْ تَأَوَّلَ مِنْ بَعْضِ
الْعَرَبِ هَذِهِ الْآيَةَ أَنَّ دَفْعَ الزَّكَاةِ لَا يَكُونُ إِلَّا لِلرَّسُولِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ الْمَأْمُورُ بِالْأَخْذِ ، وَبِالصَّلَاةِ عَلَى الْمُتَصَدِّقِينَ ، فَغَيْرُهُ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَأَمَرَ بِقِتَالِهِمْ ، فَوَافَقَتْهُ الصَّحَابَةُ ، وَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى أَدَّوُا الزَّكَاةَ إِلَى الْخَلِيفَةِ ، كَمَا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فَاسْتُدِلَّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وُجُوبِ دَفْعِ الزَّكَاةِ إِلَى الْإِمَامِ ، وَمِثْلُهُ نَائِبُهُ ، وَهَؤُلَاءِ الْمُتَأَوِّلُونَ الْمُرْتَدُّونَ غَابَ عَنْهُمْ أَنَّ الزَّكَاةَ إِنَّمَا أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى سَدًّا لِحَاجَةِ الْمُعْدَمِ ، وَتَفْرِيجًا لِكُرْبَةِ الْغَارِمِ ، وَتَحْرِيرًا لِرِقَابِ الْمُسْتَعْبَدِينَ ، وَتَيْسِيرًا لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ ، فَاسْتَلَّ بِذَلِكَ ضَغَائِنُ أَهْلِ الْفَاقَةِ ، عَلَى مَنْ فُضِّلُوا عَلَيْهِمْ فِي الرِّزْقِ ، وَأَشْعَرَ قُلُوبَ أُولَئِكَ مَحَبَّةَ هَؤُلَاءِ ، وَسَاقَ الرَّحْمَةَ فِي نُفُوسِ
[ ص: 3254 ] هَؤُلَاءِ عَلَى أُولَئِكَ الْبَائِسِينَ ، فَالْإِمَامُ لَا خُصُوصِيَّةَ لِذَاتِهِ فِيهَا ، بَلْ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ مَا يَرِدُ مِنْهَا لَدَيْهِ ، فَيُنْفِقُهَا فِي سُبُلِهَا الْمَذْكُورَةِ .
الْخَامِسُ : اسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103وَصَلِّ عَلَيْهِمْ عَلَى نَدْبِ
nindex.php?page=treesubj&link=3101الدُّعَاءِ لِلْمُتَصَدِّقِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : السُّنَّةُ لِلْإِمَامِ إِذَا أَخَذَ الصَّدَقَةَ أَنْ يَدْعُوَ لِلْمُتَصَدِّقِ ، وَيَقُولَ : آجَرَكَ اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْتَ وَجَعَلَهُ طَهُورًا ، وَبَارَكَ لَكَ فِيمَا أَبْقَيْتَ ، وَقَالَ آخَرُونَ : يَقُولُ : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى فُلَانٍ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=651402عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَةٍ قَالَ :
« اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِمْ » ، فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ : « اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى » . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابْنُ كَثِيرٍ : وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=673233أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! صَلِّ عَلَيَّ وَعَلَى زَوْجِي ، فَقَالَ : « صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكِ وَعَلَى زَوْجِكِ » .
أَقُولُ : وَبِهَذَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ يُرَدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِـ : ( صَلِّ عَلَيْهِمْ ) الصَّلَاةُ عَلَى الْمَوْتَى حَكَاهُ
السُّيُوطِيُّ فِي ( " الْإِكْلِيلِ " ) .
السَّادِسُ : دَلَّتِ الْآيَةُ كَالْحَدِيثَيْنِ ، عَلَى جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=25968الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ اسْتِقْلَالًا .
قَالَ
الرَّازِيُّ : رَوَى
الْكَعْبِيُّ فِي " تَفْسِيرِهِ " أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=2لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ مُسَجًّى : عَلَيْكَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ . وَمِنَ النَّاسِ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ .
وَنُقِلَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ : لَا تَنْبُغِي الصَّلَاةُ مِنْ أَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ ، إِلَّا فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
ثُمَّ قَالَ
الرَّازِيُّ : إِنَّ أَصْحَابَنَا يَمْنَعُونَ مِنْ ذِكْرِ صَلَوَاتِ اللَّهِ عَلَيْهِ ، وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، إِلَّا فِي حَقِّ الرَّسُولِ ،
وَالشِّيعَةُ يَذْكُرُونَهُ فِي عَلِيٍّ وَأَوْلَادِهِ ،
[ ص: 3255 ] وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ نَصَّ الْقُرْآنِ دَلَّ عَلَى جَوَازِهِ فِيمَنْ يُؤَدِّي الزَّكَاةَ ، فَكَيْفَ يُمْنَعُ فِي حَقِّ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ nindex.php?page=showalam&ids=35وَالْحَسَنِ nindex.php?page=showalam&ids=17وَالْحُسَيْنِ عَلَيْهِمْ رِضْوَانُ اللَّهِ ؟ قَالَ : وَرَأَيْتُ بَعْضَهُمْ قَالَ : أَلَيْسَ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَالَ : سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ، يُقَالُ لَهُ : وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ ذِكْرَ هَذَا اللَّفْظِ جَائِزٌ فِي حَقِّ جُمْهُورِ الْمُسْلِمِينَ ، فَأَوْلَى آلُ الْبَيْتِ . انْتَهَى .
وَأَقُولُ : إِنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ أَدَبِيٌّ لَا شَرْعِيٌّ ، لِأَنَّهُ صَارَ - فِي الْعُرْفِ - دُعَاءً خَاصًّا بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَشِعَارًا لَهُ ، كَالْعِلْمِ بِالْغَلَبَةِ ، فَغَيْرُهُ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ ، إِلَّا تَبَعِيَّةً لَهُ ، أَدَبًا لَفْظِيًّا .
السَّابِعُ : قَالَ
الرَّازِيُّ : فِي سِرِّ كَوْنِ صَلَاتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَكَنًا لَهُمْ : أَنَّ رُوحَ
مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَتْ رُوحًا قَوِيَّةً مُشْرِقَةً صَافِيَةً بَاهِرَةً ، فَإِذَا دَعَا لَهُمْ وَذَكَرَهُمْ بِالْخَيْرِ ، فَاضَتْ آثَارٌ مِنْ قُوَّتِهِ الرُّوحَانِيَّةِ عَلَى أَرْوَاحِهِمْ ، فَأَشْرَقَتْ بِهَذَا السَّبَبِ أَرْوَاحُهُمْ ، وَصَفَتْ أَسْرَارُهُمْ .