[ ص: 6236 ] بسم الله الرحمن الرحيم
100- سورة العاديات
مكية أو مدنية. وآيها إحدى عشرة.
[ ص: 6237 ] بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى:
[ 1 - 5] والعاديات ضبحا فالموريات قدحا فالمغيرات صبحا فأثرن به نقعا فوسطن به جمعا
والعاديات ضبحا إقسام بخيل الغزاة التي تعدو نحو العدو، فتضبح، و (الضبح): صوت أنفاسها إذا عدت. وليس المراد بالصوت الصهيل. بل قولها: (اح اح)، كما قاله . ونصب "ضبحا" إما بفعله المحذوف، أو بالعاديات لإفادته معناه، أو بالحالية. ابن عباس
فالموريات قدحا أي: توري النار بحوافرها. والقدح هو الضرب لإخراج النار، والإيراء يترتب عليه، لأنه إخراج النار وإيقادها; فإيراؤها ما يرى من صدم حوافرها للحجارة، وتسمى نار الحباحب. ولما كان مرتبا على عدوها عطفه بالفاء، وكون المراد به الحرب بعيد. وفي إعرابه الوجوه السابقة.
فالمغيرات صبحا أي: تغير على العدو في وقته. يقال: (أغار على العدو)، إذا هجم عليه ليقتله أو يأسره أو يستلب ماله.
قال الإمام: وهو وصف عرض للخيل من الغاية التي أجريت لها، أي: أنها تعدو ويشتد عدوها حتى يخرج الشرر من حوافرها، لتهجم على عدو وقت الصباح، وهو وقت المفاجأة لأخذ العدو على غير أهبة.
فأثرن به نقعا أي: فأهجن بذلك الوقت غبارا من الإثارة، وهي [ ص: 6238 ] التهييج وتحريك الغبار ونحوه ليرتفع. والنقع: الغبار كما ذكرنا، وورد بمعنى الصياح، فجوز إرادته هنا بمعنى صياح من هجم عليه، وأوقع به. لا صياح المغير على المحارب، وإن جاز على بعد فيه، أي: هيجن الصياح بالإغارة على العدو، وضمير "به" للوقت والباء ظرفية. وفيه احتمالات أخر ككونه للعدو أو للإغارة، لتأويلها بالجري. فالباء سببية أو للملابسة. ويجوز كونها ظرفية أيضا. والضمير للمكان الدال عليه السياق، للعلم بأن الغبار لا يثار إلا من موضع. وهو الذي اختاره . ابن جرير
قال الشهاب: وذكر إثارة الغبار، للإشارة إلى شدة العدو وكثرة الكر والفر. وتخصيص الصبح لأن الغارة كانت معتادة فيه، أي: لمباغتة العدو. والغبار إنما يظهر نهارا. و (أثرن) معطوف على ما قبله.
قال الناصر: وحكمة الإتيان بالفعل معطوفا على الاسم الذي هو العاديات أو ما بعده، لأنها أسماء فاعلين تعطي معنى الفعل. وحكمة مجيء هذا المعطوف فعلا عن اسم فاعل، تصوير هذه الأفعال في النفس. فإن التصوير يحصل بإيراد الفعل بعد الاسم لما بينهما من التخالف. وهو أبلغ من التصوير بالأسماء المتناسقة. وكذلك التصوير بالمضارع بعد الماضي.
وقوله تعالى: فوسطن به جمعا أي: فتوسطن ودخلن في وسط جمع من الأعداء، ففرقته وشتته. يقال: (وسطت القوم) بالتخفيف، و (وسطته) بالتشديد، و (توسطته) بمعنى واحد. وفي الضمير الوجوه المتقدمة.
قال الإمام رحمه الله: أقسم تعالى بالخيل متصفة بصفاتها التي ذكرها آتية بالأعمال التي سردها; لينوه بشأنها ويعلي من قدرها في نفوس المؤمنين أهل العمل والجد; ليعنوا بقنيتها وتدريبها على الكر والفر، وليحملهم أنفسهم على والإغارة بها; ليكون كل واحد منهم مستعدا في أي وقت كان، لأن يكون جزءا من قوة الأمة إذا اضطرت إلى صد عدو، أو بعثها باعث على كسر شوكته. وكان في هذه [ ص: 6239 ] الآيات القارعات، وفي تخصيص الخيل بالذكر في قوله: العناية بالفروسية والتدرب على ركوب الخيل، وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وفيما ورد من الأحاديث التي لا تكاد تحصر ما يحمل كل فرد من رجال المسلمين على أن يكون في مقدمة فرسان الأرض مهارة في ويبعث القادرين منهم على قنية الخيل على التنافس في عقائلها، وأن يكون فن السباق عندهم يسبق بقية الفنون إتقانا. أفليس أعجب العجب أن ترى أمما، هذا كتابها، قد أهملت شأن ركوب الخيل، إلى أن صار يشار إلى راكبها بينهم بالهزؤ والسخرية؟ وأخذت كرام الخيل تهجر بلادهم إلى بلاد أخرى. الخيل والفروسية،
ثم قال: يقسم الله بالخيل صاحبة تلك الصفات التي رفع ذكرها، ليؤكد الخبر الذي جاء في قوله: