القول في تأويل قوله تعالى:
[9 - 12] أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون [ ص: 4769 ] ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون
أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض أي قلبوها للزراعة، واستخراج المعادن، وغيرهما، مما كانوا أرقى فيه من أهل مكة: وعمروها أكثر مما عمروها أي: بالأبنية المشيدة، والصناعات الفريدة، ووفرة العدد والعدد، وتنظيم الجيوش، والتزين بزخارف أعجبوا بها، واستطالوا بأبهتها، ففسدت ملكاتهم، وطغت شهواتهم، حتى اقتضت حكمته تعالى إنذارهم بأنبيائهم، كما قال: وجاءتهم رسلهم بالبينات أي: الآيات الواضحات على حقيقة ما يدعونهم إليه: فما كان الله ليظلمهم أي: فكذبوهم فأهلكهم، فما كان الله ليهلكهم من غير جرم منهم: ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ثم كان عاقبة الذين أساءوا أي: عملوا السيئات: السوأى أي: العقوبة التي هي أسوأ العقوبات في الآخرة، وهي جهنم، و: "السوأى" تأنيث الأسوأ، وهو الأقبح، كما أن الحسنى تأنيث الأحسن ثم علل سوء عاقبتهم بقوله تعالى: أن أي: لأن: كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون الله يبدأ الخلق أي: ينشئهم: ثم يعيده أي: بعد الموت بالبعث: ثم إليه ترجعون أي: إلى موقف الحساب والجزاء: ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون أي: يسكتون متحيرين يائسين. يقال أبلس، إذا سكت وانقطعت حجته.