القول في تأويل قوله تعالى:
[5] وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين
وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم أي: لم توصلون إلي الأذى بالمخالفة والعصيان لما آمركم به، وأنتم تعلمون علم اليقين صدقي فيما جئتكم به من الرسالة، لما شاهدتم من الآيات البينات؟ ومقتضى علمكم ذلك تعظيمي وإطاعتي؛ لأن من عرف الله وعظمته، عظم رسوله؛ لأن تعظيمه في تعظيم رسوله.
قال : وفي هذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أصابه من الكفار من قومه وغيرهم، وأمر له بالصبر. ولهذا قال صلوات الله عليه: ابن كثير موسى! لقد أوذي بأكثر [ ص: 5787 ] من هذا فصبر» . وفيه نهي للمؤمنين أن يوصلوا له، صلوات الله عليه أذى، كما قال تعالى: «رحمة الله على
يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها انتهى.
وقال أبو السعود: هذا كلام مستأنف، مقرر لما قبله من شناعة ترك القتال. و "إذ" منصوب على المفعولية بمضمر. خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم بطريق التلوين. أي: واذكر لهؤلاء المعرضين عن القتال، وقت قول موسى لبني إسرائيل حين ندبهم إلى قتال الجبابرة بقوله: يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين فلم يمتثلوا أمره، وعصوه أشد عصيان، حيث قالوا: يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون إلى قوله: فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون وأصروا على ذلك، وآذوه عليه الصلاة والسلام، كل الأذية. هذا هو الذي تقتضيه جزالة النظم الكريم، ويرتضيه الذوق السليم. وأما ما قيل بصدد بيان أسباب الأذية، من أنهم كانوا يؤذونه بأنواع الأذى، من انتقاصه وعيبه في نفسه وعصيانه فيما تعود إليهم منافعه، وعبادتهم البقر، وطلبهم رؤية الله جهرة، فمما لا تعلق له بالمقام. انتهى ملخصا. وملخصه: أن المقام يعين نوع الأذية ويخصصها، والقرينة إحدى مخصصات العام، إلا أن أخذها عامة أعظم في التسلية وأولى، وقوفا مع عموم اللفظ الكريم.
فلما زاغوا أي: عن مقتضى علمهم لفرط الهوى، وحب الدنيا أزاغ الله قلوبهم أي: عن طريق الهدى، وحجبهم عن نور الكمال، لصرف اختيارهم نحو الغي والضلال والله لا يهدي القوم الفاسقين أي: الخارجين عن الطاعة ومنهاج الحق، المصرين على الغواية.
[ ص: 5788 ]