[ ص: 367 ] القول في تأويل قوله تعالى:
[168] يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين
يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا حال أو مفعول، وهو ما انتفى عنه حكم التحريم: طيبا أي: مستطابا في نفسه، غير ضار للأبدان ولا للعقول.
وقد روى بسنده عن الحافظ أبو بكر بن مردويه قال: ابن عباس يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا فقام فقال: يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة! فقال: « يا سعد بن أبي وقاص أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة. والذي نفس سعد! محمد بيده! إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه أربعين يوما، وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به...! » : تليت هذه الآية عند النبي صلى الله عليه وسلم: ولا تتبعوا خطوات الشيطان وهي طرائقه ومسالكه فيما أضل أتباعه فيه من تحريم البحائر والسوائب والوصائل ونحوها... مما زينه لهم في جاهليتهم، كما في حديث عياض بن حمار الذي في صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: مسلم . « يقول الله تعالى: إن كل مال منحته عبادي فهو لهم حلال » . وفيه: « وإني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم »
[ ص: 368 ] ومما يدخل في خطوات الشيطان: كل معصية لله، ومنها: النذور في المعاصي كما قاله بعض السلف في الآية.
قال نذر رجل أن ينحر ابنه، فأفتاه الشعبي: بذبح كبش، وقال: هذا من خطوات الشيطان! مسروق
قال عن أبو الضحى أتى مسروق: بضرع وملح، فجعل يأكل فاعتزل رجل من القوم، فقال عبد الله بن مسعود ناولوا صاحبكم، فقال: لا أريده. فقال: أصائم أنت؟ قال: لا..! قال: فما شأنك؟ قال حرمت أن آكل ضرعا أبدا...! فقال ابن مسعود: هذا من خطوات الشيطان، فأطعم وكفر عن يمينك..! رواه ابن مسعود: ابن أبي حاتم.
وروي أيضا عن أبي رافع قال: غضبت يوما على امرأتي، فقالت: هي يوما يهودية [ ص: 369 ] ويوما نصرانية، وكل مملوك لها حر إن لم تطلق امرأتك..! فأتيت فقال: إنما هذه من خطوات الشيطان..! وكذلك قالت عبد الله بن عمر - وهي يومئذ أفقه امرأة في زينب بنت أم سلمة المدينة - وأتيت عاصما فقالا مثل ذلك. وابن عمر
وروى عن عبد بن حميد قال: ما كان من يمين أو نذر في غضب، فهو من خطوات الشيطان، وكفارته كفارة يمين! نقله الإمام ابن عباس ابن كثير الدمشقي.
إنه لكم عدو مبين تعليل للنهي، للتنفير عنه والتحذير منه كما قال: إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير وقال تعالى: أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا