[ ص: 4386 ] سورة المؤمنون
سميت بهم لاشتمالها على جلائل أوصافهم ونتائجها ، في أولها وفي قوله :
إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون ، إلى قوله : سابقون أفاده
المهايمي . وهي مكية . واستثنى بعضهم منها آية حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب ، إلى قوله : مبلسون وآيها مائة وثماني عشرة .
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم وغيرهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=4814عبد الله بن السائب قال :
صلى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة الصبح . فاستفتح سورة المؤمنون . حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون ، أو ذكر عيسى ، أخذته سعلة فركع .
[ ص: 4387 ] بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى :
[1 - 7]
nindex.php?page=treesubj&link=29680_34135_28994nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=1قد أفلح المؤمنون nindex.php?page=treesubj&link=19775_25353_30499_34134_842_28994nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=2الذين هم في صلاتهم خاشعون nindex.php?page=treesubj&link=19087_34337_28994nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=3والذين هم عن اللغو معرضون nindex.php?page=treesubj&link=2649_34134_28994nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=4والذين هم للزكاة فاعلون nindex.php?page=treesubj&link=19513_33501_34134_28994nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=5والذين هم لفروجهم حافظون nindex.php?page=treesubj&link=33368_28994nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=6إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين nindex.php?page=treesubj&link=28328_34472_28994nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=7فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون .
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=1قد أفلح المؤمنون أي : دخلوا في الفوز الأعظم
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=2الذين هم في صلاتهم خاشعون أي : متذللون مع خوف وسكون للجوارح ، لاستيلاء الخشية والهيبة على قلوبهم
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=3والذين هم عن اللغو معرضون أي : عن الفضول وما لا يعني من الأقوال والأفعال ، معرضون في عامة أوقاتهم ، لاستغراقهم بالجد .
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=4والذين هم للزكاة فاعلون أي : للتجرد عن رذيلة البخل . قيل : السورة مكية ، والزكاة إنما فرضت
بالمدينة ؟ وجوابه : إن الذي فرض
بالمدينة إنما هو النصب والمقادير الخاصة . وإلا فأصل التفضل بالعفو مشروع في أوائل البعثة ، فلا حاجة إلى دعوى إرادة زكاة النفوس من الشرك والعصيان ، لعدم التبادر إليه .
{
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=5والذين هم لفروجهم حافظون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=6إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } لأنه الحق المأذون فيه
[ ص: 4388 ] nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=7فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون أي : الكاملون في العدوان المرتكبونه على أنفسهم .
تنبيهات :
الأول : دلت الآية على
nindex.php?page=treesubj&link=19456_19513تعليق فلاح العبد على حفظ فرجه ، وأنه لا سبيل له إلى الفلاح بدونه ، وتضمنت هذه الآية ثلاثة أمور : من لم يحفظ فرجه لم يكن من المفلحين . وأنه من الملومين . ومن العادين . ففاته الفلاح واستحق اسم العدوان ووقع في اللوم . فمقاساة ألم الشهوة ومعاناتها ، أيسر من بعض ذلك . وقد أمر الله تعالى نبيه أن يأمر المؤمنين بغض أبصارهم وحفظ فروجهم . وأن يعلمهم أنه مشاهد لأعمالهم ، مطلع عليها ، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور . ولما كان مبدأ ذلك من قبل البصر ، جعل الأمر بغضه مقدما على حفظ الفرج . فإن الحوادث مبدؤها من النظر . كما أن معظم النار مبدؤها من مستصغر الشرر . ثم تكون نظرة ، ثم تكون خطرة ، ثم خطوة ، ثم خطيئة . ولهذا قيل : من حفظ هذه الأربعة أحرز دينه : اللحظات ، والخطرات ، واللفظات . والخطوات . فينبغي للعبد أن يكون بواب نفسه على هذه الأبواب الأربعة . ويلازم الرباط على ثغورها . فمنها يدخل عليه العدو ، فيجوس خلال الديار ويتبروا ما علوا تتبيرا .
الثاني : روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد أنه قال :
nindex.php?page=treesubj&link=10279لا أعلم بعد القتل ذنبا أعظم من الزنى .
واحتج بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=673889يا رسول الله أي الذنب أعظم ؟ قال : « أن تجعل لله ندا وهو خلقك قال قلت : ثم أي ؟ قال : أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك . قال قلت : ثم أي ؟ قال : أن تزاني حليلة جارك » . والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر من كل نوع أعلاه ليطابق جوابه سؤال السائل .
[ ص: 4389 ] فإنه سئل عن
nindex.php?page=treesubj&link=29705_28675أعظم الذنب فأجابه بما تضمن ذكر أعظم أنواعه وما هو أعظم كل نوع ، فأعظم أنواع الشرك أن يجعل العبد لله ندا . وأعظم أنواع القتل أن يقتل ولده خشية أن يشاركه في طعامه وشرابه .
nindex.php?page=treesubj&link=33503وأعظم أنواع الزنى أن يزني بحليلة جاره . فإن مفسدة الزنى تتضاعف بتضاعف ما انتهكه من الحق . فالزنى بالمرأة التي لها زوج ، أعظم إثما وعقوبة من الزنى بالتي لا زوج لها إذ فيه انتهاك حرمة الزوج وإفساد فراشه ، وتعليق نسب عليه ، لم يكن منه ، وغير ذلك من أنواع أذاه . فهو أعظم إثما وجرما من الزنى بغير ذات الزوج فإذا كان زوجها جارا له ، انضاف إلى ذلك سوء الجوار ، وأذى جاره بأعلى أنواع الأذى . وذلك من أعظم البوائق . وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=941375« لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه » . ولا بائقة أعظم من الزنى بامرأته . فالزنى بمائة امرأة لها زوج أيسر عند الله من الزنى بامرأة الجار . فإن كان أخا له ، أو قريبا من أقاربه ، انضم إلى ذلك قطيعة الرحم ، فيتضاعف الإثم . فإن كان الجار غائبا في طاعة الله ، كالصلاة وطلب العلم والجهاد ، تضاعف الإثم ، فإن اتفق أن تكون المرأة رحما منه ، انضاف إلى ذلك قطيعة رحمها .
فإن اتفق أن يكون الزاني محصنا ، كان الإثم أعظم . فإن كان شيخا كان أعظم إثما وهو أحد الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم فإن اقترن بذلك أن يكون في شهر حرام أو بلد حرام أو وقت معظم عند الله ، كأوقات الصلاة وأوقات الإجابة ، تضاعف الإثم .
وعلى هذا ، فاعتبر مفاسد الذنوب وتضاعف درجاتها في الإثم والعقوبة والله المستعان .
الثالث : أجمع المسلمون على أن
nindex.php?page=treesubj&link=10455حكم التلوط مع المملوك كحكمه مع غيره ، ومن ظن أن تلوط الإنسان مع مملوكه جائز ، واحتج على ذلك بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=6إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين وقاس ذلك على أمته المملوكة ، فهو كافر يستتاب كما يستتاب المرتد . فإن تاب وإلا قتل وضربت عنقه . وتلوط الإنسان بمملوكه كتلوطه بمملوك غيره . في الإثم والحكم . أفاد هذا وما قبله بتمامه
الإمام ابن القيم في (" الجواب الكافي " ) . وقوله تعالى :
[ ص: 4386 ] سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ
سُمِّيَتْ بِهِمْ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى جَلَائِلِ أَوْصَافِهِمْ وَنَتَائِجِهَا ، فِي أَوَّلِهَا وَفِي قَوْلِهِ :
إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ، إِلَى قَوْلِهِ : سَابِقُونَ أَفَادَهُ
الْمَهَايِمِيُّ . وَهِيَ مَكِّيَّةٌ . وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْهَا آيَةً حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ ، إِلَى قَوْلِهِ : مُبْلِسُونَ وَآيُهَا مِائَةٌ وَثَمَانِي عَشْرَةَ .
وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ nindex.php?page=showalam&ids=17080وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=4814عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ :
صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ الصُّبْحَ . فَاسْتَفْتَحَ سُورَةَ الْمُؤْمِنُونَ . حَتَّى إِذَا جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ ، أَوْ ذِكْرُ عِيسَى ، أَخَذَتْهُ سَعْلَةٌ فَرَكَعَ .
[ ص: 4387 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
[1 - 7]
nindex.php?page=treesubj&link=29680_34135_28994nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=1قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ nindex.php?page=treesubj&link=19775_25353_30499_34134_842_28994nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=2الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ nindex.php?page=treesubj&link=19087_34337_28994nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=3وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ nindex.php?page=treesubj&link=2649_34134_28994nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=4وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ nindex.php?page=treesubj&link=19513_33501_34134_28994nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=5وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ nindex.php?page=treesubj&link=33368_28994nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=6إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ nindex.php?page=treesubj&link=28328_34472_28994nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=7فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=1قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ أَيْ : دَخَلُوا فِي الْفَوْزِ الْأَعْظَمِ
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=2الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ أَيْ : مُتَذَلِّلُونَ مَعَ خَوْفٍ وَسُكُونٍ لِلْجَوَارِحِ ، لِاسْتِيلَاءِ الْخَشْيَةِ وَالْهَيْبَةِ عَلَى قُلُوبِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=3وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ أَيْ : عَنِ الْفُضُولِ وَمَا لَا يَعْنِي مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ ، مُعْرِضُونَ فِي عَامَّةِ أَوْقَاتِهِمْ ، لِاسْتِغْرَاقِهِمْ بِالْجِدِّ .
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=4وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ أَيْ : لِلتَّجَرُّدِ عَنْ رَذِيلَةِ الْبُخْلِ . قِيلَ : السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ ، وَالزَّكَاةُ إِنَّمَا فُرِضَتْ
بِالْمَدِينَةِ ؟ وَجَوَابُهُ : إِنَّ الَّذِي فُرِضَ
بِالْمَدِينَةِ إِنَّمَا هُوَ النُّصْبُ وَالْمَقَادِيرُ الْخَاصَّةُ . وَإِلَّا فَأَصْلُ التَّفَضُّلِ بِالْعَفْوِ مَشْرُوعٌ فِي أَوَائِلِ الْبِعْثَةِ ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى دَعْوَى إِرَادَةِ زَكَاةِ النُّفُوسِ مِنَ الشِّرْكِ وَالْعِصْيَانِ ، لِعَدَمِ التَّبَادُرِ إِلَيْهِ .
{
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=5وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=6إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } لِأَنَّهُ الْحَقُّ الْمَأْذُونُ فِيهِ
[ ص: 4388 ] nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=7فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ أَيِ : الْكَامِلُونَ فِي الْعُدْوَانِ الْمُرْتَكِبُونَهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ .
تَنْبِيهَاتٌ :
الْأَوَّلُ : دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=19456_19513تَعْلِيقِ فَلَاحِ الْعَبْدِ عَلَى حِفْظِ فَرْجِهِ ، وَأَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى الْفَلَاحِ بِدُونِهِ ، وَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ : مَنْ لَمْ يَحْفَظْ فَرْجَهُ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُفْلِحِينَ . وَأَنَّهُ مِنَ الْمَلُومِينَ . وَمِنَ الْعَادِينَ . فَفَاتَهُ الْفَلَاحُ وَاسْتَحَقَّ اسْمَ الْعُدْوَانِ وَوَقَعَ فِي اللَّوْمِ . فَمُقَاسَاةُ أَلَمِ الشَّهْوَةِ وَمُعَانَاتُهَا ، أَيْسَرُ مِنْ بَعْضِ ذَلِكَ . وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ أَنْ يَأْمُرَ الْمُؤْمِنِينَ بِغَضِّ أَبْصَارِهِمْ وَحِفْظِ فُرُوجِهِمْ . وَأَنْ يُعَلِّمَهُمْ أَنَّهُ مُشَاهِدٌ لِأَعْمَالِهِمْ ، مُطَّلِعٌ عَلَيْهَا ، يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ . وَلَمَّا كَانَ مَبْدَأُ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ الْبَصَرِ ، جَعَلَ الْأَمْرَ بِغَضِّهِ مُقَدَّمًا عَلَى حِفْظِ الْفَرْجِ . فَإِنَّ الْحَوَادِثَ مَبْدَؤُهَا مِنَ النَّظَرِ . كَمَا أَنَّ مُعْظَمَ النَّارِ مَبْدَؤُهَا مِنْ مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ . ثُمَّ تَكُونُ نَظْرَةً ، ثُمَّ تَكُونُ خَطِرَةً ، ثُمَّ خُطْوَةً ، ثُمَّ خَطِيئَةً . وَلِهَذَا قِيلَ : مَنْ حَفِظَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ أَحْرَزَ دِينَهُ : اللَّحَظَاتُ ، وَالْخَطِرَاتُ ، وَاللَّفَظَاتُ . وَالْخُطُوَاتُ . فَيَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنَّ يَكُونَ بَوَّابَ نَفْسِهِ عَلَى هَذِهِ الْأَبْوَابِ الْأَرْبَعَةِ . وَيُلَازِمَ الرِّبَاطَ عَلَى ثُغُورِهَا . فَمِنْهَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْعَدُوُّ ، فَيَجُوسُ خِلَالَ الدِّيَارِ وَيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا .
الثَّانِي : رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=10279لَا أَعْلَمُ بَعْدَ الْقَتْلِ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنَ الزِّنَى .
وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=673889يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ ؟ قَالَ : « أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ قَالَ قُلْتُ : ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ : أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ . قَالَ قُلْتُ : ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ : أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ » . وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ أَعْلَاهُ لِيُطَابِقَ جَوَابُهُ سُؤَالَ السَّائِلِ .
[ ص: 4389 ] فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=29705_28675أَعْظَمِ الذَّنْبِ فَأَجَابَهُ بِمَا تَضَمَّنَ ذِكْرَ أَعْظَمِ أَنْوَاعِهِ وَمَا هُوَ أَعْظَمُ كُلِّ نَوْعٍ ، فَأَعْظَمُ أَنْوَاعِ الشِّرْكِ أَنْ يَجْعَلَ الْعَبْدُ لِلَّهِ نِدًّا . وَأَعْظَمُ أَنْوَاعِ الْقَتْلِ أَنْ يَقْتُلَ وَلَدَهُ خَشْيَةَ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ .
nindex.php?page=treesubj&link=33503وَأَعْظَمُ أَنْوَاعِ الزِّنَى أَنْ يَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِهِ . فَإِنَّ مَفْسَدَةَ الزِّنَى تَتَضَاعَفُ بِتَضَاعُفِ مَا انْتَهَكَهُ مِنَ الْحَقِّ . فَالزِّنَى بِالْمَرْأَةِ الَّتِي لَهَا زَوْجٌ ، أَعْظَمُ إِثْمًا وَعُقُوبَةً مِنَ الزِّنَى بِالَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا إِذْ فِيهِ انْتِهَاكُ حُرْمَةِ الزَّوْجِ وَإِفْسَادُ فِرَاشِهِ ، وَتَعْلِيقُ نَسَبٍ عَلَيْهِ ، لَمْ يَكُنْ مِنْهُ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ أَذَاهُ . فَهُوَ أَعْظَمُ إِثْمًا وَجُرْمًا مِنَ الزِّنَى بِغَيْرِ ذَاتِ الزَّوْجِ فَإِذَا كَانَ زَوْجُهَا جَارًا لَهُ ، انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ سُوءُ الْجِوَارِ ، وَأَذَى جَارِهِ بِأَعْلَى أَنْوَاعِ الْأَذَى . وَذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْبَوَائِقِ . وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=941375« لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ » . وَلَا بَائِقَةَ أَعْظَمَ مِنَ الزِّنَى بِامْرَأَتِهِ . فَالزِّنَى بِمِائَةِ امْرَأَةٍ لَهَا زَوْجٌ أَيْسَرُ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الزِّنَى بِامْرَأَةِ الْجَارِ . فَإِنْ كَانَ أَخًا لَهُ ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ أَقَارِبِهِ ، انْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ ، فَيَتَضَاعَفُ الْإِثْمُ . فَإِنْ كَانَ الْجَارُ غَائِبًا فِي طَاعَةِ اللَّهِ ، كَالصَّلَاةِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ وَالْجِهَادِ ، تَضَاعَفَ الْإِثْمُ ، فَإِنِ اتَّفَقَ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ رَحِمًا مِنْهُ ، انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ قَطِيعَةُ رَحِمِهَا .
فَإِنِ اتَّفَقَ أَنْ يَكُونَ الزَّانِي مُحْصَنًا ، كَانَ الْإِثْمُ أَعْظَمَ . فَإِنْ كَانَ شَيْخًا كَانَ أَعْظَمَ إِثْمًا وَهُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فَإِنِ اقْتَرَنَ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ أَوْ بَلَدٍ حَرَامٍ أَوْ وَقْتٍ مُعَظَّمٍ عِنْدَ اللَّهِ ، كَأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَأَوْقَاتِ الْإِجَابَةِ ، تَضَاعَفَ الْإِثْمُ .
وَعَلَى هَذَا ، فَاعْتَبِرْ مَفَاسِدَ الذُّنُوبِ وَتَضَاعُفَ دَرَجَاتِهَا فِي الْإِثْمِ وَالْعُقُوبَةِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ .
الثَّالِثُ : أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=10455حُكْمَ التَّلَوُّطِ مَعَ الْمَمْلُوكِ كَحُكْمِهِ مَعَ غَيْرِهِ ، وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ تَلَوُّطَ الْإِنْسَانِ مَعَ مَمْلُوكِهِ جَائِزٌ ، وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=6إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ وَقَاسَ ذَلِكَ عَلَى أَمَتِهِ الْمَمْلُوكَةِ ، فَهُوَ كَافِرٌ يُسْتَتَابُ كَمَا يُسْتَتَابُ الْمُرْتَدُّ . فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَضُرِبَتْ عُنُقُهُ . وَتَلَوُّطُ الْإِنْسَانِ بِمَمْلُوكِهِ كَتَلَوُّطِهِ بِمَمْلُوكِ غَيْرِهِ . فِي الْإِثْمِ وَالْحُكْمِ . أَفَادَ هَذَا وَمَا قَبْلَهُ بِتَمَامِهِ
الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي (" الْجَوَابِ الْكَافِي " ) . وَقَوْلُهُ تَعَالَى :