[ ص: 1529 ] القول في تأويل قوله تعالى:
ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما [104]
ولا تهنوا في ابتغاء القوم أي: لا تضعفوا في طلب عدوكم بالقتال، بل جدوا فيهم واقعدوا لهم كل مرصد، ثم ألزمهم الحجة بقوله سبحانه: إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون أي: ليس ما تجدون من الألم بالجرح والقتل مختصا بكم، بل هو مشترك بينكم وبينهم، كما قال تعالى: إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله [آل عمران: 140] ثم زاد في تقرير الحجة، وبين أن المؤمنين أولى بالمصابرة على القتال من المشركين بقوله تعالى: وترجون من الله ما لا يرجون يعني: وتأملون من القرب من الله واستحقاق الدرجات من جناته وإظهار دينه، كما وعدكم إياه في كتابه وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - ما لا يأملونه، فأنتم أولى بالجهاد منهم، وأجدر بإقامة كلمة الله.
وكان الله عليما حكيما أي: فلا يكلفكم إلا بما يعلم أنه سبب لصلاحكم في دينكم ودنياكم، فجدوا في الامتثال بذلك؛ فإن فيه عواقب حميدة.
قال بعض مفسري الزيدية: ثمرة الآية: وأنه لا يسقط لما يحصل من المضرة بالجراح ونحوه، وأن التجلد وطلب ما يقوي لازم، وما يحصل به الوهن لا يجوز فعله، وتدل على جواز المعارضة والحجاج لقوله: وجوب الجهاد، فإنهم يألمون وتدل على أن للمجاهد أن يجاهد لطلب الثواب لقوله: وترجون من الله ما لا يرجون فجعل هذا سببا باعثا على الجهاد، هذا معنى كلام الحاكم.
ونظير هذا: لو صلى لطلب الثواب أو السلامة من العقاب، وقد ذكر في ذلك خلاف. فعن الراضي بالله: يجزى ذلك، وقواه الفقيه يحيى بن أحمد، وعن أبي مضر: لا يجزى؛ لأنه لم ينو الوجه الذي شرع الواجب له. انتهى.