تنبيه:
يشتمل قوله تعالى: فدية مسلمة تسليمها حالة ومؤجلة، إلا أن الإجماع قد وقع على أن ، ولكن اختلفوا في مقدار الأجل، فذهب الأكثر إلى أن الأجل ثلاث سنين، وقال ربيعة: إلى خمس. دية الخطأ مؤجلة على العاقلة
وحكى في "البحر" عن بعض الناس بعد حكايته للإجماع السابق أنها تكون حالة؛ إذ لم يرو عنه - صلى الله عليه وسلم - تأجيلها، قال في "البحر" قلنا: روي عن - رضي الله عنه - أنه قضى بالدية على العاقلة في ثلاث سنين ، وقاله علي عمر ، ولم ينكر. انتهى. وابن عباس
قال في "المختصر": لا أعلم مخالفا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بالدية على العاقلة في ثلاث سنين. الشافعي
قال : تكلم أصحابنا في ورود الخبر بذلك، فمنهم من قال: ورد، ونسبه إلى رواية علي - عليه السلام - ومنهم من قال: ورد الرافعي ، وأما التأجيل فلم يرد به الخبر، وأخذ ذلك من إجماع الصحابة. أنه - صلى الله عليه وسلم - قضى بالدية على العاقلة
وقال : ما ذكره ابن المنذر لا نعرفه أصلا من كتاب ولا سنة، وقد سئل عن ذلك الشافعي فقال: لا نعرف فيه شيئا، فقيل: إن أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: لعله سمعه من ذلك المدني، فإنه كان حسن الظن به [ ص: 1448 ] يعني الشافعي وتعقبه إبراهيم بن أبي يحيى، ابن الرفعة: بأن من عرف حجة على من لم يعرف.
وروى من طريق البيهقي ، عن ابن لهيعة ، عن يحيى بن سعيد قال: من السنة أن تنجم الدية في ثلاث سنين، وقد وافق سعيد بن المسيب، على نقل الإجماع الشافعي في "جامعه" الترمذي ، فحكى كل واحد منهما الإجماع. كذا في "نيل الأوطار". وابن المنذر
وقوله تعالى: إلا أن يصدقوا أي: إلا أن يتصدق أولياء المقتول بالدية على القاتل فلا تجب عليه، وسمي العفو عنها صدقة؛ حثا عليه وتنبيها على فضله.
قال السيوطي في "الإكليل": فيها (أي: هذه الآية) والإثم فيه، ونفيه عن الخطأ، وأن تعظيم قتل المؤمن لا قصاص، وأن الدية مسلمة إلى أهل المقتول، إلا أن يصدقوا بها، أي: يبرؤوا منها، ففيه جواز الإبراء من أهل الدية، مع أنها مجهولة. في قتل الخطأ كفارة ودية
وفي قوله (مسلمة) دون (يسلمها) إشارة إلى أنها على عاقلة القاتل، ذكره ، أخرجه سعيد بن جبير ، واستدل بقوله: ابن أبي حاتم إلى أهله على أن الزوجة ترث منها؛ لأنها من جملة الأهل خلافا للظاهرية، واحتج بها من أجاز إرث القاتل منها؛ لأنه من أهله، واحتج الظاهرية بقوله: إلا أن يصدقوا على أن المقتول ليس له العفو عن الدية؛ لأن الله جعل ذلك لأهله خاصة، وعموم الآية شامل للإمام إذا قتل خطأ، خلافا لمن قال: لا شيء عليه ولا على عاقلته، واستدل بعمومها أيضا من قال: إن وإن على في قتل العبد الدية والكفارة، الكفارة، وإن الصبي والمجنون إذا قتلا انتهى. المشارك في القتل عليه كفارة كاملة.
فإن كان أي: المقتول خطأ من قوم عدو لكم أي: محاربين وهو مؤمن فلم يعلم به القاتل لكونه بين أظهر قومه بأن أسلم فيما بينهم ولم يفارقهم، أو بأن أتاهم بعدما فارقهم لمهم من المهمات.
فتحرير رقبة مؤمنة أي: فعلى قاتله الكفارة، لحق الله دون الدية، فإنها ساقطة، إذ لا إرث بينه وبين أهله؛ لأنهم محاربون.
وقال الإمام زيد بن علي بن الحسين - عليهم السلام -: لا تؤدى الدية إليهم؛ لأنهم يتقوون بها، ومعلوم أن سقوط الدية لمن هذه حاله أخذا من إيجاب الله تعالى على قاتله الكفارة، ولم يذكر الدية كما ذكرها في أول الآية [ ص: 1449 ] وآخرها.
وقد روى وغيره، عن الحاكم في هذه الآية قال: ابن عباس كان الرجل يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يرجع إلى قومه وهم مشركون: فيصيبه المسلمون في سرية أو غزاة، فيعتق الذي يصيبه رقبة.
وإن كان أي: المقتول خطأ من قوم أي: كفرة بينكم وبينهم ميثاق أي: عهد من هدنة أو أمان، أي: كان على دينهم ومذهبهم فدية أي: فعلى قاتله دية مسلمة إلى أهله إذ هم كالمسلمين في الحقوق.
وتحرير رقبة مؤمنة لحق الله تعالى، وتقديم الدية ههنا مع تأخيرها فيما سلف؛ للإشعار بالمسارعة إلى تسليم الدية؛ تحاشيا عن توهم نقض الميثاق.
قال السيوطي : روى وغيره، عن الحاكم في قوله تعالى: ابن عباس وإن كان من قوم بينكم إلخ: هو الرجل يكون معاهدا ويكون قومه أهل عهد، فتسلم إليهم الدية، ويعتق الذي أصابه رقبة.
قال السيوطي : ففيه أن المقتول إذا كان من أهل الذمة والعهد ففيه دية مسلمة إلى أهله مع الكفارة، وفيه رد على من قال: ، والذين قالوا ذلك قالوا: إن الآية في المؤمن الذي أهله أهل عهد، وقالوا: إنهم أحق بديته لأجل عهدهم، ويرده تفسير لا كفارة في قتل الذمي المذكور، وأنه تعالى لم يقل فيه: وهو مؤمن، كما قال في الذي قبله. انتهى. ابن عباس