تنبيه:
ظاهر النظم القرآني أن حيث لا ذكر معهن، ولم يسم للبنتين فريضة. الثلثين فريضة الثلاث من البنات فصاعدا
وقد اختلف أهل العلم في فريضتهما، فذهب الجمهور إلى أن لهما - إذا انفردتا عن البنين – الثلثين.
وذهب إلى أن فريضتهما النصف، احتج الجمهور بالقياس على الأختين، فإن الله سبحانه قال في شأنهما: ابن عباس فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان فألحقوا البنتين بالأختين في استحقاقهما الثلثين، كما ألحقوا الأخوات - إذا زدن على اثنتين - بالبنات، في الاشتراك في الثلثين.
وقيل: في الآية ما يدل على أن للبنتين الثلثين، وذلك أنه لما كان للواحدة مع أخيها الثلث، كان للابنتين - إذا انفردتا - الثلثان، هكذا احتج بهذه الحجة إسماعيل بن عياش والمبرد.
قال النحاس: وهذا الاحتجاج عند أهل النظر غلط؛ لأن الاختلاف في البنتين إذا انفردتا عن البنين، وأيضا للمخالف أن يقول: إذا ترك بنتين وابنا فللبنتين النصف، فهذا دليل على أن هذا فرضهما.
ويمكن تأييد ما احتج به الجمهور بأن الله سبحانه لما فرض للبنت الواحدة النصف إذا انفردت بقوله: وإن كانت واحدة فلها النصف كان فرض البنتين - إذا انفردتا - فوق فرض الواحدة، وأوجب القياس على الأختين [ ص: 1141 ] الاقتصار للبنتين على الثلثين.
وقيل إن (فوق) زائدة، والمعنى: إن كن نساء اثنتين كقوله تعالى: فاضربوا فوق الأعناق [الأنفال: من الآية 12] أي: الأعناق.
ورد هذا النحاس وابن عطية فقالا: هو خطأ؛ لأن الظروف وجميع الأسماء لا يجوز في كلام العرب أن تزاد لغير معنى.
قال ابن عطية: ولأن قوله (فوق الأعناق) هو الفصيح وليست (فوق) زائدة بل هي محكمة المعنى؛ لأن ضربة العنق إنما يجب أن تكون فوق العظام في المفصل دون الدماغ، كما قال دريد بن الصمة : اخفض عن الدماغ وارفع عن العظم، فهكذا كنت أضرب أعناق الأبطال، انتهى.
وأيضا لو كان لفظ (فوق) زائدا كما قالوا، لقال: فلهما ثلثا ما ترك، ولم يقل: فلهن ثلثا ما ترك.
وأوضح ما يحتج به للجمهور ما أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وأبو يعلى وابن ماجه وابن أبي حاتم [ ص: 1142 ] وابن حبان والحاكم في: "سننه" عن والبيهقي قال: جابر بابنتيها من سعد بن الربيع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد ، قتل أبوهما معك يوم أحد شهيدا، وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا، ولا تنكحان إلا ولهما مال، فقال: يقضي الله في ذلك فنزلت آية الميراث، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عمهما فقال: أعط ابنتي سعد بن الربيع الثلثين، وأمهما الثمن، وما بقي فهو لك سعد أخرجوه من طرق، عن جاءت امرأة ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل . جابر
قال : هذا حديث صحيح لا نعرفه إلا من حديث الترمذي ، وقد رواه عبد الله بن محمد بن عقيل شريك أيضا عن من حديثه، كذا في: "فتح البيان". عبد الله بن محمد بن عقيل
وإن كانت أي: المولودة واحدة أي: امرأة واحدة ليس معها أخ ولا أخت فلها النصف أي: نصف ما ترك، ولم يكمل لها لأنها ناقصة، ولذلك لم يجعل لها الثلثان اللذان هما نصيب الابن معها. ثم ذكر بعد ميراث الأولاد ميراث الوالدين فقال: ولأبويه أي: الميت، وهو كناية عن غير مذكور، وجاز ذلك لدلالة الكلام عليه، والمراد بالأبوين الأب والأم، والتثنية على لفظ الأب للتغليب لكل واحد منهما السدس مما ترك من المال إن كان له ولد ذكر أو أنثى فإن لم يكن له للميت ولد ذكر أو أنثى: وورثه أبواه فلأمه الثلث أي ثلث المال مما ترك، والباقي للأب للذكر مثل حظ الأنثيين، لكن قرر لها الثلث تنزيلا لها منزلة البنت مع الابن لا منفردة؛ حطا لها عن درجتها؛ لقيام البنت مقام الميت في الجملة، قاله المهايمي .
فإن كان له أي: للميت إخوة من الأب والأم، أو من الأب أو من الأم، ذكورا أو إناثا فلأمه السدس يعني لأم الميت سدس التركة من بعد وصية يوصي بها أو دين خبر مبتدأ محذوف، أي: هذه الفروض المذكورة إنما تقسم للورثة من بعد إنفاذ وصية يوصي بها الميت إلى الثلث، ومن بعد قضاء دين على الميت.
وقرئ في (السبع): يوصي مبنيا للمفعول وللفاعل.
[ ص: 1143 ] قال الحافظ : أجمع العلماء من السلف والخلف على أن ابن كثير الدين مقدم على الوصية.
وروى أحمد والترمذي وأصحاب التفاسير من حديث وابن ماجه ، عن ابن إسحاق الحارث بن عبد الله الأعور ، عن - رضي الله عنه - قال: علي بن أبي طالب من بعد وصية يوصي بها أو دين وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بالدين قبل الوصية، وإن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات، الرجل يرث أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه . إنكم تقرءون هذه الآية:
ثم قال : لا نعرفه إلا من حديث الترمذي ، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم، لكن كان حافظا للفرائض، معتنيا بها وبالحساب، فالله أعلم. الحارث
قال السيوطي في: "الإكليل": في الآية أن الميراث إنما يقسم بعد قضاء الدين وتنفيذ الوصايا، وفيها واستدل بتقديمها في الذكر من قال بتقديمها على الدين في التركة، وأجاب من أخرها بأنها قدمت؛ لئلا يتهاون بها، واستدل بعمومها من أجاز مشروعية الوصية، ، ومن أجازها للوارث والكافر، حربيا أو ذميا، واستدل بها من قال: إن الوصية بما قل أو كثر، ولو استغرق المال ، ومن قال: إن الدين يمنع انتقال التركة إلى ملك الوارث ، لعموم قوله: دين الحج والزكاة مقدم على الميراث أو دين انتهى.
وقد روى الإمام أحمد بسند صحيح عن وابن ماجه سعد بن الأطول . أن أخاه مات وترك ثلاث مائة درهم، وترك عيالا فأردت أن أنفقها على عياله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن أخاك محتبس بدينه فاقض عنه فقال: يا رسول الله! قد أديت عنه، إلا دينارين ادعتهما امرأة وليس لها بينة، قال: فأعطها فإنها محقة
[ ص: 1144 ] لطيفة:
(فائدة) وصف الوصية بقوله: يوصي بها هو الترغيب في الوصية والندب إليها.
وإيثار (أو) المفيدة للإباحة في قوله: (أو دين) على (الواو) للدلالة على تساويهما في الوجوب، وتقدمهما على القسمة مجموعين أو منفردين، وتقديم الوصية على الدين - ذكرا مع تأخرها عنه حكما - ما قدمنا من إظهار كمال العناية بتنفيذها؛ لكونها مظنة التفريط في أدائها ولاطرادها، بخلاف الدين، أفاده أبو السعود .
آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا أي: لا تعلمون من أنفع لكم ممن يرثكم من أصولكم وفروعكم في عاجلكم وآجلكم، والمعنى: فرض الله الفرائض - على ما هو - على حكمة، ولو وكل ذلك إليكم لم تعلموا أيهم أنفع لكم، فوضعتم أنتم الأموال على غير حكمة، والتفاوت في السهام بتفاوت المنافع، وأنتم لا تدرون تفاوتها، فتولى الله ذلك فضلا منه، ولم يكلها إلى اجتهادكم لعجزكم عن معرفة المقادير، وهذه الجملة اعتراضية مؤكدة لأمر القسمة، ورد لما كان في الجاهلية.
قال : ويقال: معنى الآية أن الله تعالى علمكم قسمة المواريث، وأنكم لا تدرون أيهم أقرب موتا فيرث منه الآخر، انتهى. السمرقندي
فريضة من الله نصبت نصب مصدر مؤكد لفعل محذوف، أي: فرض الله ذلك فرضا، أو لقوله تعالى: يوصيكم الله فإنه في معنى: يأمركم ويفرض عليكم.
إن الله كان عليما أي: بالمصالح والرتب حكيما أي: في كل ما قضى وقدر، فيدخل فيه بيان أنصباء الذكر والأنثى دخولا أوليا.