القول في تأويل قوله تعالى :
[76]
nindex.php?page=treesubj&link=19827_28902_30483_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم .
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76وضرب الله مثلا أي : مثلا آخر يدل على ما دل عليه المثل السابق على وجه أوضح :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76رجلين أحدهما أبكم أي : أخرس :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76لا يقدر على شيء أي : مما يقدر عليه المنطيق المفصح عما في نفسه :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76وهو كل على مولاه أي : ثقيل على من يلي أمره ، لعدم اهتمامه بإقامة مصالح نفسه :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76أينما يوجهه لا يأت بخير أي : حيث يرسله في أمر لا يأت بنجحه وكفاية مهمه :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل أي : ومن هو بليغ منطيق ذو كفاية ورشد لينفع الناس ، بحثهم على العدل الشامل لجميع الفضائل .
{ وهو } أي : في نفسه مع ما ذكر من نفعه العام :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76على صراط مستقيم أي : على سيرة صالحة ودين قويم ، لا يتوجه إلى مطلب إلا ويبلغه بأقرب سعي وأسهله .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13696الأزهري : ضرب تعالى مثلا للصنم الذي عبدوه وهو لا يقدر على شيء ، فهو كل على مولاه ؛ لأنه يحمله إذا ظعن فيحوله من مكان إلى مكان . فقال الله تعالى : هل يستوي هذا الصنم الكل ، ومن يأمر بالعدل ؟ استفهام معناه التوبيخ ، كأنه قال : لا تسووا بين الصنم وبين الخالق جل جلاله . انتهى .
[ ص: 3836 ] وإليه أشار
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري بقوله : وهذا مثل ضربه الله لنفسه ، ولما يفيض على عباده ويشملهم مع آثار رحمته وألطافه ونعمه الدينية والدنيوية . وللأصنام التي هي أموات لا تضر ولا تنفع . انتهى .
وناقش
الرازي في حمله على الصنم بأن الوصف بالرجل وبالبكم وبالكل وبالتوجه في جهات المنافع ، يمنع من حملها على الوثن . وكذا الوصف في الثاني بأنه على صراط مستقيم ، يمنع من حمله على الله تعالى . انتهى .
وقد يقال في جوابه : بأن الأوصاف الأول ، وإن كانت ظاهرة في الإنسان ) والأصل في الإطلاق ما يتبادر وهو الحقيقة ) إلا أن المقام صرفها إلى الوثن ؛ لأن الآيات في بيان حقارة ما يعبد من دونه تعالى ، وكونه لا يصلح للألوهية بوجه ما ؛ لما فيه من صفات النقص . وأما الوصف في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76على صراط مستقيم فكقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=56إن ربي على صراط مستقيم فصح الحمل .
ثم رأيت
للإمام ابن القيم في (" أعلام الموقعين ") ما يؤيد ما اعتمدناه حيث قال في بحث
nindex.php?page=treesubj&link=28902أمثال القرآن ، في هذين المثلين ما صورته :
فالمثل الأول : يعني قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75ضرب الله مثلا عبدا مملوكا الآية ، ضربه الله سبحانه لنفسه وللأوثان . فالله سبحانه هو المالك لكل شيء . ينفق كيف يشاء على عبيده سرا وجهرا وليلا ونهارا . يمينه ملأى لا يغيضها نفقة ، سحاء الليل والنهار . والأوثان مملوكة عاجزة لا تقدر على شيء ، فكيف يجعلونها شركاء إلي ويعبدونها من دوني ، مع هذا التفاوت العظيم والفرق المبين ؟ هذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد وغيره .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : هو مثل ضربه الله للمؤمن والكافر ، ومثل المؤمن في الخير الذي عنده ثم رزقه منه حسنا ، فهو ينفق منه على نفسه وعلى غيره سرا وجهرا . والكافر بمنزلة عبد مملوك
[ ص: 3837 ] عاجز لا يقدر على شيء ؛ لأنه لا خير عنده . فهل يستوي الرجلان عند أحد من العقلاء ؟ والقول الأول أشبه بالمراد ، فإنه أظهر في بطلان الشرك ، وأوضح عند المخاطب ، وأعظم في إقامة الحجة ، وأقرب نسبا بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=73ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=74فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن لوازم هذا المثل وأحكامه أن يكون المؤمن الموحد ممن رزقه منه رزقا حسنا . والكافر المشرك كالعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء . فهذا مما ينبه عليه المثل وأرشد إليه . فذكره
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس منبها على إرادته ، لا أن الآية اختصت به . فتأمله فإنك تجده كثيرا في كلام
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وغيره من السلف في فهم القرآن . فيظن الظان أن ذلك هو معنى الآية التي لا معنى لها غيره ، فيحكيه قوله .
وأما المثل الثاني ، فهو مثل ضربه الله سبحانه وتعالى لنفسه ولما يعبدون من دونه أيضا . فالصنم الذي يعبد من دونه بمنزلة رجل أبكم لا يعقل ولا ينطق . بل وهو أبكم القلب واللسان ، قد عدم النطق القلبي واللساني ، مع هذا فهو عاجز لا يقدر على شيء البتة . وعلى هذا فأينما أرسلته لا يأتيك بخير ، ولا يقضي لك حاجة . والله سبحانه حي قادر متكلم يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم . وهذا وصف له بغاية الكمال والحمد . فإن أمره بالعدل ، وهو الحق يتضمن أنه سبحانه عالم به معلم له ، راض به آمر لعباده به ، محب لأهله لا يأمر بسواه ، بل تنزه عن ضده الذي هو الجور والظلم والسفه والباطل . بل أمره وشرعه عدل كله . وأهل العدل هم أولياؤه وأحباؤه . وهم المجاورون له عند يمينه ، على منابر من نور . وأمره بالعدل يتناول الأمر الشرعي الديني والأمر القدري الكوني . وكلاهما عدل لا جور فيه بوجه . كما في الحديث الصحيح :
nindex.php?page=hadith&LINKID=103088« اللهم إني عبدك ، ابن عبدك ، ابن أمتك ، ناصيتي بيدك ، ماض في حكمك ، عدل في قضاؤك » . فقضاؤه
[ ص: 3838 ] هو أمره الكوني :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=82إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فلا يأمر إلا بحق وعدل . وقضاؤه وقدره القائم به حق وعدل . وإن كان في المقضي المقدر ما هو جور وظلم ، فالقضاء غير المقضي ، والقدر غير المقدر . ثم أخبر سبحانه أنه على صراط مستقيم ، وهذا نظير قول رسوله شعيب :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=56إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=56ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها نظير قوله ( ناصيتي بيدك ) وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=56إن ربي على صراط مستقيم نظير قوله ( عدل في قضاؤك ) فالأول ملكه ، والثاني حمده . وهو سبحانه له الملك وله الحمد . وكونه سبحانه على صراط مستقيم يقتضي أنه لا يقول إلا الحق ، ولا يأمر إلا بالعدل ، ولا يفعل إلا ما هو مصلحة ورحمة وحكمة وعدل . فهو على الحق في أقواله وأفعاله . فلا يقضي على العبد بما يكون ظالما به ولا يؤخذ بغير ذنبه . ولا ينقصه من حسناته شيئا . ولا يحمل عليه من سيئات غيره التي لم يعملها ، ولم يتسبب إليها شيئا . ولا يؤاخذ أحدا بذنب غيره ، ولا يفعل قط ما لا يحمد عليه ويثنى به عليه ويكون له فيه العواقب الحميدة والغايات المطلوبة . فإن كونه على صراط مستقيم يأبى ذلك كله .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935محمد بن جرير الطبري : وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=56إن ربي على صراط مستقيم يقول : إن ربي على طريق الحق يجازي المحسن من خلقه بإحسانه والمسيء بإساءته ، لا يظلم أحدا منهم ولا يقبل منهم إلا الإسلام له والإيمان به .
ثم حكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد من طريق
شبل بن أبي نجيح عنه :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=56إن ربي على صراط مستقيم قال : الحق . وكذلك رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عنه .
[ ص: 3839 ] وقالت فرقة : هي مثل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=14إن ربك لبالمرصاد وهذا اختلاف عبارة . فإن كونه بالمرصاد هو مجازاة المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته .
وقالت فرقة : في الكلام حذف تقديره : إن ربي يحثكم على صراط مستقيم ويحضكم عليه . وهؤلاء إن أرادوا أن هذا معنى الآية التي أريد بها . فليس كما زعموا ولا دليل على هذا المقدر . وقد فرق سبحانه بين كونه آمرا بالعدل وبين كونه على صراط مستقيم . وإن أرادوا أن حثه على الصراط المستقيم من جملة كونه على صراط مستقيم ، فقد أصابوا .
وقالت فرقة أخرى : معنى كونه على صراط مستقيم : أن مرد العباد والأمور كلها إلى الله لا يفوته شيء منها . وهؤلاء إن أرادوا أن هذا معنى الآية فليس كذلك . وإن أرادوا أن هذا من لوازم كونه على صراط مستقيم ومن مقتضاه وموجبه ، فهو حق .
وقالت فرقة أخرى : معناه كل شيء تحت قدرته وقهره في ملكه وقبضته ، وهذا وإن كان حقا فليس هو معنى الآية . وقد فرق
شعيب بين قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=56ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها وبين قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=56إن ربي على صراط مستقيم فهما معنيان مستقلان .
فالقول قول
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد . وهو قول أئمة التفسير . ولا تحتمل العربية غيره إلا على استكراه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=97جرير يمدح
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز :
أمير المؤمنين على صراط إذا اعوج الموارد مستقيم
وقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=39من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم [ ص: 3840 ] وإذا كان سبحانه هو الذي جعل رسله وأتباعهم على الصراط المستقيم في أقوالهم وأفعالهم فهو سبحانه أحق بأن يكون على صراط مستقيم في قوله وفعله . وإن كان صراط الرسل وأتباعهم هو موافقة أمره ، فصراطه الذي هو سبحانه عليه ، هو ما يقتضيه حمده وكماله ومجده من قوله الحق وفعله ، وبالله التوفيق .
وفي الآية قول ثان مثل الآية الأولى سواء : إنه مثل ضربه الله للمؤمن والكافر . وقد تقدم ما في هذا القول ، وبالله التوفيق . انتهى بحروفه . وقوله تعالى :
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
[76]
nindex.php?page=treesubj&link=19827_28902_30483_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ .
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا أَيْ : مَثَلًا آخَرَ يَدُلُّ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْمَثَلُ السَّابِقُ عَلَى وَجْهٍ أَوْضَحَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ أَيْ : أَخْرَسُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ أَيْ : مِمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْمِنْطِيقُ الْمُفْصِحُ عَمَّا فِي نَفْسِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْ : ثَقِيلٌ عَلَى مَنْ يَلِي أَمْرَهُ ، لِعَدَمِ اهْتِمَامِهِ بِإِقَامَةِ مَصَالِحِ نَفْسِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ أَيْ : حَيْثُ يُرْسِلُهُ فِي أَمْرٍ لَا يَأْتِ بِنَجْحِهِ وَكِفَايَةِ مُهِمِّهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ أَيْ : وَمَنْ هُوَ بَلِيغٌ مِنْطِيقٌ ذُو كِفَايَةٍ وَرُشْدٍ لِيَنْفَعَ النَّاسَ ، بِحَثِّهِمْ عَلَى الْعَدْلِ الشَّامِلِ لِجَمِيعِ الْفَضَائِلِ .
{ وَهُوَ } أَيْ : فِي نَفْسِهِ مَعَ مَا ذَكَرَ مِنْ نَفْعِهِ الْعَامِّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ أَيْ : عَلَى سِيرَةٍ صَالِحَةٍ وَدِينٍ قَوِيمٍ ، لَا يَتَوَجَّهُ إِلَى مَطْلَبٍ إِلَّا وَيَبْلُغُهُ بِأَقْرَبِ سَعْيٍ وَأَسْهَلِهِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13696الْأَزْهَرِيُّ : ضَرَبَ تَعَالَى مَثَلًا لِلصَّنَمِ الَّذِي عَبَدُوهُ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ ، فَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْمِلُهُ إِذَا ظَعَنَ فَيُحَوِّلُهُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ . فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : هَلْ يَسْتَوِي هَذَا الصَّنَمُ الْكَلُّ ، وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ؟ اسْتِفْهَامٌ مَعْنَاهُ التَّوْبِيخُ ، كَأَنَّهُ قَالَ : لَا تُسَوُّوا بَيْنَ الصَّنَمِ وَبَيْنَ الْخَالِقِ جَلَّ جَلَالُهُ . انْتَهَى .
[ ص: 3836 ] وَإِلَيْهِ أَشَارَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ بِقَوْلِهِ : وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِنَفْسِهِ ، وَلِمَا يُفِيضُ عَلَى عِبَادِهِ وَيَشْمَلُهُمْ مَعَ آثَارِ رَحْمَتِهِ وَأَلْطَافِهِ وَنِعَمِهِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ . وَلِلْأَصْنَامِ الَّتِي هِيَ أَمْوَاتٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ . انْتَهَى .
وَنَاقَشَ
الرَّازِيُّ فِي حَمْلِهِ عَلَى الصَّنَمِ بِأَنَّ الْوَصْفَ بِالرَّجُلِ وَبِالْبُكْمِ وَبِالْكَلِّ وَبِالتَّوَجُّهِ فِي جِهَاتِ الْمَنَافِعِ ، يَمْنَعُ مِنْ حَمْلِهَا عَلَى الْوَثَنِ . وَكَذَا الْوَصْفُ فِي الثَّانِي بِأَنَّهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ، يَمْنَعُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى . انْتَهَى .
وَقَدْ يُقَالُ فِي جَوَابِهِ : بِأَنَّ الْأَوْصَافَ الْأُوَلَ ، وَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً فِي الْإِنْسَانِ ) وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ مَا يَتَبَادَرُ وَهُوَ الْحَقِيقَةُ ) إِلَّا أَنَّ الْمُقَامَ صَرَفَهَا إِلَى الْوَثَنِ ؛ لِأَنَّ الْآيَاتِ فِي بَيَانِ حَقَارَةِ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ تَعَالَى ، وَكَوْنِهِ لَا يَصْلُحُ لِلْأُلُوهِيَّةِ بِوَجْهٍ مَا ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ صِفَاتِ النَّقْصِ . وَأَمَّا الْوَصْفُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ فَكَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=56إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ فَصَحَّ الْحَمْلُ .
ثُمَّ رَأَيْتُ
لِلْإِمَامِ ابْنِ الْقَيِّمِ فِي (" أَعْلَامُ الْمُوقِّعِينَ ") مَا يُؤَيِّدُ مَا اعْتَمَدْنَاهُ حَيْثُ قَالَ فِي بَحْثِ
nindex.php?page=treesubj&link=28902أَمْثَالِ الْقُرْآنِ ، فِي هَذَيْنِ الْمَثَلَيْنِ مَا صُورَتُهُ :
فَالْمَثَلُ الْأَوَّلُ : يَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا الْآيَةَ ، ضَرَبَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِنَفْسِهِ وَلِلْأَوْثَانِ . فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الْمَالِكُ لِكُلِّ شَيْءٍ . يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ عَلَى عَبِيدِهِ سِرًّا وَجَهْرًا وَلَيْلًا وَنَهَارًا . يَمِينُهُ مَلْأَى لَا يُغِيضُهَا نَفَقَةٌ ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ . وَالْأَوْثَانُ مَمْلُوكَةٌ عَاجِزَةٌ لَا تَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ ، فَكَيْفَ يَجْعَلُونَهَا شُرَكَاءَ إِلَيَّ وَيَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِي ، مَعَ هَذَا التَّفَاوُتِ الْعَظِيمِ وَالْفَرْقِ الْمُبِينِ ؟ هَذَا قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ فِي الْخَيْرِ الَّذِي عِنْدَهُ ثُمَّ رَزَقَهُ مِنْهُ حَسَنًا ، فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ سِرًّا وَجَهْرًا . وَالْكَافِرُ بِمَنْزِلَةِ عَبْدٍ مَمْلُوكٍ
[ ص: 3837 ] عَاجِزٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا خَيْرَ عِنْدَهُ . فَهَلْ يَسْتَوِي الرَّجُلَانِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْعُقَلَاءِ ؟ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِالْمُرَادِ ، فَإِنَّهُ أَظْهَرُ فِي بُطْلَانِ الشِّرْكِ ، وَأَوْضَحُ عِنْدَ الْمُخَاطَبِ ، وَأَعْظَمُ فِي إِقَامَةِ الْحُجَّةِ ، وَأَقْرَبُ نَسَبًا بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=73وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئًا وَلا يَسْتَطِيعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=74فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمِنْ لَوَازِمِ هَذَا الْمَثَلِ وَأَحْكَامِهِ أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُ الْمُوَحِّدُ مِمَّنْ رَزَقَهُ مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا . وَالْكَافِرُ الْمُشْرِكُ كَالْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ . فَهَذَا مِمَّا يُنَبِّهُ عَلَيْهِ الْمَثَلُ وَأَرْشَدَ إِلَيْهِ . فَذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ مُنَبِّهًا عَلَى إِرَادَتِهِ ، لَا أَنَّ الْآيَةَ اخْتُصَّتْ بِهِ . فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّكَ تَجِدُهُ كَثِيرًا فِي كَلَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ مِنَ السَّلَفِ فِي فَهْمِ الْقُرْآنِ . فَيَظُنُّ الظَّانُّ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَعْنَى الْآيَةِ الَّتِي لَا مَعْنَى لَهَا غَيْرُهُ ، فَيَحْكِيهِ قَوْلُهُ .
وَأَمَّا الْمَثَلُ الثَّانِي ، فَهُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِنَفْسِهِ وَلِمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ أَيْضًا . فَالصَّنَمُ الَّذِي يُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ أَبْكَمَ لَا يَعْقِلُ وَلَا يَنْطِقُ . بَلْ وَهُوَ أَبْكَمُ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ ، قَدْ عُدِمَ النُّطْقَ الْقَلْبِيَّ وَاللِّسَانِيَّ ، مَعَ هَذَا فَهُوَ عَاجِزٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ الْبَتَّةَ . وَعَلَى هَذَا فَأَيْنَمَا أَرْسَلْتَهُ لَا يَأْتِيكَ بِخَيْرٍ ، وَلَا يَقْضِي لَكَ حَاجَةً . وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ حَيٌّ قَادِرٌ مُتَكَلِّمٌ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . وَهَذَا وَصْفٌ لَهُ بِغَايَةِ الْكَمَالِ وَالْحَمْدِ . فَإِنَّ أَمْرَهُ بِالْعَدْلِ ، وَهُوَ الْحَقُّ يَتَضَمَّنُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ عَالِمٌ بِهِ مُعْلِمٌ لَهُ ، رَاضٍ بِهِ آمِرٌ لِعِبَادِهِ بِهِ ، مُحِبٌّ لِأَهْلِهِ لَا يَأْمُرُ بِسِوَاهُ ، بَلْ تَنَزَّهَ عَنْ ضِدِّهِ الَّذِي هُوَ الْجَوْرُ وَالظُّلْمُ وَالسَّفَهُ وَالْبَاطِلُ . بَلْ أَمْرُهُ وَشَرْعُهُ عَدْلٌ كُلُّهُ . وَأَهْلُ الْعَدْلِ هُمْ أَوْلِيَاؤُهُ وَأَحِبَّاؤُهُ . وَهُمُ الْمُجَاوِرُونَ لَهُ عِنْدَ يَمِينِهِ ، عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ . وَأَمْرُهُ بِالْعَدْلِ يَتَنَاوَلُ الْأَمْرَ الشَّرْعِيَّ الدِّينِيَّ وَالْأَمْرَ الْقَدَرِيَّ الْكَوْنِيَّ . وَكِلَاهُمَا عَدْلٌ لَا جَوْرَ فِيهِ بِوَجْهٍ . كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=103088« اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ، ابْنُ عَبْدِكَ ، ابْنُ أَمَتِكَ ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ » . فَقَضَاؤُهُ
[ ص: 3838 ] هُوَ أَمْرُهُ الْكَوْنِيُّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=82إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فَلَا يَأْمُرُ إِلَّا بِحَقٍّ وَعَدْلٍ . وَقَضَاؤُهُ وَقَدَرُهُ الْقَائِمُ بِهِ حَقٌّ وَعَدْلٌ . وَإِنْ كَانَ فِي الْمَقْضِيِّ الْمُقَدَّرِ مَا هُوَ جَوْرٌ وَظُلْمٌ ، فَالْقَضَاءُ غَيْرُ الْمَقْضِي ، وَالْقَدَرُ غَيْرُ الْمُقَدَّرِ . ثُمَّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ، وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِ رَسُولِهِ شُعَيْبٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=56إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=56مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا نَظِيرُ قَوْلِهِ ( نَاصِيَتِي بِيَدِكَ ) وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=56إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ نَظِيرُ قَوْلِهِ ( عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ ) فَالْأَوَّلُ مِلْكُهُ ، وَالثَّانِي حَمْدُهُ . وَهُوَ سُبْحَانُهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ . وَكَوْنُهُ سُبْحَانَهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَقُولُ إِلَّا الْحَقَّ ، وَلَا يَأْمُرُ إِلَّا بِالْعَدْلِ ، وَلَا يَفْعَلُ إِلَّا مَا هُوَ مَصْلَحَةٌ وَرَحْمَةٌ وَحِكْمَةٌ وَعَدْلٌ . فَهُوَ عَلَى الْحَقِّ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ . فَلَا يَقْضِي عَلَى الْعَبْدِ بِمَا يَكُونُ ظَالِمًا بِهِ وَلَا يُؤْخَذُ بِغَيْرِ ذَنْبِهِ . وَلَا يَنْقُصُهُ مِنْ حَسَنَاتِهِ شَيْئًا . وَلَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ مِنْ سَيِّئَاتِ غَيْرِهِ الَّتِي لَمْ يَعْمَلْهَا ، وَلَمْ يَتَسَبَّبْ إِلَيْهَا شَيْئًا . وَلَا يُؤَاخِذُ أَحَدًا بِذَنْبِ غَيْرِهِ ، وَلَا يَفْعَلُ قَطُّ مَا لَا يُحْمَدُ عَلَيْهِ وَيُثْنَى بِهِ عَلَيْهِ وَيَكُونُ لَهُ فِيهِ الْعَوَاقِبُ الْحَمِيدَةُ وَالْغَايَاتُ الْمَطْلُوبَةُ . فَإِنَّ كَوْنَهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ يَأْبَى ذَلِكَ كُلَّهُ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ : وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=56إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ يَقُولُ : إِنَّ رَبِّي عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ يُجَازِي الْمُحْسِنَ مِنْ خَلْقِهِ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ ، لَا يَظْلِمُ أَحَدًا مِنْهُمْ وَلَا يَقْبَلُ مِنْهُمْ إِلَّا الْإِسْلَامَ لَهُ وَالْإِيمَانَ بِهِ .
ثُمَّ حُكِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ مِنْ طَرِيقِ
شِبْلِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=56إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ قَالَ : الْحَقُّ . وَكَذَلِكَ رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْهُ .
[ ص: 3839 ] وَقَالَتْ فِرْقَةٌ : هِيَ مِثْلُ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=14إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ وَهَذَا اخْتِلَافُ عِبَارَةٍ . فَإِنَّ كَوْنَهُ بِالْمِرْصَادِ هُوَ مُجَازَاةُ الْمُحْسِنِ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيءِ بِإِسَاءَتِهِ .
وَقَالَتْ فِرْقَةٌ : فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ : إِنَّ رَبِّي يَحُثُّكُمْ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَيَحُضُّكُمْ عَلَيْهِ . وَهَؤُلَاءِ إِنْ أَرَادُوا أَنَّ هَذَا مَعْنَى الْآيَةِ الَّتِي أُرِيدَ بِهَا . فَلَيْسَ كَمَا زَعَمُوا وَلَا دَلِيلَ عَلَى هَذَا الْمُقَدَّرِ . وَقَدْ فَرَّقَ سُبْحَانَهُ بَيْنَ كَوْنِهِ آمِرًا بِالْعَدْلِ وَبَيْنَ كَوْنِهِ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّ حَثَّهُ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ مِنْ جُمْلَةِ كَوْنِهِ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ، فَقَدْ أَصَابُوا .
وَقَالَتْ فِرْقَةٌ أُخْرَى : مَعْنَى كَوْنِهِ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ : أَنَّ مَرَدَّ الْعِبَادِ وَالْأُمُورِ كُلِّهَا إِلَى اللَّهِ لَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ مِنْهَا . وَهَؤُلَاءِ إِنْ أَرَادُوا أَنَّ هَذَا مَعْنَى الْآيَةِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ . وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّ هَذَا مِنْ لَوَازِمَ كَوْنِهِ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَمِنْ مُقْتَضَاهُ وَمُوجِبِهِ ، فَهُوَ حَقٌّ .
وَقَالَتْ فِرْقَةٌ أُخْرَى : مَعْنَاهُ كُلُّ شَيْءٍ تَحْتَ قُدْرَتِهِ وَقَهْرِهِ فِي مِلْكِهِ وَقَبْضَتِهِ ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ حَقًّا فَلَيْسَ هُوَ مَعْنَى الْآيَةِ . وَقَدْ فَرَّقَ
شُعَيْبٌ بَيْنَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=56مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=56إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ فَهُمَا مَعْنَيَانِ مُسْتَقِلَّانِ .
فَالْقَوْلُ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ . وَهُوَ قَوْلُ أَئِمَّةِ التَّفْسِيرِ . وَلَا تَحْتَمِلُ الْعَرَبِيَّةُ غَيْرَهُ إِلَّا عَلَى اسْتِكْرَاهٍ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=97جَرِيرٌ يَمْدَحُ
nindex.php?page=showalam&ids=16673عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ :
أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى صِرَاطٍ إِذَا اعْوَجَّ الْمَوَارِدُ مُسْتَقِيمٍ
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=39مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [ ص: 3840 ] وَإِذَا كَانَ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي جَعَلَ رُسُلَهُ وَأَتْبَاعَهُمْ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ فِي أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ فَهُوَ سُبْحَانُهُ أَحَقُّ بِأَنْ يَكُونَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ فِي قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ . وَإِنْ كَانَ صِرَاطُ الرُّسُلِ وَأَتْبَاعِهِمْ هُوَ مُوَافَقَةَ أَمْرِهِ ، فَصِرَاطُهُ الَّذِي هُوَ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِ ، هُوَ مَا يَقْتَضِيهِ حَمْدُهُ وَكَمَالُهُ وَمَجْدُهُ مِنْ قَوْلِهِ الْحَقَّ وَفِعْلِهِ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .
وَفِي الْآيَةِ قَوْلٌ ثَانٍ مِثْلَ الْآيَةِ الْأُولَى سَوَاءً : إِنَّهُ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي هَذَا الْقَوْلِ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ . انْتَهَى بِحُرُوفِهِ . وَقَوْلُهُ تَعَالَى :