القول في تأويل قوله تعالى:
[96]
nindex.php?page=treesubj&link=28723_31755_31760_32200_32440_32441_28977nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96فالق الإصباح خبر آخر ل (إن)، أو لمبتدأ محذوف. و (الإصباح) مصدر سمي به الصبح. قال
امرؤ القيس: ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي بصبح وما الإصباح فيك بأمثل
[ ص: 2429 ] أي: شاقه عن ظلمة الليل:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96وجعل الليل سكنا أي: صير الظلام يسكن إليه، ويطمئن به، استرواحا من تعب النهار. أو يسكن فيه الخلق، أي: يقروا ويهدؤا (من السكون) - وهو الأظهر لقوله: لتسكنوا فيه - وقرئ (وجاعل الليل).
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96والشمس والقمر حسبانا أي: على أدوار مختلفة، لتحسب بهما الأوقات التي نيط بها العبادات والمعاملات. كما ذكره في سورة يونس في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=5هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96ذلك أي: التسيير بالحساب المعلوم:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96تقدير العزيز العليم أي: الغالب على أمره العليم بتدبيرهما، ومراعاة الحكمة في شأنهما.
[ ص: 2430 ] تنبيهات:
الأول: قال
الرازي: قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96فالق الإصباح الآية. نوع آخر من دلائل وجود الصانع وعلمه وقدرته وحكمته. فالنوع المتقدم كان مأخوذا من دلالة أحوال النبات والحيوان. والنوع المذكور في هذه الآية مأخوذ من الأحوال الفلكية. وذلك لأن فلق ظلمة الليل بنور الصبح أعظم في كمال القدرة من فلق الحب والنوى بالنبات والشجر، ولأن من المعلوم بالضرورة أن الأحوال الفلكية أعظم في القلوب وأكثر وقعا من الأحوال الأرضية. ثم قرر الحجة من وجوه عديدة، وأجاد رحمه الله.
الثاني: قرئ: (الأصباح) بفتح الهمزة، على أنه جمع صبح، كقفل وأقفال.
الثالث: في "البحر الكبير": أن السنة الشرعية قمرية لا شمسية، والشمسية مما حدث في دواوين الخراج، وإنما أضيف الحساب في الآية إليهما؛ لأن بطلوع الشمس ومغيبها يعرف عدد الأيام التي تتركب منها الشهور والسنون، فمن هنا دخلت - انتهى.
الرابع: قال
الحافظ ابن كثير رحمه الله: وكثيرا ما إذا ذكر الله تعالى خلق الليل والنهار والشمس والقمر يختم الكلام بالعزة والعلم، كما ذكر في هذه الآية، وكما في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=37وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=38والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ولما ذكر خلق السماوات والأرض وما فيهن في أول سورة (حم السجدة) قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم انتهى.
وفي (العزة) معنى القهر، أي: الذي قهرهما بجعلهما مسخرين، لا يتيسر لهما إلا ما أريد
[ ص: 2431 ] بهما، كما قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=54والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ومعنى القدرة الكاملة أيضا.
قال
الرازي: العزيز إشارة إلى كمال قدرته، و: العليم إشارة إلى كمال علمه، ومعناه: أن تقدير أجرام الأفلاك بصفاتها المخصوصة وهيأتها المحدودة، وحركاتها المقدرة بالمقادير المخصوصة في البطء والسرعة لا يمكن تحصيله إلا بقدرة كاملة متعلقة بجميع الممكنات، وعلم نافذ في جميع المعلومات من الكليات والجزئيات. وذلك تصريح بأن حصول هذه الأحوال والصفات ليس بالطبع والخاصة. وإنما هو بتخصيص الفاعل المختار. والله أعلم.
الخامس: وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96حسبانا قال: يعني عدد الأيام والشهور والسنين. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة: يدوران في حساب. قال
السيوطي: فالآية أصل في الحساب والميقات. انتهى.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى:
[96]
nindex.php?page=treesubj&link=28723_31755_31760_32200_32440_32441_28977nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96فَالِقُ الإِصْبَاحِ خَبَرٌ آخَرُ لِ (إِنَّ)، أَوْ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ. وَ (الْإِصْبَاحِ) مَصْدَرٌ سُمِّي بِهِ الصُّبْحُ. قَالَ
امْرُؤُ الْقَيْسِ: أَلَّا أَيُّهَا اللَّيْلُ الطَّوِيلُ أَلَا انْجَلِي بِصُبْحٍ وَمَا الْإِصْبَاحُ فِيكَ بِأَمْثَلِ
[ ص: 2429 ] أَيْ: شَاقُّهُ عَنْ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا أَيْ: صَيَّرَ الظَّلَامَ يُسْكَنُ إِلَيْهِ، وَيُطْمَئَنُّ بِهِ، اسْتِرْوَاحًا مِنْ تَعَبِ النَّهَارِ. أَوْ يَسْكُنُ فِيهِ الْخَلْقُ، أَيْ: يَقِرُّوا وَيَهْدَؤُا (مِنَ السُّكُونِ) - وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِقَوْلِهِ: لِتَسْكُنُوا فِيهِ - وَقُرِئَ (وَجَاعِلُ اللَّيْلِ).
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا أَيْ: عَلَى أَدْوَارٍ مُخْتَلِفَةٍ، لِتُحْسَبَ بِهِمَا الْأَوْقَاتُ الَّتِي نِيطَ بِهَا الْعِبَادَاتُ وَالْمُعَامَلَاتُ. كَمَا ذَكَرَهُ فِي سُورَةِ يُونُسَ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=5هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96ذَلِكَ أَيِ: التَّسْيِيرُ بِالْحِسَابِ الْمَعْلُومِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ أَيِ: الْغَالِبِ عَلَى أَمْرِهِ الْعَلِيمُ بِتَدْبِيرِهِمَا، وَمُرَاعَاةِ الْحِكْمَةِ فِي شَأْنِهِمَا.
[ ص: 2430 ] تَنْبِيهَاتٌ:
الْأَوَّلُ: قَالَ
الرَّازِيُّ: قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96فَالِقُ الإِصْبَاحِ الْآيَةَ. نَوْعٌ آخَرُ مِنْ دَلَائِلِ وُجُودِ الصَّانِعِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ. فَالنَّوْعُ الْمُتَقَدِّمُ كَانَ مَأْخُوذًا مِنْ دَلَالَةِ أَحْوَالِ النَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ. وَالنَّوْعُ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْأَحْوَالِ الْفَلَكِيَّةِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ فَلْقَ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ بِنُورِ الصُّبْحِ أَعْظَمُ فِي كَمَالِ الْقُدْرَةِ مِنْ فَلْقِ الْحَبِّ وَالنَّوَى بِالنَّبَاتِ وَالشَّجَرِ، وَلِأَنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْأَحْوَالَ الْفَلَكِيَّةَ أَعْظَمُ فِي الْقُلُوبِ وَأَكْثَرُ وَقْعًا مِنَ الْأَحْوَالِ الْأَرْضِيَّةِ. ثُمَّ قَرَّرَ الْحُجَّةَ مِنْ وُجُوهٍ عَدِيدَةٍ، وَأَجَادَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
الثَّانِي: قُرِئَ: (الْأَصْبَاحِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، عَلَى أَنَّهُ جَمْعُ صُبْحٍ، كَقُفْلٍ وَأَقْفَالٍ.
الثَّالِثُ: فِي "الْبَحْرِ الْكَبِيرِ": أَنَّ السَّنَةَ الشَّرْعِيَّةَ قَمَرِيَّةٌ لَا شَمْسِيَّةٌ، وَالشَّمْسِيَّةُ مِمَّا حَدَثَ فِي دَوَاوِينِ الْخَرَاجِ، وَإِنَّمَا أُضِيفَ الْحِسَابُ فِي الْآيَةِ إِلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَمَغِيبِهَا يُعْرَفُ عَدَدُ الْأَيَّامِ الَّتِي تَتَرَكَّبُ مِنْهَا الشُّهُورُ وَالسُّنُونَ، فَمِنْ هُنَا دَخَلَتْ - انْتَهَى.
الرَّابِعُ: قَالَ
الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَكَثِيرًا مَا إِذَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى خَلْقَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ يَخْتِمُ الْكَلَامَ بِالْعِزَّةِ وَالْعِلْمِ، كَمَا ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَكَمَا فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=37وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=38وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَلَمَّا ذَكَرَ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ فِي أَوَّلِ سُورَةِ (حم السَّجْدَةِ) قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ انْتَهَى.
وَفِي (الْعِزَّةِ) مَعْنَى الْقَهْرِ، أَيِ: الَّذِي قَهَرَهُمَا بِجَعْلِهِمَا مُسَخَّرَيْنِ، لَا يَتَيَسَّرُ لَهُمَا إِلَّا مَا أُرِيدَ
[ ص: 2431 ] بِهِمَا، كَمَا قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=54وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ وَمَعْنَى الْقُدْرَةِ الْكَامِلَةِ أَيْضًا.
قَالَ
الرَّازِيُّ: الْعَزِيزِ إِشَارَةٌ إِلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ، وَ: الْعَلِيمِ إِشَارَةٌ إِلَى كَمَالِ عِلْمِهِ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّ تَقْدِيرَ أَجْرَامِ الْأَفْلَاكِ بِصِفَاتِهَا الْمَخْصُوصَةِ وَهَيَّأَتْهَا الْمَحْدُودَةِ، وَحَرَكَاتِهَا الْمُقَدَّرَةِ بِالْمَقَادِيرِ الْمَخْصُوصَةِ فِي الْبُطْءِ وَالسُّرْعَةِ لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ إِلَّا بِقُدْرَةٍ كَامِلَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِجَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ، وَعِلْمٍ نَافِذٍ فِي جَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ مِنَ الْكُلِّيَّاتِ وَالْجُزْئِيَّاتِ. وَذَلِكَ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ حُصُولَ هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَالصِّفَاتِ لَيْسَ بِالطَّبْعِ وَالْخَاصَّةِ. وَإِنَّمَا هُوَ بِتَخْصِيصِ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْخَامِسُ: وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96حُسْبَانًا قَالَ: يَعْنِي عَدَدَ الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ وَالسِّنِينَ. وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16815قَتَادَةُ: يَدُورَانِ فِي حِسَابٍ. قَالَ
السُّيُوطِيُّ: فَالْآيَةُ أَصْلٌ فِي الْحِسَابِ وَالْمِيقَاتِ. انْتَهَى.