[34_35] ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون .
ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا أي: على الإحياء إحياء: بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون فاصبر أي: على تبليغ الرسالة وتكذيبهم وإيذائهم: كما صبر أولو العزم من الرسل أي: أولو الثبات والجد منهم، فإنك منهم. والعزم -في اللغة- كالعزيمة، ما عقدت قلبك عليه من أمر. والعزم أيضا القوة على الشيء والصبر عليه. فالمراد به هنا المجتهدون، المجدون، أو الصابرون على أمر الله فيما عهده إليهم، وقدره وقضاه عليهم. ومطلق الجد، والجهد، والصبر موجود في جميع الرسل، بل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكثير من الأولياء. فلذا ذهب جمهور المفسرين في هذه الآية إلى أنهم جميع الرسل، وأن (من) بيانية لا تبعيضية، فكل رسول من أولي العزم، فإن أريد به معنى مخصوص ببعضهم، فلا بد من بيانه ليظهر وجه التخصيص. ومنشأ إلى أقوال: الاختلاف في عددهم
أحدها - أنهم جميع الرسل. والثاني - أنهم أربعة: نوح وإبراهيم وموسى ومحمد . والثالث - أنهم خمسة بزيادة عيسى ، كما قيل:
أولي العزم نوح والخليل الممجد وموسى وعيسى والنبي محمد
والرابع -أنهم ستة، بزيادة هارون أو داود . والخامس -أنهم سبعة بزيادة آدم . والسادس -أنهم تسعة، بزيادة إسحاق ، ويعقوب ، ويوسف . وقد يزاد وينقص.
[ ص: 5370 ] وتوجيه التخصيص أن المراد بهم من له جد وجهد تام في دعوته إلى الحق، وذبه عن حريم التوحيد، وحمى الشريعة، بحيث يصبر على ما لا يطيقه سواه من عوارضه النفسية والبدنية، وأموره الخارجية، كمبارزة كل أهل عصره، كما كان لنوح ، أو لملك جبار في عصره، وانتصاره عليه من غير عدة دنيوية، كنمروذ إبراهيم ، وجالوت داود ، وفرعون موسى ، ولكل موسى فرعون ، ولكل محمد أبو جهل . وكالابتلاء بأمور لا يصبر عليها البشر بدون قوة قدسية، ونفس ربانية، كما وقع لأيوب عليه الصلاة والسلام. ومن هنا كشف برقع الخفاء عن وجه التخصيص، وهذا مما كشف بركاتهم سره -أفاده الشهاب -.
ولا تستعجل لهم أي: ولا تستعجل بمساءلتك ربك العذاب لهم، فإن ذلك نازل بهم لا محالة، وإن اشتد عليك الأمر من جهتهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون أي: من عذاب الله، ونكاله، وخزيه الذي ينزل بهم في الدنيا، أو في الآخرة: لم يلبثوا إلا ساعة من نهار أي: لأنه ينسيهم شدة ما ينزل بهم من عذابه، قدر ما كانوا في الدنيا لبثوا، ومبلغ ما فيها مكثوا.
وقوله تعالى: بلاغ قال : فيه وجهان: ابن جرير
أحدهما -أن يكون معناه: لم يلبثوا إلا ساعة من نهار (ذلك لبث بلاغ)، بمعنى: ذلك بلاغ لهم في الدنيا إلى أجلهم، ثم حذف: ذلك لبث، وهي مرادة في الكلام اكتفاء بدلالة ما ذكر من الكلام عليها.
والآخر -أن يكون معناه: هذا القرآن والتذكير بلاغ لهم وكفاية، إن فكروا واعتبروا، فتذكروا. انتهى.
وأشار المهايمي إلى معنى آخر فقال: ليس من حق الرسل الاستعجال، بل حقهم بلاغ.
فهل يهلك أي: بعذاب الله إذا أنزله بمقتضى العدل، والحكمة: إلا القوم الفاسقون أي: الذين خالفوا أمره، وخرجوا من طاعته، نعوذ بالله من غضبه، وأليم عقابه.