القول في تأويل قوله تعالى:
[51] ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حليما .
ترجي بهمز وغير همز; أي: تترك وتؤخر: من تشاء منهن أي: من هؤلاء النساء اللاتي أحللناهن لك، فلا تتزوج بهن: وتؤوي إليك من تشاء أي: تضم من تشاء منهن بالتزويج: ومن ابتغيت ممن عزلت أي: اخترت تزوجها بعد إرجائها: فلا جناح عليك أي: في أن تضمها إليك. ومن رأي بعضهم أن الضمير في: "منهن" يعود إلى الواهبات. قال : كن نساء وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم: فدخل ببعض وأرجأ بعضهن، لم ينكحن بعده، منهن الشعبي ، واستؤنس بحديث أم شريك عند عائشة أحمد ترجي من تشاء منهن الآية قالت: إني أرى ربك يسارع لك في هواك. ورواه أنها كانت تعير النساء اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: ألا تستحي المرأة أن تعرض نفسها بغير صداق؟ فلما أنزل الله: أيضا كما تقدم. وذهب آخرون إلى أن معنى الآية: تطلق وتخلي سبيل من شئت من نسائك، وتمسك من شئت منهن فلا تطلق. وعن البخاري : أنها في القسم، وأن له أن يقسم لمن شاء، ويدعه لمن شاء، مع هذا فلم يكن صلى الله عليه وسلم يدع القسم. وقد احتج بالآية من ذهب إلى [ ص: 4888 ] أن القسم لم يكن واجبا عليه صلى الله عليه وسلم. والتحقيق أن الآية عامة في ذلك كله، وأن ما روي مما ذكر، فمن باب الاكتفاء من العام على بعض أفراده، أو من رأي ذهب إليه قائله. وقوله تعالى: قتادة ذلك أي: ما ذكر من تفويض الأمر إلى مشيئتك، ورفع الحرج عنك فيه: أدنى أن تقر أعينهن أي: تطيب أنفسهن، إن علمن أن ذلك من الله تعالى: ولا يحزن لمخالفة الإرجاء: ويرضين بما آتيتهن كلهن أي: لأنه حكم، كلهن فيه سواء، فإن سويت بينهن وجدن ذلك تفضيلا، وإلا علمن أنه بحكم الله تعالى، فتطمئن به نفوسهن: والله يعلم ما في قلوبكم أي: من الميل إلى البعض منهن دون البعض بالمحبة: وكان الله عليما أي: بذات الصدور: حليما أي: ذا حلم عن عباده فيعفو ويغفر. وروى وأهل السنن عن الإمام أحمد عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه فيعدل. ثم يقول: « اللهم! هذا فعلي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك» . يعني القلب.