القول في تأويل قوله تعالى:
[2] ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما .
ليغفر لك الله قال أبو السعود : غاية للفتح، من حيث إنه مترتب على سعيه عليه الصلاة والسلام في إعلاء كلمة الله تعالى، بمكابدة مشاق الحروف، واقتحام موارد الخطوب [ ص: 5398 ] ما تقدم من ذنبك وما تأخر أي: جميع ما فرط منك، من ترك الأولى. وتسميته ذنبا، بالنظر إلى منصبه الجليل.
قال : هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم التي لا يشاركه فيها غيره، وليس في حديث صحيح في ثواب الأعمال كغيره، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. وهذا فيه تشريف عظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع أموره على الطاعة والبر والاستقامة التي لم ينلها بشر سواه، لا من الأولين، ولا من الآخرين. وهو صلى الله عليه وسلم أكمل البشر على الإطلاق، وسيدهم في الدنيا والآخرة. ولما كان أطوع خلق الله تعالى لله، وأشدهم تعظيما لأوامره ونواهيه، قال حين بركت به الناقة: ابن كثير . ثم قال صلى الله عليه وسلم: حبسها حابس الفيل فلما أطاع الله في ذلك، وأجاب إلى الصلح، قال الله تعالى: « والذي نفسي بيده ! لا يسألوني اليوم شيئا يعظمون به حرمات الله إلا أجبتهم إليها، إنا فتحنا لك فتحا مبينا الآيات» .
وقوله تعالى: ويتم نعمته عليك أي: بإظهاره إياك على عدوك، ورفعه ذكرك ويهديك صراطا مستقيما أي: ويرشدك طريقا من الدين لا عوج فيه. قال أبو السعود : أصل الاستقامة، وإن كانت حاصلة قبل الفتح، لكن حصل بعد ذلك من اتضاح سبيل الحق، واستقامة مناهجه، ما لم يكن حاصلا قبل.