[ ص: 2019 ] القول في تأويل قوله تعالى:
[49]
nindex.php?page=treesubj&link=28803_29723_30525_31780_31788_32024_32509_34089_34225_28976nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وأن احكم بينهم بما أنـزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنـزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وأن احكم بينهم بما أنـزل الله عطف على (الكتاب) أي: أنزلنا إليك الكتاب والحكم بما فيه. أو على (الحق) أي: أنزلناه بالحق وب (أن احكم) ويجوز أن يكون جملة، بتقدير: وأمرنا أن احكم. وفي التعرض لعنوان إنزاله تعالى إياه، تأكيد لوجوب الامتثال، وتمهيد لما يعقبه من قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنـزل الله إليك أي: يصرفوك عنه. وإظهار الاسم الجليل لتأكيد الأمر بتهويل الخطب. كإعادة (ما أنزل الله).
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49فإن تولوا أي: عن الحكم المنزل وأرادوا غيره:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم يعني بذنب التولي عن حكم الله، وإرادة خلافه، فوضع (ببعض ذنوبهم) موضع ذلك. وأراد: أن لهم ذنوبا جمة كثيرة العدد. وأن هذا الذنب - مع عظمه - بعضها وواحد منها.. وهذا الإبهام لتعظيم التولي، واستسرافهم في ارتكابه، ونحو (البعض) في هذا الكلام ما في قول
لبيد. [ ص: 2020 ] (أو يرتبط بعض النفوس حمامها..!) أراد نفسه. وإنما قصد تفخيم شأنها بهذا الإبهام. كأنه قال: نفسا كبيرة ونفسا أي نفس. فكما أن التنكير يعطي معنى التكبير وهو معنى البعضية، فكذلك إذا صرح بالبعض. كذا في "الكشاف".
وفي "الحواشي": ومثل هذا قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=165ورفع بعضكم فوق بعض درجات أراد
محمدا صلى الله عليه وسلم; وقيل: ذلك من الخصوص الذي أريد به العموم; وقيل: أراد العذاب في الدنيا. وأما في الآخرة فإنه يعذب بجميع الذنوب. ولقد تلطف القائل:
وأقول بعض الناس عنك كناية خوف الوشاة، وأنت كل الناس
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وإن كثيرا من الناس لفاسقون أي: المتمردون في الكفر معتقدون فيه; وهذا تسجيل عليهم بالمخالفة. يعني: إن التولي عن حكم الله من التمرد العظيم والاعتداء في الكفر. والجملة اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبله. ونظيرها قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=103وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=116وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله
روى
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال:
قال كعب بن أسد، وابن صلوما، [ ص: 2021 ] وعبد الله بن صوريا، وشاس بن قيس; بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه، فأتوه فقالوا: يا محمد! إنك قد عرفت أنا أحبار يهود وأشرافهم وساداتهم. وإنا - إن اتبعناك - اتبعنا يهود، ولم يخالفونا. وأن بيننا وبين قومنا خصومة فنحاكمهم إليك، فتقضي لنا عليهم، ونؤمن لك ونصدقك. فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأنزل الله عز وجل فيهم: nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وأن احكم بينهم بما أنـزل الله ولا تتبع أهواءهم الآية.
[ ص: 2019 ] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى:
[49]
nindex.php?page=treesubj&link=28803_29723_30525_31780_31788_32024_32509_34089_34225_28976nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ عَطْفٌ عَلَى (الْكِتَابَ) أَيْ: أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحْكْمَ بِمَا فِيهِ. أَوْ عَلَى (الْحَقِّ) أَيْ: أَنْزَلْنَاهُ بِالْحَقِّ وَبِ (أَنِ احْكُمْ) وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جُمْلَةً، بِتَقْدِيرِ: وَأَمَرْنَا أَنِ احْكُمْ. وَفِي التَّعَرُّضِ لِعُنْوَانِ إِنْزَالِهِ تَعَالَى إِيَّاهُ، تَأْكِيدٌ لِوُجُوبِ الِامْتِثَالِ، وَتَمْهِيدٌ لِمَا يَعْقُبُهُ مِنْ قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ أَيْ: يَصْرِفُوكَ عَنْهُ. وَإِظْهَارُ الِاسْمِ الْجَلِيلِ لِتَأْكِيدِ الْأَمْرِ بِتَهْوِيلِ الْخَطْبِ. كَإِعَادَةِ (مَا أَنْزَلَ اللَّهُ).
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49فَإِنْ تَوَلَّوْا أَيْ: عَنِ الْحُكْمِ الْمُنَزَّلِ وَأَرَادُوا غَيْرَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ يَعْنِي بِذَنْبِ التَّوَلِّي عَنْ حُكْمِ اللَّهِ، وَإِرَادَةِ خِلَافِهِ، فَوَضَعَ (بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ) مَوْضِعَ ذَلِكَ. وَأَرَادَ: أَنَّ لَهُمْ ذُنُوبًا جَمَّةً كَثِيرَةَ الْعَدَدِ. وَأَنَّ هَذَا الذَّنْبَ - مَعَ عِظَمِهِ - بَعْضُهَا وَوَاحِدٌ مِنْهَا.. وَهَذَا الْإِبْهَامُ لِتَعْظِيمِ التَّوَلِّي، وَاسْتِسْرَافِهِمْ فِي ارْتِكَابِهِ، وَنَحْوَ (الْبَعْضِ) فِي هَذَا الْكَلَامِ مَا فِي قَوْلِ
لَبِيدٍ. [ ص: 2020 ] (أَوْ يَرْتَبِطْ بَعْضَ النُّفُوسِ حِمَامُهَا..!) أَرَادَ نَفْسَهُ. وَإِنَّمَا قَصَدَ تَفْخِيمَ شَأْنِهَا بِهَذَا الْإِبْهَامِ. كَأَنَّهُ قَالَ: نَفْسًا كَبِيرَةً وَنَفْسًا أَيُّ نَفْسٍ. فَكَمَا أَنَّ التَّنْكِيرَ يُعْطِي مَعْنَى التَّكْبِيرِ وَهُوَ مَعْنَى الْبَعْضِيَّةِ، فَكَذَلِكَ إِذَا صَرَّحَ بِالْبَعْضِ. كَذَا فِي "الْكَشَّافِ".
وَفِي "الْحَوَاشِي": وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=165وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ أَرَادَ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ; وَقِيلَ: ذَلِكَ مِنَ الْخُصُوصِ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْعُمُومُ; وَقِيلَ: أَرَادَ الْعَذَابَ فِي الدُّنْيَا. وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَإِنَّهُ يُعَذَّبُ بِجَمِيعِ الذُّنُوبِ. وَلَقَدْ تَلَطَّفَ الْقَائِلُ:
وَأَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ عَنْكَ كِنَايَةً خَوْفَ الْوُشَاةِ، وَأَنْتَ كَلُّ النَّاسِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ أَيِ: الْمُتَمَرِّدُونَ فِي الْكُفْرِ مُعْتَقِدُونَ فِيهِ; وَهَذَا تَسْجِيلٌ عَلَيْهِمْ بِالْمُخَالَفَةِ. يَعْنِي: إِنَّ التَّوَلِّيَ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ مِنَ التَّمَرُّدِ الْعَظِيمِ وَالِاعْتِدَاءِ فِي الْكُفْرِ. وَالْجُمْلَةُ اعْتِرَاضٌ تَذْيِيلِيٌّ مُقَرِّرٌ لِمَضْمُونِ مَا قَبْلَهُ. وَنَظِيرُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=103وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=116وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ nindex.php?page=showalam&ids=11970وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
قَالَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ، وَابْنُ صَلُومَا، [ ص: 2021 ] وَعَبْدُ اللَّهِ بْنِ صُورِيَّا، وَشَاسُ بْنُ قَيْسٍ; بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى مُحَمَّدٍ لَعَلَّنَا نَفْتِنُهُ عَنْ دِينِهِ، فَأَتَوْهُ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّكَ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّا أَحْبَارُ يَهُودَ وَأَشْرَافُهُمْ وَسَادَاتُهُمْ. وَإِنَّا - إِنِ اتَّبَعْنَاكَ - اتَّبَعْنَا يَهُودُ، وَلَمْ يُخَالِفُونَا. وَأَنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا خُصُومَةً فَنُحَاكِمُهُمْ إِلَيْكَ، فَتَقْضِي لَنَا عَلَيْهِمْ، وَنُؤْمِنُ لَكَ وَنُصَدِّقُكَ. فَأَبَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ: nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ الْآيَةَ.