القول في تأويل قوله تعالى :
[19 ]
nindex.php?page=treesubj&link=28723_28902_30564_31761_32225_32433_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين
"أو كصيب من السماء" تمثيل لحالهم إثر تمثيل ، ليعم البيان منها كل دقيق وجليل ، ويوفي حقها من التفظيع والتهويل . فإن تفننهم في فنون الكفر والضلال حقيق بأن يضرب في شأنه الأمثال . وكما يجب على البليغ -في مظان الإجمال والإيجاز- أن يجمل ويوجز ، فكذلك الواجب عليه -في موارد التفصيل والإشباع- أن يفصل ويشبع .
و(الصيب) : السحاب ذو الصوب ، والصوب المطر . والمراد بالسماء : السحاب ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=69أأنتم أنـزلتموه من المزن أم نحن المنـزلون وهي في الأصل : كل ما علاك من سقف ونحوه.
[ ص: 58 ] "فيه ظلمات ورعد وبرق" التنوين في الكل للتفخيم والتهويل - كأنه قيل : فيه ظلمات داجية ، ورعد قاصف ، وبرق خاطف – "يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق " الصاعقة : الصوت الشديد من الرعدة يسقط معها قطعة نار تنقدح من السحاب - إذا اصطكت أجرامه- لا تأتي على شيء إلا أحرقته "حذر" -أي : خوف - : "الموت" من سماعها- "والله محيط بالكافرين" علما وقدرة فلا يفوتونه .
والجملة اعتراضية منبهة على أن ما صنعوا -من سد الآذان بالأصابع- لا يغني عنهم شيئا ، فإن القدر لا يدافعه الحذر، والحيل لا ترد بأس الله عز وجل . وفائدة وضع الكافرين موضع الضمير -الراجع إلى أصحاب الصيب- الإيذان بأن ما دهمهم - من الأمور الهائلة المحكية- بسبب كفرهم ، فيظهر استحقاقهم شدة الأمر عليهم ، على طريقة قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=117أصابت حرث قوم ظلموا فإن الإهلاك الناشئ عن السخط أشد .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
[19 ]
nindex.php?page=treesubj&link=28723_28902_30564_31761_32225_32433_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ
"أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ" تَمْثِيلٌ لِحَالِهِمْ إِثْرَ تَمْثِيلٍ ، لِيَعُمَّ الْبَيَانُ مِنْهَا كُلَّ دَقِيقٍ وَجَلِيلٍ ، وَيُوَفِّي حَقَّهَا مِنَ التَّفْظِيعِ وَالتَّهْوِيلِ . فَإِنَّ تَفَنُّنَهُمْ فِي فُنُونِ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ حَقِيقٌ بِأَنْ يُضْرَبَ فِي شَأْنِهِ الْأَمْثَالُ . وَكَمَا يَجِبُ عَلَى الْبَلِيغِ -فِي مَظَانِّ الْإِجْمَالِ وَالْإِيجَازِ- أَنْ يُجْمِلَ وَيُوجِزَ ، فَكَذَلِكَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ -فِي مَوَارِدِ التَّفْصِيلِ وَالْإِشْبَاعِ- أَنْ يُفَصِّلَ وَيُشْبِعَ .
وَ(الصَّيِّبُ) : السَّحَابُ ذُو الصَّوْبِ ، وَالصَّوْبُ الْمَطَرُ . وَالْمُرَادُ بِالسَّمَاءِ : السَّحَابُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=69أَأَنْتُمْ أَنْـزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْـزِلُونَ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ : كُلُّ مَا عَلَاكَ مِنْ سَقْفٍ وَنَحْوِهِ.
[ ص: 58 ] "فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ" التَّنْوِينُ فِي الْكُلِّ لِلتَّفْخِيمِ وَالتَّهْوِيلِ - كَأَنَّهُ قِيلَ : فِيهِ ظُلُمَاتٌ دَاجِيَةٌ ، وَرَعْدٌ قَاصِفٌ ، وَبَرْقٌ خَاطِفٌ – "يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ " الصَّاعِقَةُ : الصَّوْتُ الشَّدِيدُ مِنَ الرِّعْدَةِ يَسْقُطُ مَعَهَا قِطْعَةُ نَارٍ تَنْقَدِحُ مِنَ السَّحَابِ - إِذَا اصْطَكَّتْ أَجْرَامُهُ- لَا تَأْتِي عَلَى شَيْءٍ إِلَّا أَحْرَقَتْهُ "حَذَرَ" -أَيْ : خَوْفَ - : "الْمَوْتِ" مِنْ سَمَاعِهَا- "وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ" عِلْمًا وَقُدْرَةً فَلَا يَفُوتُونَهُ .
وَالْجُمْلَةُ اعْتِرَاضِيَّةٌ مُنَبِّهَةٌ عَلَى أَنَّ مَا صَنَعُوا -مِنْ سَدِّ الْآذَانِ بِالْأَصَابِعِ- لَا يُغْنِي عَنْهُمْ شَيْئًا ، فَإِنَّ الْقَدَرَ لَا يُدَافِعُهُ الْحَذَرُ، وَالْحِيَلَ لَا تَرُدُّ بَأْسَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . وَفَائِدَةُ وَضْعِ الْكَافِرِينَ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ -الرَّاجِعِ إِلَى أَصْحَابِ الصَّيِّبِ- الْإِيذَانُ بِأَنَّ مَا دَهَمَهُمْ - مِنَ الْأُمُورِ الْهَائِلَةِ الْمَحْكِيَّةِ- بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ ، فَيُظْهِرُ اسْتِحْقَاقُهُمْ شِدَّةَ الْأَمْرِ عَلَيْهِمْ ، عَلَى طَرِيقَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=117أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا فَإِنَّ الْإِهْلَاكَ النَّاشِئَ عَنِ السُّخْطِ أَشَدُّ .