القول في تأويل قوله تعالى:
[217]
nindex.php?page=treesubj&link=30431_30437_30501_30515_30539_30551_30857_31788_32024_32361_32495_33478_34134_34200_34330_34370_8193_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .
[ ص: 539 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قال
nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب: السائل عن ذلك، قيل: أهل الشرك قصدا إلى تعيير المسلمين لما تجاوزوه من
nindex.php?page=treesubj&link=8193القتل في الشهر الحرام. وقيل: هم أهل الإسلام.
وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في " الكبير "
nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي في " سننه "،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير، nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=401جندب بن عبد الله: nindex.php?page=hadith&LINKID=938881أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رهطا، وبعث عليهم عبد الله بن جحش، فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب أو من جمادى. فقال المشركون للمسلمين: قتلتم في الشهر الحرام. فأنزل الله هذه الآية فقال بعضهم: إن لم يكونوا أصابوا وزرا فليس لهم أجر، فأنزل الله: nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=218إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله الآية.
وأخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=13566ابن منده من الصحابة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس.
وملخص ما ذكره الإمام
ابن القيم في " زاد المعاد "
وابن هشام في " السيرة " في الكلام على هذه السرية ونزول هذه الآية:
أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن جحش الأسدي إلى نخلة في رجب على رأس سبعة عشر شهرا من الهجرة في اثني عشر رجلا من المهاجرين، كل اثنين يعتقبان على بعير، فوصلوا إلى بطن نخلة يرصدون عيرا لقريش، وفي هذه السرية سمي عبد الله بن جحش أمير المؤمنين. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب له كتابا وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه. فلما سار يومين فتح الكتاب فوجد فيه: إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل بنخلة - بين مكة والطائف - فترصد بها عيرا لقريش، وتعلم لنا من أخبارهم، فقال: سمعا وطاعة! وأخبر أصحابه بذلك وبأنه لا يستكرههم فمن [ ص: 540 ] أحب الشهادة فلينهض، ومن كره الموت فليرجع، فأما أنا فناهض! فنهضوا كلهم، فلما كان في أثناء الطريق أضل nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص nindex.php?page=showalam&ids=364وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا يتعقبانه، فتخلفا في طلبه. فبعد عبد الله بن جحش حتى نزل بنخلة، فمرت به عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة فيها عمرو بن الحضرمي وعثمان ونوفل ابنا عبد الله بن المغيرة والحكم بن كيسان مولى بني المغيرة، فتشاور المسلمون وقالوا: نحن في آخر يوم من رجب لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلن الحرم فليمتنعن منكم به، ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام! فتردد القوم وهابوا الإقدام عليهم، ثم شجعوا أنفسهم عليهم، وأجمعوا على مقاتلتهم، فرمى أحدهم عمرو بن الحضرمي فقتله، وأسروا nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان والحكم، وأفلت نوفل فأعجزهم، ثم أقبل عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير والأسيرين حتى قدموا على رسول الله وقد عزلوا من ذلك الخمس - وهو أول خمس كان في الإسلام، وأول قتيل في الإسلام، وأول أسيرين في الإسلام - فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعلوه واشتد تعييب قريش وإنكارهم ذلك، وزعموا أنهم قد وجدوا مقالا فقالوا: قد أحل محمد الشهر الحرام، واشتد ذلك على المسلمين حتى أنزل الله تعالى: nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217يسألونك عن الشهر الحرام الآية.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217قتال فيه بدل من الشهر، بدل الاشتمال، لأن القتال يقع في الشهر.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي: هو مخفوض على التكرير، يريد أن التقدير: عن قتال فيه وهو معنى قول
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء: مخفوض بـ " عن " مضمرة. وهذا ضعيف جدا لأن حرف الجر لا يبقى عمله بعد حذفه في الاختيار...! وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة هو مجرور على الجوار. وهو أبعد من قولهما، لأن الجوار من مواضع الضرورة والشذوذ، ولا يحمل عليه ما وجدت عنه مندوحة. وفيه: يجوز أن يكون نعتا لقتال، ويجوز أن يكون متعلقا به كما يتعلق بقاتل.
وقد قرئ بالرفع في الشاذ، ووجهه على أن يكون خبر مبتدأ محذوف معه همزة الاستفهام، تقديره: أجائز قتال فيه؟.
[ ص: 541 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217قل في جوابهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217قتال فيه كبير أي: أمر كبير مستنكر، وقد كانت
العرب لا تسفك دما ولا تغير على عدو في الأشهر الحرم وهي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب. وسنذكر في تنبيه يأتي التحقيق في كون تحريم القتال فيها محكما أو منسوخا.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب: إن قيل: لم لم يقل: القتال فيه كبير، وشرط النكرة المذكورة إذا أعيد ذكرها أن يعاد معرفا، نحو: سألتني عن رجل والرجل كذا وكذا؟ قيل: في ذكره منكرا تنبيه على أن ليس كل القتال في الشهر الحرام هذا حكمه، فإن قتال النبي صلى الله عليه وسلم لأهل
مكة لم يكن هذا حكمه، فقد قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=651702« أحلت لي ساعة من نهار ولم تكن تحل لأحد قبلي» .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وصد عن سبيل الله أي: عن دينه الموصل إلى رضوانه، أو عن
البيت الحرام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم: سمى الحج: سبيل الله.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي: والصد: صرف إلى ناحية بإعراض وتكره، والسبيل: طريق الجادة السابلة عليه الظاهر لكل سالك منهجه. وصد مبتدأ.
[ ص: 542 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وكفر به أي: بالسبيل - أعني الدين - أو بالله، عطف عليه
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217والمسجد الحرام عطف على:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217سبيل الله أي: وصد عن سبيل الله وعن
المسجد الحرام. وزعم
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء أنه معطوف على الهاء في: ( به ) أي: كفر به
وبالمسجد الحرام nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وإخراج أهله أي: أهل
المسجد الحرام - وهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون الذين هم أولياؤه - وهو عطف على: صد أيضا:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217منه من
المسجد الحرام ; وخبر الأسماء الثلاثة:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217أكبر عند الله جرما مما فعلته السرية: من قتلهم إياهم في الشهر الحرام ; لأن الإخراج فتنة:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217والفتنة أكبر من القتل في الشهر الحرام، أي: فقد فعلوا بكم في
المسجد الحرام ما هو أكبر من القتل فيه، وحرمة المسجد كحرمة الشهر..! هذا، وقيل: خبر: صد و: كفر محذوف لدلالة ما تقدم عليه.
وأشار
الرازي إلى إعراب آخر وهو: إن: صد و: كفر معطوفان على:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217كبير أي: قتال فيه، موصوف بهذه الصفات. وعليه فأكبر خبر إخراج فقط.
وقد جنح لهذا
المهايمي حيث قال في " تفسيره ":
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217قل قتال فيه كبير من المعاصي الكبائر، كيف وهو:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وصد عن سبيل الله أي: عن التجارة التي جعلها الله سبيل الرزق لعباده، ولو استبيح هذا القتل فهو:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وكفر به وصد عن:
المسجد الحرام إذا قتل الحجاج الخارجون في الشهر الحرام، فهذا وجه تحريم القتال في هذا الشهر، ولكن: {إخراج أهله } أي: إخراجهم أهل
المسجد الحرام وهم: النبي والمؤمنون:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217منه أكبر عند الله إلى آخره، وهذا الوجه من الإعراب بديع، والأكثرون على الأول.
قال
ابن القيم في " زاد المعاد " في تأويل هذه الآية: يقول الله سبحانه: هذا الذي أنكرتموه عليهم - وإن كان كبيرا - فما ارتكبتموه أنتم من الكفر بالله، والصد عن سبيله وعن بيته، وإخراج المسلمين - الذين هم أهله - منه، والشرك الذي أنتم عليه، والفتنة التي حصلت
[ ص: 543 ] منكم به ; أكبر عند الله من قتالهم في الشهر الحرام. ومما نسب
nindex.php?page=showalam&ids=1لأبي بكر الصديق رضي الله عنه في هذا المعنى هذه الأبيات، ويقال هي
لعبد الله بن جحش: تعدون قتلا في الحرام عظيمة وأعظم منه لو يرى الرشد راشد
صدودكم عما يقول محمد
وكفر به، والله راء وشاهد
وإخراجكم من مسجد الله أهله
لئلا يرى لله في البيت ساجد
فإنا وإن عيرتمونا بقتله
وأرجف بالإسلام باغ وحاسد
سقينا من ابن الحضرمي رماحنا
بنخلة لما أوقد الحرب واقد
دما، وابن عبد الله عثمان بيننا
ينازعه غل من القد عاند
قال الإمام
ابن القيم في " زاد المعاد ": وأكثر السلف فسروا الفتنة هنا بالشرك، كقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=193وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويدل عليه قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=23ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين أي: لم يكن مآل شركهم وعاقبته وآخر أمرهم إلا أن تبرأوا منه وأنكروه. وحقيقتها: أنه الشرك الذي يدعو صاحبه إليه، ويقاتل عليه، ويعاقب من لم يفتتن به. ولهذا يقال لهم وقت عذابهم بالنار وفتنتهم بها:
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=14ذوقوا فتنتكم
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: تكذيبكم. وحقيقته: ذوقوا نهاية فتنتكم وغايتها ومصير أمرها، كقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=24ذوقوا ما كنتم تكسبون وكما فتنوا عباده عن الشرك، فتنوا على النار وقيل لهم:
[ ص: 544 ] nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=14ذوقوا فتنتكم ومنه قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=10إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فسرت الفتنة - هنا - بتعذيبهم المؤمنين وإحراقهم إياهم بالنار، واللفظ أعم من ذلك. وحقيقته، عذبوا المؤمنين ليفتنوهم عن دينهم. فهذه الفتنة المضافة إلى المشركين. وأما الفتنة التي يضيفها الله سبحانه إلى نفسه ويضيفها رسوله إليه كقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=53وكذلك فتنا بعضهم ببعض وقول
موسى: nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=155إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء فتلك بمعنى آخر، وهي بمعنى الامتحان والاختبار والابتلاء من الله لعباده بالخير والشر، بالنعم والمصائب. فهذه لون، وفتنة المشركين لون. وفتنة المؤمن في ماله وولده وجاره لون آخر. والفتنة التي يوقعها بين أهل الإسلام كالفتنة التي أوقعها بين أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=8علي nindex.php?page=showalam&ids=33ومعاوية، وبين أهل الجمل
وصفين، وبين المسلمين حتى يتقاتلوا ويتهاجروا - لون آخر - وهي الفتنة التي قال فيها
محمد صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=664490« ستكون فتنة، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير [ ص: 545 ] من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي.... » . وأحاديث الفتنة - التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها باعتزال الطائفتين - هي هذه الفتنة. وقد تأتي الفتنة مرادا بها المعصية، كقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=49ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني يقوله
الجد بن قيس لما ندبه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
تبوك، يقول: ائذن لي في القعود ولا تفتني بتعرضي لبنات الأصفر، فإني لا أصبر
[ ص: 546 ] عنهن..!
قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=49ألا في الفتنة سقطوا أي: وقعوا في فتنة النفاق وفروا إليها من فتنة بنات الأصفر.
والمقصود: أن الله سبحانه حكم بين أوليائه وأعدائه بالعدل والإنصاف، ولم يبرئ أولياءه من ارتكاب الإثم بالقتل في الشهر الحرام، بل أخبر الله أنه كبير، وأن ما عليه أعداؤه المشركون أكبر وأعظم من مجرد القتال في الشهر الحرام، فهم أحق بالذم، والعيب والعقوبة، لا سيما أولياؤه. كانوا متأولين في قتالهم ذلك، أو مقصرين نوع تقصير يغفره الله لهم. في جنب ما فعلوه من التوحيد والطاعات والهجرة مع رسوله وإيثار ما عند الله، فهم كما قيل:
وإذا الحبيب أتى بذنب واحد جاءت محاسنه بألف شفيع
فكيف يقاس ببغيض عدو جاء بكل قبيح ولم يأت بشفيع واحد من المحاسن؟!.
تنبيه:
اتفق الجمهور على أن حكم هذه الآية: حرمة
nindex.php?page=treesubj&link=8193القتال في الشهر الحرام. ثم اختلفوا أن ذلك الحكم هل بقي أم نسخ؟!.
قال
ابن القيم في " زاد المعاد " في الفصل الذي عقده: لما كان في غزوة
خبير من الأحكام الفقهية. ما نصه: منها محاربة الكفار ومقاتلتهم في الأشهر الحرم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع من
الحديبية في ذي الحجة. فمكث بها ثم سار إلى
خيبر في المحرم كذلك. قال
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عن
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة عن
nindex.php?page=showalam&ids=17065مروان nindex.php?page=showalam&ids=83والمسور، وكذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=15472الواقدي: خرج في أول سنة سبع من الهجرة. ولكن في الاستدلال بذلك نظر. فإن خروجه كان في أواخر المحرم لا في أوله، وفتحها إنما كان في صفر. وأقوى من هذا الاستدلال بيعة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه تحت الشجرة بيعة الرضوان على القتال وأن لا يفروا. وكانت في ذي القعدة. ولكن لا دليل في ذلك ; لأنه إنما بايعهم على ذلك لما بلغه أنهم قد قتلوا
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان وهم يريدون قتاله، فحينئذ بايع الصحابة. ولا خلاف في جواز القتال في الشهر الحرام دفعا، وإنما الخلاف أن يقاتل فيه ابتداء. فالجمهور جوزوه وقالوا: تحريم القتال فيه منسوخ، وهو مذهب الأئمة
[ ص: 547 ] الأربعة رحمهم الله. وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء وغيره إلى أنه ثابت غير منسوخ ; وكان
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء يحلف بالله ما يحل القتال في الشهر الحرام ولا نسخ من تحريمه شيء..! وأقوى من هذين الاستدلالين، الاستدلال بحصار النبي صلى الله عليه وسلم
للطائف. فإنه خرج إليها في أواخر شوال فحاصرهم بضعا وعشرين ليلة، فبعضها كان في ذي القعدة. فإنه فتح
مكة لعشر بقين من رمضان، وأقام بها بعد الفتح تسع عشرة يقصر الصلاة، فخرج إلى
هوازن وقد بقي من شوال عشرون يوما، ففتح الله عليه
هوازن وقسم غنائمها. ثم ذهب منها إلى
الطائف فحاصروه عشرين ليلة. وهذا يقتضي أن بعضها في ذي القعدة بلا شك. وقد قيل: إنما حاصرهم بضع عشرة ليلة. قال
ابن حزم: وهو الصحيح بلا شك. وهذا عجيب منه. فمن أين له هذا التصحيح والجزم به..؟ وفي الصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك في قصة
الطائف قال: فحاصرناهم أربعين يوما فاستعصوا وتمنعوا، وذكر الحديث. فهذا الحصار وقع في ذي القعدة بلا ريب. ومع هذا، فلا دليل في القصة لأن غزو
الطائف كان في تمام غزوة
هوازن. وهم بدأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتال. ولما انهزموا دخل ملكهم - وهو
مالك بن عوف النضري - مع
ثقيف في حصن
الطائف. فحاربت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكان غزوهم من تمام الغزو التي شرع فيها، والله أعلم.
وقال الله تعالى في سورة المائدة وهي من آخر القرآن نزولا وليس فيها منسوخ:
[ ص: 548 ] nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد وقال في سورة البقرة:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله فهاتان آيتان مدنيتان. بينهما في النزول نحو ثمانية أعوام. وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ناسخ لحكمها. ولا اجتمعت الأمة على نسخه. ومن استدل على النسخ بقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=36وقاتلوا المشركين كافة ونحوها من العمومات، فقد استدل على النسخ بما لا يدل. ومن استدل عليه بأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث
أبا عامر في سرية إلى
أوطاس في ذي القعدة، فقد استدل بغير دليل، لأن ذلك كان من تمام الغزوة التي بدأ فيها المشركون بالقتال ولم يكن ابتداء منه لقتالهم في الشهر الحرام.
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217ولا يزالون - يعني أهل
مكة -:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217يقاتلونكم - أيها المؤمنون -:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217حتى يردوكم عن دينكم أي: يرجعوكم عن دينكم الإسلام إلى الكفر:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217إن استطاعوا أي: قدروا على ردتكم. وفيه استبعاد لاستطاعتهم. فهو كقول الرجل لعدوه: إن ظفرت بي
[ ص: 549 ] فلا تبق علي. وهو واثق أنه لا يظفر به. وجملة:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217ولا يزالون إما معطوفة على:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217يسألونك أو معترضة. والمقصود: تحذير المؤمنين منهم وعدم المبالاة بموافقتهم في بعض الأمور، لاستحكام عداوتهم وإصرارهم على الفتنة في الدين.
وفي الآية إشعار بأنكم أحق بأن لا تزالوا تقاتلونهم، لأنهم قاطعون بأنكم على الحق وأنكم منصورون، وأنهم على الباطل وهم مخذولون، ولا بد وإن طال المدى ; لاعتمادكم على الله واعتمادهم على قوتهم. ومن وكل إلى نفسه ضاع. فالأمر الذي بينكم وبينهم أشد من الكلام. فينبغي الاستعداد له بعدته، والتأهب له بأهبته، فضلا عن أن يلتفت إلى التأثر بكلامهم الذي توحيه إليهم الشياطين طعنا في الدين، وصدا عن السبيل. أشار لذلك البقاعي. ثم حذر تعالى عن الارتداد بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217ومن يرتدد منكم عن دينه وهو الإسلام. وبناء صيغة الافتعال من الردة المؤذنة بالتكلف، إشارة إلى أن من باشر دين الحق يبعد أن يرجع عنه، فهو متكلف في ذلك:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم أي: بطلت جميع مساعيهم النافعة لهم، وردت:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217في الدنيا - إذ يرفع الأمان عن أموالهم وأهلهم -:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217والآخرة - إذ يسقط ثوابهم، فلا يجزون ثمة بحسناتهم: {و } لا يقتصر عليه بل: أولئك أصحاب النار أي: أهل النار:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217هم فيها خالدون مقيمون لا يموتون ولا يخرجون كسائر الكفار.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى:
[217]
nindex.php?page=treesubj&link=30431_30437_30501_30515_30539_30551_30857_31788_32024_32361_32495_33478_34134_34200_34330_34370_8193_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ .
[ ص: 539 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14343الرَّاغِبُ: السَّائِلُ عَنْ ذَلِكَ، قِيلَ: أَهْلُ الشِّرْكِ قَصْدًا إِلَى تَعْيِيرِ الْمُسْلِمِينَ لِمَا تَجَاوَزُوهُ مِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=8193الْقَتْلِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ. وَقِيلَ: هُمْ أَهْلُ الْإِسْلَامِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطَّبَرَانِيُّ فِي " الْكَبِيرِ "
nindex.php?page=showalam&ids=13933وَالْبَيْهَقِيُّ فِي " سُنَنِهِ "،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وَابْنُ جَرِيرٍ، nindex.php?page=showalam&ids=11970وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=401جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: nindex.php?page=hadith&LINKID=938881أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَهْطًا، وَبَعَثَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ، فَلَقُوا ابْنَ الْحَضْرَمِيِّ فَقَتَلُوهُ وَلَمْ يَدْرُوا أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ رَجَبٍ أَوْ مِنْ جُمَادَى. فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ: قَتَلْتُمْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامٍ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنْ لَمْ يَكُونُوا أَصَابُوا وِزْرًا فَلَيْسَ لَهُمْ أَجْرٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=218إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْآيَةَ.
وَأَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13566ابْنُ مَنْدَهْ مِنَ الصَّحَابَةِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَمُلَخَّصُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ
ابْنُ الْقَيِّمُ فِي " زَادِ الْمَعَادِ "
وَابْنُ هِشَامٍ فِي " السِّيرَةِ " فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ السِّرِّيَّةِ وَنُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ الْأَسَدِيَّ إِلَى نَخْلَةَ فِي رَجَبٍ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنَ الْهِجْرَةِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، كُلُّ اثْنَيْنِ يَعْتَقِبَانِ عَلَى بَعِيرٍ، فَوَصَلُوا إِلَى بَطْنِ نَخْلَةَ يَرْصُدُونَ عِيرًا لِقُرَيْشٍ، وَفِي هَذِهِ السِّرِّيَّةِ سُمِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ لَهُ كِتَابًا وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَنْظُرَ فِيهِ حَتَّى يَسِيرَ يَوْمَيْنِ ثُمَّ يَنْظُرَ فِيهِ. فَلَمَّا سَارَ يَوْمَيْنِ فَتَحَ الْكِتَابِ فَوَجَدَ فِيهِ: إِذَا نَظَرْتَ فِي كِتَابِي هَذَا فَامْضِ حَتَّى تَنْزِلَ بِنَخْلَةَ - بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ - فَتَرْصُدَ بِهَا عِيرًا لِقُرَيْشٍ، وَتَعْلَمَ لَنَا مِنْ أَخْبَارِهِمْ، فَقَالَ: سَمْعًا وَطَاعَةً! وَأَخْبَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ وَبِأَنَّهُ لَا يَسْتَكْرِهُهُمْ فَمَنْ [ ص: 540 ] أَحَبَّ الشَّهَادَةَ فَلْيَنْهَضْ، وَمَنْ كَرِهَ الْمَوْتَ فَلْيَرْجِعْ، فَأَمَّا أَنَا فَنَاهِضٌ! فَنَهَضُوا كُلُّهُمْ، فَلَمَّا كَانَ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ أَضَلَّ nindex.php?page=showalam&ids=37سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَاصٍّ nindex.php?page=showalam&ids=364وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بَعِيرًا لَهُمَا كَانَا يَتَعَقَّبَانِهِ، فَتَخَلَّفَا فِي طَلَبِهِ. فَبَعُدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ حَتَّى نَزَلَ بِنَخْلَةَ، فَمَرَّتْ بِهِ عِيرٌ لِقُرَيْشٍ تَحْمِلُ زَبِيبًا وَأُدُمًا وَتِجَارَةً فِيهَا عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيِّ وَعُثْمَانُ وَنَوْفَلٌ ابْنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَالْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ مَوْلَى بَنِي الْمُغِيرَةِ، فَتَشَاوَرَ الْمُسْلِمُونَ وَقَالُوا: نَحْنُ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ لَئِنْ تَرَكْتُمُ الْقَوْمَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ لَيَدْخُلَنَّ الْحَرَمَ فَلْيَمْتَنِعَنَّ مِنْكُمْ بِهِ، وَلَئِنْ قَتَلْتُمُوهُمْ لَتَقْتُلَنَّهُمْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ! فَتَرَدَّدَ الْقَوْمُ وَهَابُوا الْإِقْدَامَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ شَجَّعُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَيْهِمْ، وَأَجْمَعُوا عَلَى مُقَاتَلَتِهِمْ، فَرَمَى أَحَدُهُمْ عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيِّ فَقَتَلَهُ، وَأَسَرُوا nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانَ وَالْحَكَمَ، وَأَفْلَتَ نَوْفَلٌ فَأَعْجَزَهُمْ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ وَأَصْحَابُهُ بِالْعِيرِ وَالْأَسِيرَيْنِ حَتَّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَقَدْ عَزَلُوا مِنْ ذَلِكَ الْخُمُسَ - وَهُوَ أَوَّلُ خُمُسٍ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ، وَأَوَّلُ قَتِيلٍ فِي الْإِسْلَامِ، وَأَوَّلُ أَسِيرَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ - فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فَعَلُوهُ وَاشْتَدَّ تَعْيِيبُ قُرَيْشٍ وَإِنْكَارُهُمْ ذَلِكَ، وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ قَدْ وَجَدُوا مَقَالًا فَقَالُوا: قَدْ أَحَلَّ مُحَمَّدٌ الشَّهْرَ الْحَرَامَ، وَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ الْآيَةَ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217قِتَالٍ فِيهِ بَدَلٌ مِنَ الشَّهْرِ، بَدَلَ الِاشْتِمَالِ، لِأَنَّ الْقِتَالَ يَقَعُ فِي الشَّهْرِ.
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيُّ: هُوَ مَخْفُوضٌ عَلَى التَّكْرِيرِ، يُرِيدُ أَنَّ التَّقْدِيرَ: عَنْ قِتَالٍ فِيهِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=14888الْفَرَّاءِ: مَخْفُوضٌ بِـ " عَنْ " مُضْمَرَةٍ. وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا لِأَنَّ حَرْفَ الْجَرِّ لَا يَبْقَى عَمَلُهُ بَعْدَ حَذْفِهِ فِي الِاخْتِيَارِ...! وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12078أَبُو عُبَيْدَةَ هُوَ مَجْرُورٌ عَلَى الْجِوَارِ. وَهُوَ أَبْعَدُ مِنْ قَوْلِهِمَا، لِأَنَّ الْجِوَارَ مِنْ مَوَاضِعِ الضَّرُورَةِ وَالشُّذُوذِ، وَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ مَا وُجِدَتْ عَنْهُ مَنْدُوحَةٌ. وَفِيهِ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِقِتَالٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِهِ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِقَاتِلٍ.
وَقَدْ قُرِئَ بِالرَّفْعِ فِي الشَّاذِّ، وَوَجْهُهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ مَعَهُ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ، تَقْدِيرُهُ: أَجَائِزٌ قِتَالٌ فِيهِ؟.
[ ص: 541 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217قُلْ فِي جَوَابِهِمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ أَيْ: أَمْرٌ كَبِيرٌ مُسْتَنْكَرٌ، وَقَدْ كَانَتِ
الْعَرَبُ لَا تَسْفِكُ دَمًا وَلَا تُغِيرُ عَلَى عَدُوٍّ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَهِيَ: ذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ وَرَجَبٍ. وَسَنَذْكُرُ فِي تَنْبِيهٍ يَأْتِي التَّحْقِيقَ فِي كَوْنِ تَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِيهَا مُحْكَمًا أَوْ مَنْسُوخًا.
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14343الرَّاغِبُ: إِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَقُلِ: الْقِتَالُ فِيهِ كَبِيرٌ، وَشَرْطُ النَّكِرَةِ الْمَذْكُورَةِ إِذَا أُعِيدَ ذِكْرُهَا أَنْ يُعَادَ مُعَرَّفًا، نَحْوَ: سَأَلْتَنِي عَنْ رَجُلٍ وَالرَّجُلُ كَذَا وَكَذَا؟ قِيلَ: فِي ذِكْرِهِ مُنْكَرًا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنْ لَيْسَ كُلُّ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ هَذَا حُكْمُهُ، فَإِنَّ قِتَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ
مَكَّةَ لَمْ يَكُنْ هَذَا حُكْمَهُ، فَقَدْ قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=651702« أُحِلَّتْ لِيَ سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ وَلَمْ تَكُنْ تَحُلُّ لِأَحَدٍ قَبْلِي» .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَيْ: عَنْ دِينِهِ الْمُوَصِّلِ إِلَى رِضْوَانِهِ، أَوْ عَنِ
الْبَيْتِ الْحَرَامِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَمَّى الْحَجَّ: سَبِيلَ اللَّهِ.
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14085الْحَرَالِيُّ: وَالصَّدُّ: صَرْفٌ إِلَى نَاحِيَةٍ بِإِعْرَاضٍ وَتَكَرُّهٍ، وَالسَّبِيلُ: طَرِيقُ الْجَادَّةِ السَّابِلَةِ عَلَيْهِ الظَّاهِرُ لِكُلِّ سَالِكٍ مَنْهَجَهُ. وَصَدٌّ مُبْتَدَأٌ.
[ ص: 542 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وَكُفْرٌ بِهِ أَيْ: بِالسَّبِيلِ - أَعْنِي الدِّينَ - أَوْ بِاللَّهِ، عَطْفٌ عَلَيْهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَطْفٌ عَلَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217سَبِيلِ اللَّهِ أَيْ: وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَعَنِ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. وَزَعَمَ
nindex.php?page=showalam&ids=14888الْفَرَّاءُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْهَاءِ فِي: ( بِهِ ) أَيْ: كُفْرٌ بِهِ
وَبِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ أَيْ: أَهْلَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ - وَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ أَوْلِيَاؤُهُ - وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى: صَدَّ أَيْضًا:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217مِنْهُ مِنَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ; وَخَبَرُ الْأَسْمَاءِ الثَّلَاثَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ جُرْمًا مِمَّا فَعَلَتْهُ السَّرِيَّةُ: مِنْ قَتْلِهِمْ إِيَّاهُمْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ ; لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ فِتْنَةٌ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، أَيْ: فَقَدْ فَعَلُوا بِكُمْ فِي
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ فِيهِ، وَحُرْمَةُ الْمَسْجِدِ كَحُرْمَةِ الشَّهْرِ..! هَذَا، وَقِيلَ: خَبَرُ: صَدَّ وَ: كَفَرَ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ.
وَأَشَارَ
الرَّازِيُّ إِلَى إِعْرَابٍ آخَرَ وَهُوَ: إِنَّ: صَدَّ وَ: كَفَرَ مَعْطُوفَانِ عَلَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217كَبِيرٌ أَيْ: قِتَالٌ فِيهِ، مَوْصُوفٌ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ. وَعَلَيْهِ فَأَكْبَرُ خَبَرُ إِخْرَاجٍ فَقَطْ.
وَقَدْ جَنَحَ لِهَذَا
الْمَهَايِمِيُّ حَيْثُ قَالَ فِي " تَفْسِيرِهِ ":
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ مِنَ الْمَعَاصِي الْكَبَائِرُ، كَيْفَ وَهُوَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَيْ: عَنِ التِّجَارَةِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ سَبِيلَ الرِّزْقِ لِعِبَادِهِ، وَلَوِ اسْتُبِيحَ هَذَا الْقَتْلُ فَهُوَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وَكُفْرٌ بِهِ وَصَدٌّ عَنِ:
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِذَا قُتِلَ الْحُجَّاجُ الْخَارِجُونَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَهَذَا وَجْهُ تَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِي هَذَا الشَّهْرِ، وَلَكِنْ: {إِخْرَاجُ أَهْلِهِ } أَيْ: إِخْرَاجُهُمْ أَهْلَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهُمُ: النَّبِيُّ وَالْمُؤْمِنُونَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ إِلَى آخِرِهِ، وَهَذَا الْوَجْهُ مِنَ الْإِعْرَابِ بَدِيعٌ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْأَوَّلِ.
قَالَ
ابْنُ الْقِيَمِ فِي " زَادِ الْمَعَادِ " فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ: يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: هَذَا الَّذِي أَنْكَرْتُمُوهُ عَلَيْهِمْ - وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا - فَمَا ارْتَكَبْتُمُوهُ أَنْتُمْ مِنَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ، وَالصَّدِّ عَنْ سَبِيلِهِ وَعَنْ بَيْتِهِ، وَإِخْرَاجِ الْمُسْلِمِينَ - الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهُ - مِنْهُ، وَالشَّرَكِ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ، وَالْفِتْنَةِ الَّتِي حَصَلَتْ
[ ص: 543 ] مِنْكُمْ بِهِ ; أَكْبُرُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قِتَالِهِمْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ. وَمِمَّا نُسِبَ
nindex.php?page=showalam&ids=1لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى هَذِهِ الْأَبْيَاتُ، وَيُقَالُ هِيَ
لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ: تَعُدُّونَ قَتْلًا فِي الْحَرَامِ عَظِيمَةً وَأَعْظَمُ مِنْهُ لَوَ يَرَى الرُّشْدَ رَاشِدُ
صُدُودُكُمْ عَمَّا يَقُولُ مُحْمَدٌ
وَكَفْرٌ بِهِ، وَاللَّهُ رَاءٍ وَشَاهِدُ
وَإِخْرَاجُكُمْ مِنْ مَسْجِدِ اللَّهِ أَهْلَهُ
لِئَلَّا يُرَى لِلَّهِ فِي الْبَيْتِ سَاجِدُ
فَإِنَّا وَإِنْ عَيَّرْتُمُونَا بِقَتْلِهِ
وَأَرْجَفَ بِالْإِسْلَامِ بَاغٍ وَحَاسِدُ
سَقَيْنَا مِنِ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ رِمَاحَنَا
بِنَخْلَةَ لَمَّا أَوْقَدَ الْحَرْبَ وَاقْدُ
دَمًا، وَابْنُ عَبْدِ اللَّهِ عُثْمَانُ بَيْنَنَا
يُنَازِعُهُ غُلٌّ مِنَ الْقِدِّ عَانِدُ
قَالَ الْإِمَامُ
ابْنُ الْقَيِّمِ فِي " زَادِ الْمَعَادِ ": وَأَكْثَرُ السَّلَفِ فَسَّرُوا الْفِتْنَةَ هُنَا بِالشِّرْكِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=193وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=23ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ أَيْ: لَمْ يَكُنْ مَآلُ شِرْكِهِمْ وَعَاقِبَتِهِ وَآخِرِ أَمْرِهِمْ إِلَّا أَنْ تَبَرَّأُوا مِنْهُ وَأَنْكَرُوهُ. وَحَقِيقَتُهَا: أَنَّهُ الشِّرْكُ الَّذِي يَدْعُو صَاحِبَهُ إِلَيْهِ، وَيُقَاتِلُ عَلَيْهِ، وَيُعَاقِبُ مَنْ لَمْ يَفْتَتِنْ بِهِ. وَلِهَذَا يُقَالُ لَهُمْ وَقْتَ عَذَابِهِمْ بِالنَّارِ وَفِتْنَتِهِمْ بِهَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=14ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ: تَكْذِيبُكُمْ. وَحَقِيقَتُهُ: ذُوقُوا نِهَايَةَ فِتْنَتِكُمْ وَغَايَتَهَا وَمَصِيرَ أَمْرِهَا، كَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=24ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ وَكَمَا فَتَنُوا عِبَادَهُ عَنِ الشِّرْكِ، فُتِنُوا عَلَى النَّارِ وَقِيلَ لَهُمْ:
[ ص: 544 ] nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=14ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=10إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فُسِّرَتِ الْفِتْنَةُ - هُنَا - بِتَعْذِيبِهِمُ الْمُؤْمِنِينَ وَإِحْرَاقِهِمْ إِيَّاهُمْ بِالنَّارِ، وَاللَّفْظُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ. وَحَقِيقَتُهُ، عَذَّبُوا الْمُؤْمِنِينَ لِيَفْتِنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ. فَهَذِهِ الْفِتْنَةُ الْمُضَافَةُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ. وَأَمَّا الْفِتْنَةُ الَّتِي يُضِيفُهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ إِلَى نَفْسِهِ وَيُضِيفُهَا رَسُولُهُ إِلَيْهِ كَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=53وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ وَقَوْلِ
مُوسَى: nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=155إِنْ هِيَ إِلا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ فَتِلْكَ بِمَعْنًى آخَرَ، وَهِيَ بِمَعْنَى الِامْتِحَانِ وَالِاخْتِبَارِ وَالِابْتِلَاءِ مِنَ اللَّهِ لِعِبَادِهِ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ، بِالنِّعَمِ وَالْمَصَائِبِ. فَهَذِهِ لَوْنٌ، وَفِتْنَةُ الْمُشْرِكِينَ لَوْنٌ. وَفِتْنَةُ الْمُؤْمِنِ فِي مَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ لَوْنٌ آخَرُ. وَالْفِتْنَةُ الَّتِي يُوقِعُهَا بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ كَالْفِتْنَةِ الَّتِي أَوْقَعَهَا بَيْنَ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ nindex.php?page=showalam&ids=33وَمُعَاوِيَةَ، وَبَيْنَ أَهْلِ الْجَمَلِ
وَصِفِّينَ، وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَتَقَاتَلُوا وَيَتَهَاجَرُوا - لَوْنٌ آخَرُ - وَهِيَ الْفِتْنَةُ الَّتِي قَالَ فِيهَا
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=664490« سَتَكُونُ فِتْنَةٌ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ [ ص: 545 ] مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي.... » . وَأَحَادِيثُ الْفِتْنَةِ - الَّتِي أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا بِاعْتِزَالِ الطَّائِفَتَيْنِ - هِيَ هَذِهِ الْفِتْنَةُ. وَقَدْ تَأْتِي الْفِتْنَةُ مُرَادًا بِهَا الْمَعْصِيَةُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=49وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي يَقُولُهُ
الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ لَمَّا نَدَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى
تَبُوكَ، يَقُولُ: ائْذَنْ لِي فِي الْقُعُودِ وَلَا تَفْتِنِّي بِتَعَرُّضِي لِبَنَاتِ الْأَصْفَرِ، فَإِنِّي لَا أَصْبِرُ
[ ص: 546 ] عَنْهُنَّ..!
قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=49أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا أَيْ: وَقَعُوا فِي فِتْنَةِ النِّفَاقِ وَفَرُّوا إِلَيْهَا مِنْ فِتْنَةِ بَنَاتِ الْأَصْفَرِ.
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ حَكَمَ بَيْنَ أَوْلِيَائِهِ وَأَعْدَائِهِ بِالْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ، وَلَمْ يُبْرِئْ أَوْلِيَاءَهُ مِنِ ارْتِكَابِ الْإِثْمِ بِالْقَتْلِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، بَلْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ كَبِيرٌ، وَأَنَّ مَا عَلَيْهِ أَعْدَاؤُهُ الْمُشْرِكُونَ أَكْبَرُ وَأَعْظَمُ مِنْ مُجَرَّدِ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَهُمْ أَحَقُّ بِالذَّمِّ، وَالْعَيْبِ وَالْعُقُوبَةِ، لَا سِيَّمَا أَوْلِيَاؤُهُ. كَانُوا مُتَأَوِّلِينَ فِي قِتَالِهِمْ ذَلِكَ، أَوْ مُقَصِّرِينَ نَوْعَ تَقْصِيرٍ يَغْفِرُهُ اللَّهُ لَهُمْ. فِي جَنْبِ مَا فَعَلُوهُ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالطَّاعَاتِ وَالْهِجْرَةِ مَعَ رَسُولِهِ وَإِيثَارِ مَا عِنْدَ اللَّهِ، فَهُمْ كَمَا قِيلَ:
وَإِذَا الْحَبِيبُ أَتَى بِذَنْبٍ وَاحِدٍ جَاءَتْ مَحَاسِنُهُ بِأَلْفِ شَفِيعِ
فَكَيْفَ يُقَاسُ بِبَغِيضِ عَدُوٍّ جَاءَ بِكُلِّ قَبِيحٍ وَلَمْ يَأْتِ بِشَفِيعٍ وَاحِدٍ مِنَ الْمَحَاسِنِ؟!.
تَنْبِيهٌ:
اتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْآيَةِ: حُرْمَةُ
nindex.php?page=treesubj&link=8193الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ هَلْ بَقِيَ أَمْ نُسِخَ؟!.
قَالَ
ابْنُ الْقِيَمِ فِي " زَادِ الْمَعَادِ " فِي الْفَصْلِ الَّذِي عَقَدَهُ: لَمَّا كَانَ فِي غَزْوَةِ
خَبِيرَ مِنَ الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ. مَا نَصُّهُ: مِنْهَا مُحَارَبَةُ الْكُفَّارِ وَمُقَاتَلَتُهُمْ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ مِنَ
الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ. فَمَكَثَ بِهَا ثُمَّ سَارَ إِلَى
خَيْبَرَ فِي الْمُحَرَّمِ كَذَلِكَ. قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16561عُرْوَةَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17065مَرْوَانَ nindex.php?page=showalam&ids=83وَالْمِسْوَرِ، وَكَذَلِكَ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15472الْوَاقِدِيُّ: خَرَجَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ. وَلَكِنْ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ نَظَرٌ. فَإِنَّ خُرُوجَهُ كَانَ فِي أَوَاخِرِ الْمُحَرَّمِ لَا فِي أَوَّلِهِ، وَفَتْحُهَا إِنَّمَا كَانَ فِي صَفَرٍ. وَأَقْوَى مِنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ بَيْعَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ عَلَى الْقِتَالِ وَأَنْ لَا يَفِرُّوا. وَكَانَتْ فِي ذِي الْقِعْدَةِ. وَلَكِنْ لَا دَلِيلَ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا بَايَعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّهُمْ قَدْ قَتَلُوا
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانَ وَهُمْ يُرِيدُونَ قِتَالَهُ، فَحِينَئِذٍ بَايَعَ الصَّحَابَةَ. وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ دَفْعًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ أَنْ يُقَاتَلَ فِيهِ ابْتِدَاءً. فَالْجُمْهُورُ جَوَّزُوهُ وَقَالُوا: تَحْرِيمُ الْقِتَالِ فِيهِ مَنْسُوخٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ
[ ص: 547 ] الْأَرْبَعَةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ. وَذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=16568عَطَاءٌ وَغَيْرُهُ إِلَى أَنَّهُ ثَابِتٌ غَيْرُ مَنْسُوخٍ ; وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=16568عَطَاءٌ يَحْلِفُ بِاللَّهِ مَا يَحِلُّ الْقِتَالُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَلَا نُسِخَ مِنْ تَحْرِيمِهِ شَيْءٌ..! وَأَقْوَى مِنْ هَذَيْنِ الِاسْتِدْلَالَيْنِ، الِاسْتِدْلَالُ بِحِصَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِلطَّائِفِ. فَإِنَّهُ خَرَجَ إِلَيْهَا فِي أَوَاخِرَ شَوَّالَ فَحَاصَرَهُمْ بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، فَبَعْضُهَا كَانَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ. فَإِنَّهُ فَتَحَ
مَكَّةَ لِعَشْرٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ، وَأَقَامَ بِهَا بَعْدَ الْفَتْحِ تِسْعَ عَشْرَةَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، فَخَرَجَ إِلَى
هَوَازِنَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ شَوَّالَ عِشْرُونَ يَوْمًا، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ
هَوَازِنَ وَقَسَمَ غَنَائِمَهَا. ثُمَّ ذَهَبَ مِنْهَا إِلَى
الطَّائِفِ فَحَاصَرُوهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ بَعْضَهَا فِي ذِي الْقِعْدَةِ بِلَا شَكٍّ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّمَا حَاصَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً. قَالَ
ابْنُ حَزْمٍ: وَهُوَ الصَّحِيحُ بِلَا شَكٍّ. وَهَذَا عَجِيبٌ مِنْهُ. فَمِنْ أَيْنَ لَهُ هَذَا التَّصْحِيحُ وَالْجَزْمُ بِهِ..؟ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي قِصَّةِ
الطَّائِفِ قَالَ: فَحَاصَرْنَاهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَاسْتَعْصَوْا وَتَمَنَّعُوا، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. فَهَذَا الْحِصَارُ وَقَعَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ بِلَا رَيْبٍ. وَمَعَ هَذَا، فَلَا دَلِيلَ فِي الْقِصَّةِ لِأَنَّ غَزْوَ
الطَّائِفِ كَانَ فِي تَمَامِ غَزْوَةِ
هَوَازِنَ. وَهُمْ بَدَأُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِتَالِ. وَلَمَّا انْهَزَمُوا دَخَلَ مَلِكُهُمْ - وَهُوَ
مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ النَّضْرِيُّ - مَعَ
ثَقِيفٍ فِي حِصْنِ
الطَّائِفِ. فَحَارَبَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَكَانَ غَزْوُهُمْ مِنْ تَمَامِ الْغَزْوِ الَّتِي شُرِعَ فِيهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ وَهِيَ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا وَلَيْسَ فِيهَا مَنْسُوخٌ:
[ ص: 548 ] nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَقَالَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَهَاتَانِ آيَتَانِ مَدَنِيَّتَانِ. بَيْنَهُمَا فِي النُّزُولِ نَحْوُ ثَمَانِيَةِ أَعْوَامٍ. وَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ نَاسِخٌ لِحُكْمِهَا. وَلَا اجْتَمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى نَسْخِهِ. وَمَنِ اسْتَدَلَّ عَلَى النَّسْخِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=36وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً وَنَحْوِهَا مِنَ الْعُمُومَاتِ، فَقَدِ اسْتَدَلَّ عَلَى النَّسْخِ بِمَا لَا يَدُلُّ. وَمَنِ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ
أَبَا عَامِرٍ فِي سَرِيَّةٍ إِلَى
أَوْطَاسَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ، فَقَدِ اسْتَدَلَّ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ تَمَامِ الْغَزْوَةِ الَّتِي بَدَأَ فِيهَا الْمُشْرِكُونَ بِالْقِتَالِ وَلَمْ يَكُنِ ابْتِدَاءٌ مِنْهُ لِقِتَالِهِمْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وَلا يَزَالُونَ - يَعْنِي أَهْلَ
مَكَّةَ -:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217يُقَاتِلُونَكُمْ - أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ -:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ أَيْ: يُرْجِعُوكُمْ عَنْ دِينِكُمُ الْإِسْلَامِ إِلَى الْكُفْرِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217إِنِ اسْتَطَاعُوا أَيْ: قَدَرُوا عَلَى رِدَّتِكُمْ. وَفِيهِ اسْتِبْعَادٌ لِاسْتِطَاعَتِهِمْ. فَهُوَ كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِعَدُوِّهِ: إِنْ ظَفَرْتَ بِي
[ ص: 549 ] فَلَا تُبْقِ عَلَيَّ. وَهُوَ وَاثِقٌ أَنَّهُ لَا يَظْفَرُ بِهِ. وَجُمْلَةُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وَلا يَزَالُونَ إِمَّا مَعْطُوفَةٌ عَلَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217يَسْأَلُونَكَ أَوْ مُعْتَرَضَةً. وَالْمَقْصُودُ: تَحْذِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ وَعَدَمُ الْمُبَالَاةِ بِمُوَافَقَتِهِمْ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ، لِاسْتِحْكَامِ عَدَاوَتِهِمْ وَإِصْرَارِهِمْ عَلَى الْفِتْنَةِ فِي الدِّينِ.
وَفِي الْآيَةِ إِشْعَارٌ بِأَنَّكُمْ أَحَقُّ بِأَنْ لَا تَزَالُوا تُقَاتِلُونَهُمْ، لِأَنَّهُمْ قَاطِعُونَ بِأَنَّكُمْ عَلَى الْحَقِّ وَأَنَّكُمْ مَنْصُورُونَ، وَأَنَّهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ وَهُمْ مَخْذُولُونَ، وَلَا بُدَّ وَإِنْ طَالَ الْمَدَى ; لِاعْتِمَادِكُمْ عَلَى اللَّهِ وَاعْتِمَادِهِمْ عَلَى قُوَّتِهِمْ. وَمَنْ وُكِلَ إِلَى نَفْسِهِ ضَاعَ. فَالْأَمْرُ الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ أَشَدُّ مِنَ الْكَلَامِ. فَيَنْبَغِي الِاسْتِعْدَادُ لَهُ بِعِدَّتِهِ، وَالتَّأَهُّبُ لَهُ بِأُهْبَتِهِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يُلْتَفَتَ إِلَى التَّأَثُّرِ بِكَلَامِهِمُ الَّذِي تُوحِيهِ إِلَيْهِمُ الشَّيَاطِينُ طَعْنًا فِي الدِّينِ، وَصَدًّا عَنِ السَّبِيلِ. أَشَارَ لِذَلِكَ الْبِقَاعِيُّ. ثُمَّ حَذَّرَ تَعَالَى عَنِ الِارْتِدَادِ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ. وَبِنَاءُ صِيغَةِ الِافْتِعَالِ مِنَ الرِّدَّةِ الْمُؤْذِنَةِ بِالتَّكَلُّفِ، إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مَنْ بَاشَرَ دِينَ الْحَقِّ يَبْعُدُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ، فَهُوَ مُتَكَلِّفٌ فِي ذَلِكَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ أَيْ: بَطَلَتْ جَمِيعُ مَسَاعِيهِمُ النَّافِعَةُ لَهُمْ، وَرُدَّتْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217فِي الدُّنْيَا - إِذْ يَرْفَعُ الْأَمَانُ عَنْ أَمْوَالِهِمْ وَأَهْلِهِمْ -:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وَالآخِرَةِ - إِذْ يَسْقُطُ ثَوَابُهُمْ، فَلَا يُجْزَوْنَ ثَمَّةَ بِحَسَنَاتِهِمْ: {وَ } لَا يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ بَلْ: أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ أَيْ: أَهْلُ النَّارِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ مُقِيمُونَ لَا يَمُوتُونَ وَلَا يَخْرُجُونَ كَسَائِرِ الْكُفَّارِ.