[ ص: 384 ] القول في تأويل قوله تعالى:
[174] إن الذين يكتمون ما أنـزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم
إن الذين يكتمون ما أنـزل الله من الكتاب أي: من حدوده وأحكامه وغير ذلك مما أشارت إليه الآية الأولى بالبينات والهدى: ويشترون به أي: يأخذون بدله: ثمنا قليلا أي: مما يتمتعون به من لذات العاجلة، وقلله لحقارته في نفسه، ففيه إشعار بدناءة نفوسهم حيث رضيت بالقليل، أو بالنسبة لما فوتوه على أنفسهم من نعيم الآخرة الذي لا يحاط بوصفه: أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار أي: ما يستتبع النار ويستلزمها، فكأنه عين النار، وأكله أكلها، و: في بطونهم متعلق بـ: يأكلون وفائدته: تأكيد الأكل، وتقريره ببيان مقر المأكول.
قال أكل النار: تناول ما يؤدي إليها، وذكر الأكل لكونه المقصود الأول بتحصيل المال، وذكر: الراغب: في بطونهم تنبيها على شرههم وتقبيحا لتضييع أعظم النعم لأجل الطعم الذي هو أخس متناول من الدنيا....!
ولا يكلمهم الله يوم القيامة قال لم يعن نفي الكلام رأسا، فقد قال: الراغب: فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين وقال: ويوم يقول نادوا شركائي وإنما أراد كلاما يقتضي جدوى ; ولهذا قال معناه يغضب عليهم تنبيها [ ص: 385 ] أنهم بخلاف من قال فيهم: الحسن: تحيتهم يوم يلقونه سلام وقيل: حقيقة: {كلمته } حملته على الكلام، نحو حركته، لأن من كلمته فقد استدعيت كلامه ; فكأنه قيل: لا يستدعي كلامهم نحو قوله: ولا يؤذن لهم فيعتذرون
ولا يزكيهم أي: يطهرهم من دنس الذنوب لغضبه عليهم لأنهم كتموا، وقد علموا، فاستحقوا الغضب: ولهم عذاب أليم أي: مؤلم.