[ ص: 47 ] القول في تأويل قوله تعالى :
[11 ]
nindex.php?page=treesubj&link=30563_32516_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=11وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون [12 ]
nindex.php?page=treesubj&link=30563_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=12ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون
شروع في تعديد بعض من مساوئهم المتفرعة -على ما حكى عنهم من الكفر والنفاق- ، و"الفساد": خروج الشيء عن حال استقامته وكونه منتفعا به . ونقيضه "الصلاح" وهو الحصول على الحالة المستقيمة النافعة . والفساد في الأرض : تهييج الحروب والفتن ، لأن في ذلك فساد ما في الأرض ، وانتفاء الاستقامة عن أحوال الناس ، والزروع ، والمنافع الدينية والدنيوية . قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=205وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ومنه قيل لحرب كانت بين
طيء : حرب الفساد - .
وكان إفساد المنافقين في الأرض أنهم كانوا يمالئون الكفار على المسلمين بإفشاء أسرارهم إليهم ، وإغرائهم عليهم ، واتخاذهم أولياء ، مع ما يدعون في السر إلى: تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم، وجحد الإسلام ، وإلقاء الشبه ، وذلك مما يجرئ الكفرة على إظهار عداوة النبي صلى الله عليه وسلم ، ونصب الحرب له ، وطمعهم - في الغلبة ، فلما كان ذلك من صنيعهم مؤديا إلى الفساد -بتهييج الفتن بينهم- قيل لهم : لا تفسدوا - كما تقول للرجل : لا تقتل نفسك بيدك ولا تلق نفسك في النار ؛ إذا أقدم على ما هذه عاقبته- وقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=73والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير [ ص: 48 ] فأخبر أن مولاة الكافرين تؤدي إلى الفتنة والفساد ، لما تقدم .
وقولهم "إنما نحن مصلحون" أي : بين المؤمنين وأهل الكتاب . نداري الفريقين ونريد الإصلاح بينهما كما حكى الله عنهم أنهم قالوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=62إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا أو معناه : إنما نحن مصلحون في الأرض بالطاعة والانقياد .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب : تصوروا إفسادهم بصورة الإصلاح - لما في قلوبهم من المرض -كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=8أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=43وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=104وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا
وقال
القاشاني: كانوا يرون الصلاح في تحصيل المعاش ، وتيسير أسبابه ، وتنظيم أمور الدنيا - لأنفسهم خاصة - لتوغلهم في محبة الدنيا ، وانهماكهم في اللذات البدنية، واحتجابهم- بالمنافع الجزئية، والملاذ الحسية -عن المصالح العامة الكلية، واللذات العقلية ، وبذلك يتيسر مرادهم ، ويتسهل مطلوبهم ، وهم لا يحسون بإفسادهم المدرك بالحس .
[ ص: 47 ] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
[11 ]
nindex.php?page=treesubj&link=30563_32516_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=11وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ [12 ]
nindex.php?page=treesubj&link=30563_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=12أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ
شُرُوعٌ فِي تَعْدِيدِ بَعْضٍ مِنْ مَسَاوِئِهِمُ الْمُتَفَرِّعَةِ -عَلَى مَا حَكَى عَنْهُمْ مِنَ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ- ، وَ"الْفَسَادُ": خُرُوجُ الشَّيْءِ عَنْ حَالِ اسْتِقَامَتِهِ وَكَوْنِهِ مُنْتَفِعًا بِهِ . وَنَقِيضُهُ "الصَّلَاحُ" وَهُوَ الْحُصُولُ عَلَى الْحَالَةِ الْمُسْتَقِيمَةِ النَّافِعَةِ . وَالْفَسَادُ فِي الْأَرْضِ : تَهْيِيجُ الْحُرُوبِ وَالْفِتَنِ ، لِأَنَّ فِي ذَلِكَ فَسَادَ مَا فِي الْأَرْضِ ، وَانْتِفَاءَ الِاسْتِقَامَةِ عَنْ أَحْوَالِ النَّاسِ ، وَالزُّرُوعِ ، وَالْمَنَافِعِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=205وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَمِنْهُ قِيلَ لِحَرْبٍ كَانَتْ بَيْنَ
طَيْءٍ : حَرْبُ الْفَسَادِ - .
وَكَانَ إِفْسَادُ الْمُنَافِقِينَ فِي الْأَرْضِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُمَالِئُونَ الْكُفَّارَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِإِفْشَاءِ أَسْرَارِهِمْ إِلَيْهِمْ ، وَإِغْرَائِهِمْ عَلَيْهِمْ ، وَاتِّخَاذِهِمْ أَوْلِيَاءَ ، مَعَ مَا يَدْعُونَ فِي السِّرِّ إِلَى: تَكْذِيبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَحْدِ الْإِسْلَامِ ، وَإِلْقَاءِ الشُّبَهِ ، وَذَلِكَ مِمَّا يُجَرِّئُ الْكَفَرَةَ عَلَى إِظْهَارِ عَدَاوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَنَصْبِ الْحَرْبِ لَهُ ، وَطَمَعِهِمْ - فِي الْغَلَبَةِ ، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعِهِمْ مُؤَدِّيًا إِلَى الْفَسَادِ -بِتَهْيِيجِ الْفِتَنِ بَيْنَهُمْ- قِيلَ لَهُمْ : لَا تُفْسِدُوا - كَمَا تَقُولُ لِلرَّجُلِ : لَا تَقْتُلْ نَفْسَكَ بِيَدِكَ وَلَا تُلْقِ نَفْسَكَ فِي النَّارِ ؛ إِذَا أَقْدَمَ عَلَى مَا هَذِهِ عَاقِبَتُهُ- وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=73وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ [ ص: 48 ] فَأَخْبَرَ أَنَّ مُوَلَّاةَ الْكَافِرِينَ تُؤَدِّي إِلَى الْفِتْنَةِ وَالْفَسَادِ ، لِمَا تَقَدَّمَ .
وَقَوْلُهُمْ "إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ" أَيْ : بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ . نُدَارِي الْفَرِيقَيْنِ وَنُرِيدُ الْإِصْلَاحَ بَيْنَهُمَا كَمَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=62إِنْ أَرَدْنَا إِلا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا أَوْ مَعْنَاهُ : إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ فِي الْأَرْضِ بِالطَّاعَةِ وَالِانْقِيَادِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14343الرَّاغِبُ : تَصَوَّرُوا إِفْسَادَهُمْ بِصُورَةِ الْإِصْلَاحِ - لِمَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْمَرَضِ -كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=8أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=43وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=104وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا
وَقَالَ
الْقَاشَانِيُّ: كَانُوا يَرَوْنَ الصَّلَاحَ فِي تَحْصِيلِ الْمَعَاشِ ، وَتَيْسِيرِ أَسْبَابِهِ ، وَتَنْظِيمِ أُمُورِ الدُّنْيَا - لِأَنْفُسِهِمْ خَاصَّةً - لِتَوَغُّلِهِمْ فِي مَحَبَّةِ الدُّنْيَا ، وَانْهِمَاكِهِمْ فِي اللَّذَّاتِ الْبَدَنِيَّةِ، وَاحْتِجَابِهِمْ- بِالْمَنَافِعِ الْجُزْئِيَّةِ، وَالْمَلَاذِّ الْحِسِّيَّةِ -عَنِ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ الْكُلِّيَّةِ، وَاللَّذَّاتِ الْعَقْلِيَّةِ ، وَبِذَلِكَ يَتَيَسَّرُ مُرَادُهُمْ ، وَيَتَسَهَّلُ مَطْلُوبُهُمْ ، وَهُمْ لَا يُحِسُّونَ بِإِفْسَادِهِمُ الْمُدْرَكَ بِالْحِسِّ .