[ ص: 5393 ] القول في تأويل قوله تعالى:
[38] ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم .
ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله أي: في جهاد أعدائه، ونصرة دينه: فمنكم من يبخل أي: بالنفقة فيه ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه أي: يمسكه عنها، لأنه يحرمها الأجر، ويكسبها الوزر: والله الغني أي: عن كل ما سواه، وكل شيء فقير إليه. ولهذا قال سبحانه: وأنتم الفقراء أي: بالذات إليه. فوصفه بالغنى وصف لازم له، ووصف الخلق بالفقر وصف لازم لهم، لا ينفكون عنه، أي: وإذا كان كذلك، فإنما حضكم في النفقة في سبيله ليكسبكم بذلك، الجزيل من ثوابه. وليعلم أن سبيل الله يشمل كل ما فيه نفع وخير، وفائدة، وقربة، ومثوبة. وإنما اقتصر المفسرون على الجهاد لأنه فرده الأشهر، وجزئيه الأهم، وقت نزول الآيات، وإلا فلا ينحصر فيه.
وإن تتولوا أي: عما جاءكم به محمد صلى الله عليه وسلم: يستبدل قوما غيركم أي: يهلككم ثم يأتي بقوم آخرين غيركم، بدلا منكم، يؤمنون به، ويعملون بشرائعه.
ثم لا يكونوا أمثالكم أي: لا يبخلوا بما أمروا به من النفقة في سبيل الله، ولا يضيعون شيئا من حدود دينهم، ولكنهم يقومون بذلك كله، على ما يؤمرون به.