[51 - 56] أولم يكفهم أنا أنـزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في السماوات والأرض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون
أولم يكفهم أي: آية مغنية عما اقترحوه: أنا أنـزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم أي: وفيه نفسه من الآيات والمعجزات ما لا يرتاب معه إلا من سفه نفسه، وكابر حسه: إن في ذلك أي: الكتاب الذي هو آية مستمرة وحجة بالغة ظاهرة: لرحمة أي: لنعمة عظيمة في هدايته إلى الحق وإلى صراط مستقيم: وذكرى لقوم يؤمنون أي: تذكرة لقوم، همهم الإيمان دون التعنت: قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا أي: إني قد بلغتكم ما أرسلت به إليكم وأنذرتكم، وإنكم قابلتموني بالجحد والتكذيب. يعني. كفى علمه بذلك. وجوز أن يكون المعنى شهيدا بصدقي بالتأييد والحفظ، أي: هو شاهد على ما جئت به، مصدق له تصديق الشاهد لدعوى المدعي.
[ ص: 4759 ] قال : أي: فلو كنت غير محق، لانتقم مني، كما قال تعالى: ابن كثير ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين وإنما أنا صادق عليه فيما أخبرتكم به. ولهذا أيدني بالمعجزات الواضحات والدلائل القاطعات. انتهى يعلم ما في السماوات والأرض أي: فلا يخفى عليه حالي وحالكم: والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون ويستعجلونك بالعذاب أي: استهزاء: ولولا أجل مسمى أي: لكل عذاب أو قوم، وهو وقته المعين له فيهما: لجاءهم العذاب أي: عاجلا: وليأتينهم بغتة أي: فجأة في الدنيا. كوقعة بدر. فقد كانوا لغرورهم لا يتوقعون غلبة المسلمين. أو في الآخرة عند نزول الموت بهم: يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين أي: ستحيط بهم. أي: يستعجلونك بالعذاب وهو واقع بهم لا محالة. أو هي كالمحيطة بهم. لأن كل آت قريب.
يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون أي: جزاءه: يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون وهذا خطاب إلى بلد ما، يقدر أنه فيه أسلم قلبا، وأصح دينا، وآمن نفسا. وأن يتجنب المقام في بلده على تلك الحالة، كيلا يفتنه الكافرون. أو يعرض نفسه للتهلكة، وقد جعل له منها مخرج. وكون أرض الله واسعة، مذكور للدلالة على المقدر. وهو كالتوطئة لما بعده. لأنها مع سعتها، وإمكان التفسح فيها، لا ينبغي بأرض لا يتيسر بها للمرء ما يريده. كما قيل: لمن لم تمكنه عبادته تعالى وحده في أرضه، لإيذائه في الله واضطهاده في جانبه، أن يهاجر عنها
وكل مكان ينبت العز طيب
وقال آخر:
إذا كان أصلي من تراب فكلها بلادي، وكل العالمين أقاربي
[ ص: 4760 ] وقد روى عن الإمام أحمد : قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الزبير . ولهذا لما ضاق على المستضعفين « البلاد بلاد الله والعباد عباد الله. فحيثما أصبت خيرا فأقم » بمكة مقامهم، خرجوا مهاجرين إلى أرض الحبشة ليأمنوا على دينهم هناك فوجدوا خير نزل بها، عند ملكها رحمه الله. ثم بعد ذلك هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الباقون إلى النجاشي المدينة المنورة، عملا بالآية الكريمة. وقوله تعالى: