القول في تأويل قوله تعالى:
[41 - 42] يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا .
يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله أي: بما هو أهله من صنوف التحميد والتمجيد: ذكرا كثيرا أي: يعم الأوقات والأحوال. قال رضي الله عنهما: إن الله تعالى لم يفرض على عباده فريضة، إلا جعل لها حدا معلوما، ثم عذر أهلها في حال العذر، غير الذكر، فإن الله تعالى لم يجعل له حدا ينتهي إليه، ولم يعذر أحدا في تركه إلا مغلوبا على عقله، وأمرهم به في الأحوال كلها. فقال تعالى: "فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم"، وقال: "اذكروا الله ذكرا كثيرا"، أي: بالليل والنهار، في البر والبحر، وفي السفر والحضر، والغنى والفقر، والسقم والصحة، والسر والعلانية، وعلى كل حال: "وسبحوه بكرة وأصيلا" أي: في أول النهار وآخره، ليسري أثر التسبيح فيهما بقية النهار والليل; لأن ذكره وتسبيحه، يفيدان تنوير القلوب وقت خلوها عن الأشغال. ابن عباس
قال : والتسبيح من جملة الذكر، وإنما اختصه من بين أنواعه اختصاص الزمخشري جبريل وميكائيل من بين الملائكة، ليبين فضله على سائر الأذكار، لأن معناه تنزيه ذاته، عما لا يجوز من الصفات والأفعال، ومثال فضله على غيره من الأذكار، فضل وصف العبد بالنزاهة من أدناس المعاصي، والطهر من أرجاس المآثم، على سائر أوصافه، من كثرة الصلاة والصيام، والتوفر على الطاعات كلها. ويجوز أن يريد بالذكر وإكثاره، تكثير الطاعات [ ص: 4879 ] والإقبال على العبادات; فإن كل طاعة وكل خير، من جملة الذكر. ثم خص من ذلك بكرة وأصيلا; وهي الصلاة في جميع أوقاتها; لفضل الصلاة على غيرها، أو صلاة الفجر والعشاءين; لأن أداءها أشق ومراعاتها أشد. وقوله تعالى: التسبيح