تنبيه:
قال الرازي : اعلم أن المقصود من هذه الآية ، وأمر المجاهدين بالتثبت فيه؛ لئلا يسفكوا دما حراما بتأويل ضعيف. المبالغة في تحريم قتل المؤمنين
وفي "الإكليل": استدل بظاهرها [ ص: 1479 ] على قبول إذا أظهر الاستسلام، وعلى أن الكافر يحكم له بالإسلام إذا أظهر ما ينافي اعتقاده، على قراءة (السلام) وفي الآية وجوب التثبت في الأمور، خصوصا القتل، ووجوب الدعوة قبل القتال. انتهى. توبة الزنديق
وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح": في الآية دليل على أن لأن السلام تحية المسلمين، وكان تحيتهم في الجاهلية بخلاف ذلك، فكانت هذه علامة. من أظهر شيئا من علامات الإسلام لم يحل دمه حتى يختبر أمره؛
وأما على قراءة (السلم) بفتحتين، أو بكسر فسكون، فالمراد به الانقياد، وهو علامة الإسلام. انتهى.
وقال بعض مفسري الزيدية: ثمرة الآية الكريمة وجوب التثبت والتأني فيما يحتمل الحظر والإباحة، لقوله: فتبينوا (بالنون) وهذه قراءة الأكثر، وحمزة قراءتهما: (فتثبتوا) من (الثبات). والكسائي
ويدخل في هذا أحكام كثيرة من الاعتقادات والأخبار والأفعال من الأحكام وسائر الأعمال، فهذا حكم، والحكم الثاني أنه يجب الأخذ بالظاهر، فمن أظهر الإسلام أو شيئا من شعائر الإسلام لا يكذب بل يقبل منه، ويدخل في هذا الملحد والمنافق، وهذا هو مذهبنا والأكثر، ويدخل في هذا قبول توبة المرتد، خلافا لأحمد، وقبول توبة الزنديق، وهذا قول عامة الأئمة.
وقال مالك: لا تقبل؛ لأن هذا عين مذهبهم أنهم يظهرون خلاف ما يبطنون.
قال الراضي بالله والإمام يحيى: إن أظهروا ما يعتادون إخفاءه قبلت توبتهم، وإلا فلا.
قال علي خليل: تقبل توبتهم، ولو عرفنا من باطنهم خلاف ما أظهروا، كما قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - من المنافقين، وقد أخبر الله تعالى بكفرهم.
وقال أبو مضر : تقبل ما لم يعرف كذبهم، وهذا الخلاف في الظاهر، وأما عند الله إذا صدق فهي مقبولة وفاقا.
قال : وتدل على أن التوصل بالسبب المحرم إلى المال لا يجوز، وقد ذكر العلماء صورا في التوصل إلى المباح بالمحظور مختلفة، ذكرت في غير هذا [ ص: 1480 ] الموضع، والحجة هنا من قوله تعالى: الحاكم تبتغون عرض الحياة الدنيا لأن الذي قصد هنا أخذه محظور؛ لأن إظهار الإسلام يحقن النفس والمال، فذلك توصل بمحظور إلى محظور.
وقوله تعالى: لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا قرئ (السلم) وهذه قراءة نافع وحمزة بغير ألف وهو الاستسلام، وقيل: إظهار الإسلام، وقرأ الباقون: (السلام) بألف وهو التحية. انتهى. وابن عامر
وقال أبو منصور في "التأويلات": فيه الأمر بالتثبت عند الشبهة، والنهي عن الإقدام عندها، وهكذا الواجب على المؤمن الوقف عند اعتراض الشبهة في كل فعل وكل خبر؛ لأن الله تعالى أمر بالتثبت في الأعمال بقوله: فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا وقال في الخبر: إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا [الحجرات: من الآية 6] أمر بالتثبت في الأخبار عند الشبهة، كما أمر في الأفعال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: ولا تقف ما ليس لك به علم [الإسراء: من الآية 36].
وفي الآية دليل فساد قول المعتزلة؛ لأنه نهاهم أن يقولوا (لمن قال: إني مسلم): لست مؤمنا، وهم يقولون: صاحب الكبيرة ليس بمؤمن، وهو يقول ألف مرة (على المثل): إني مسلم، فإذا نهى أن يقولوا: ليس بمؤمن، أمرهم أن يقولوا: هو مؤمن، فيقال لهم: أنتم أعلم أم الله؟! على ما قيل لأولئك. انتهى.
وقال الرازي : قال أكثر الفقهاء: لا يحكم بهذا القدر بإسلامه، لأن مذهبه أن الذي هو عليه هو الإسلام وهو الإيمان، ولو قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعند قوم لا يحكم بإسلامه؛ لأن فيهم من يقول: إنه رسول الله إلى العرب، لا إلى الكل، ومنهم من يقول: إن محمدا الذي هو الرسول الحق [ ص: 1481 ] بعد ما جاء، وسيجيء بعد ذلك، بل لا بد وأن يعترف بأن الدين الذي كان عليه باطل، وأن الدين الموجود فيما بين المسلمين هو الحق، والله أعلم. انتهى. لو قال اليهودي والنصراني: أنا مؤمن، أو قال: أنا مسلم،
أقول: كل مظهرا الانقياد لنا، وأنه من ملتنا، فإنه يحكم بإسلامه، ويكف عن قتله وأخذ ماله، كتابيا كان أو مشركا، وهذا هو المقصود من الآية. من قال: أنا مؤمن أو أنا مسلم من المحاربين،
وأما مسألة من أراد الدخول في الإسلام وهو على عقيدة فاسدة، وأنه لا بد في صحة إسلامه من تبرئه عنها، ونبذها ظهريا، وأنه لا يكتفى بقوله: أنا مسلم - فذاك بحث آخر مسلم، لكن ليس مما تشمله الآية، كما أن كبعض القبائل البادية الجافية - فإنه يجب على الإمام قتالهم، ولا يقال: إن الآية تشملهم؛ لما ذكرنا، وظاهر أن مدار النهي في الآية إنما هو على سفك الدماء ابتغاء عرض الدنيا؛ لقوله: (تبتغون) وهو حال كما أسلفنا، والحال قيد لعاملها، فما ذكره من أظهر الإسلام وأتى بالشهادتين ولم يدن بشرائع الإسلام وإقامة شعائره، الرازي عن الفقهاء ليس مما تشمله الآية؛ لأن البحث ليس في القدر الذي يصير به الكافر مسلما، بل في الكف عن قتل المنقاد لنا، فافهم، وقوله تعالى: