[ ص: 593 ] و ( المقصود ) أن الآلهة كثيرة والعبادات لها متنوعة وبالجملة فكل ما يريده الإنسان ويحبه لا بد أن يتصوره في نفسه فتلك الصورة العلمية محركة له إلى محبوبه ولوازم الحب فمن عبده عبد غير الله وتمثلت له الشياطين في صورة من يعبده وهذا كثير ما زال ولم يزل ولهذا كان كل من عبد شيئا غير الله فإنما يعبد الشيطان ولهذا يقارن الشيطان الشمس عند طلوعها وغروبها واستوائها ليكون سجود من يعبدها له .
وقد كانت " كما كانت تكلمهم من الأصنام التي يعبدونها وكذلك في وقتنا خلق كثير من المنتسبين إلى الإسلام الشياطين " تتمثل في صورة من يعبد والنصارى والمشركين ممن أشرك ببعض من يعظمه من الأحياء والأموات من المشايخ وغيرهم فيدعوه ويستغيث به في حياته وبعد مماته فيراه قد أتاه وكلمه وقضى حاجته وإنما هو شيطان تمثل على صورته ليغوي هذا المشرك . والمبتلون " بالعشق " لا يزال الشيطان يمثل لأحدهم صورة المعشوق أو يتصور بصورته فلا يزال يرى صورته مع مغيبه عنه بعد موته فإنما جلاه الشيطان على قلبه ولهذا إذا ذكر العبد الله الذكر الذي يخنس منه الوسواس الخناس خنس هذا المثال الشيطاني وصورة المحبوب تستولي على المحب أحيانا حتى لا يرى غيرها ولا يسمع غير كلامها فتبقى [ ص: 594 ] نفسه مشتغلة بها . والذين يسلكون في محبة الله مسلكا ناقصا يحصل لأحدهم نوع من ذلك يسمى " الاصطلام " و " الفناء " يغيب بمحبوبه عن محبته وبمعروفه عن معرفته وبمذكوره عن ذكره حتى لا يشعر بشيء من أسماء الله وصفاته وكلامه وأمره ونهيه . و " منهم " من قد ينتقل من هذا إلى " الاتحاد " . فيقول : أنا هو وهو أنا وأنا الله ويظن كثير من السالكين أن هذا هو غاية السالكين وأن هذا هو " التوحيد " الذي هو نهاية كل سالك . وهم غالطون في هذا ; بل هذا من جنس قول النصارى ولكن ضلوا لأنهم لم يسلكوا الطريق الشرعية في الباطن في خبر الله وأمره . وقد بسط الكلام على هذا في غير هذا الموضع .
و ( المقصود ) : أن المتبعين لشهواتهم من الصور والطعام والشراب واللباس يستولي على قلب أحدهم ما يشتهيه حتى يقهره ويملكه ويبقى أسيرا ، ما يهواه يصرفه كيف تصرف ذلك المطلوب ولهذا قال بعض السلف : ما أنا على الشاب الناسك بأخوف مني عليه من سبع ضار يثب عليه من صبي حدث يجلس إليه . [ ص: 595 ] وذلك أن النفس الصافية التي فيها رقة " الرياضة " ولم تنجذب إلى محبة الله وعبادته انجذابا تاما ولا قام بها من خشية الله التامة ما يصرفها عن هواها متى صارت تحت صورة من الصور استولت تلك الصورة عليها كما يستولي السبع على ما يفترسه ; فالسبع يأخذ فريسته بالقهر ولا تقدر الفريسة على الامتناع منه كذلك ما يمثله الإنسان في قلبه من الصور المحبوبة تبتلع قلبه وتقهره فلا يقدر قلبه على الامتناع منه فيبقى قلبه مستغرقا في تلك الصورة أعظم من استغراق الفريسة في جوف الأسد ; لأن المحبوب المراد هو غاية النفس له عليها سلطان قاهر .
و " القلب " يغرق فيما يستولي عليه : إما من محبوب وإما من مخوف كما يوجد من محبة المال والجاه والصور ، والخائف من غيره يبقى قلبه وعقله مستغرقا فيه كما يغرق الغريق في الماء فلا بد أن يستولي عليها ما يحيط بها من الأجسام والقلوب يستولي عليها ما يتمثل لها من المخاوف والمحبوبات والمكروهات فالمحبوب يطلبه والمكروه يدفعه والرجاء يتعلق بالمحبوب ، والخوف يتعلق بالمكروه ولا يأتي بالحسنات إلا الله ولا يذهب السيئات إلا الله { وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم } .
{ وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون } .
[ ص: 596 ] وإذا دعا العبد ربه بإعطاء المطلوب ودفع المرهوب جعل له من الإيمان بالله ومحبته ومعرفته وتوحيده ورجائه وحياة قلبه واستنارته بنور الإيمان ما قد يكون أنفع له من ذلك المطلوب إن كان عرضا من الدنيا وأما إذا طلب منه أن يعينه على ذكره وشكره وحسن عبادته وما يتبع ذلك فهنا المطلوب قد يكون أنفع من الطلب وهو الدعاء ، والمطلوب الذكر والشكر وقيام العبادة على أحسن الوجوه وغير ذلك . وهذا لبسطه موضع آخر .
و ( المقصود ) : أن القلب قد يغمره فيستولي عليه ما يريده العبد ويحبه وما يخافه ويحذره كائنا من كان ; ولهذا قال تعالى : { بل قلوبهم في غمرة من هذا ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون } فهي فيما يغمرها عما أنذرت به فيغمرها ذلك عن ذكر الله والدار الآخرة وما فيها من النعيم والعذاب الأليم . قال الله تعالى : { فذرهم في غمرتهم حتى حين } أي فيما يغمر قلوبهم من حب المال والبنين المانع لهم من المسارعة في الخيرات والأعمال الصالحة . وقال تعالى : { قتل الخراصون }
{ الذين هم في غمرة ساهون } الآيات : أي ساهون عن أمر الآخرة فهم في غمرة عنها أي فيما يغمر قلوبهم من حب الدنيا ومتاعها ساهون عن أمر الآخرة وما خلقوا له . وهذا يشبه قوله : { ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا } فالغمرة تكون من اتباع الهوى ، والسهو من جنس الغفلة ; ولهذا قال من قال : " السهو " الغفلة عن الشيء وذهاب القلب عنه وهذا جماع الشر " الغفلة " و " الشهوة " " فالغفلة " عن الله والدار الآخرة تسد باب الخير الذي هو الذكر واليقظة .
و " الشهوة " تفتح باب الشر والسهو والخوف فيبقى القلب مغمورا فيما يهواه ويخشاه غافلا عن الله رائدا غير الله ساهيا عن ذكره قد اشتغل بغير الله قد انفرط أمره قد ران حب الدنيا على قلبه كما روي في صحيح البخاري وغيره عن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { أبي هريرة } جعله عبد ما يرضيه وجوده ، ويسخطه فقده حتى يكون عبد الدرهم ، وعبد ما وصف في هذا الحديث و " القطيفة " هي التي يجلس عليها فهو خادمها كما قال بعض تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد القطيفة تعس عبد الخميصة تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش إن أعطي رضي وإن منع سخط السلف : البس من الثياب ما يخدمك ولا تلبس منها ما تكن أنت تخدمه وهي كالبساط الذي تجلس عليه و " الخميصة " هي التي يرتدي بها وهذا من أقل المال . وإنما [ ص: 598 ] نبه به النبي صلى الله عليه وسلم على ما هو أعلى منه فهو عبد لذلك : فيه أرباب متفرقون وشركاء متشاكسون . ولهذا قال : { } . فما كان يرضي الإنسان حصوله ، ويسخطه فقده فهو عبده إذ العبد يرضى باتصاله بهما ويسخط لفقدهما . إن أعطي رضي وإن منع سخط
و " المعبود الحق " الذي لا إله إلا هو إذا عبده المؤمن وأحبه حصل للمؤمن بذلك في قلبه إيمان وتوحيد ومحبة وذكر وعبادة فيرضى بذلك وإذا منع من ذلك غضب . وكذلك من أحب شيئا فلا بد أن يتصوره في قلبه ، ويريد اتصاله به بحسب الإمكان . قال الجنيد : لا يكون العبد عبدا حتى يكون مما سوى الله تعالى حرا . وهذا مطابق لهذا الحديث فإنه لا يكون عبدا لله خالصا مخلصا دينه لله كله حتى لا يكون عبدا لما سواه ولا فيه شعبة ولا أدنى جزء من عبودية ما سوى الله فإذا كان يرضيه ويسخطه غير الله فهو عبد لذلك الغير ففيه من الشرك بقدر محبته ، وعبادته لذلك الغير زيادة . قال " " والله ما صدق الله في عبوديته من [ ص: 599 ] لأحد من المخلوقين عليه ربانية . الفضيل بن عياض
وقال زيد بن عمرو بن نفيل :
أربا واحدا أم ألف رب أدين إذا انقسمت الأمور
روى الإمام أحمد والترمذي والطبراني من حديث أسماء بنت عميس قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } قال بئس العبد عبد تخيل واختال ونسي الكبير المتعال ، بئس العبد عبد تجبر واعتدى ونسي الجبار الأعلى بئس العبد عبد سهى ولهى ونسي المقابر والبلى بئس العبد عبد بغى واعتدى ونسي المبدأ والمنتهى بئس العبد عبد يختل الدنيا بالدين ، بئس العبد عبد يختل الدين بالشبهات ، بئس العبد عبد رغب يذله ويزيله عن الحق ، بئس العبد عبد طمع يقوده ، بئس العبد عبد هوى يضله الترمذي غريب .وفي الحديث الصحيح المتقدم ما يقويه . والله أعلم . وكذلك أحاديث وآثار كثيرة رويت في معنى ذلك . كما قال تعالى : { ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله } وطالب الرئاسة - ولو بالباطل - ترضيه الكلمة التي فيها تعظيمه وإن كانت باطلا ، وتغضبه الكلمة التي فيها ذمه وإن كانت حقا . [ ص: 600 ] والمؤمن ترضيه كلمة الحق له وعليه ، وتغضبه كلمة الباطل له وعليه ; لأن الله تعالى يحب الحق والصدق والعدل ويبغض الكذب والظلم . فإذا قيل : الحق والصدق والعدل الذي يحبه الله أحبه وإن كان فيه مخالفة هواه . لأن هواه قد صار تبعا لما جاء به الرسول . وإذا قيل : الظلم والكذب فالله يبغضه والمؤمن يبغضه ولو وافق هواه .
وكذلك طالب " المال " - ولو بالباطل - كما قال تعالى : { ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون } وهؤلاء هم الذين قال [ فيهم ] : { } الحديث . فكيف إذا استولى على القلب ما هو أعظم استعبادا من الدرهم والدينار من الشهوات والأهواء والمحبوبات التي تجذب القلب عن كمال محبته لله وعبادته لما فيها من المزاحمة والشرك بالمخلوقات كيف تدفع القلب وتزيغه عن كمال محبته لربه وعبادته وخشيته لأن كل محبوب يجذب قلب محبه إليه ويزيغه عن محبة غير محبوبه ، وكذلك المكروه يدفعه ويزيله ويشغله عن عبادة الله تعالى . تعس عبد الدينار
ولهذا روى في مسنده وغيره . أن النبي [ ص: 601 ] صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : { الإمام أحمد } وكذلك الذين يحبون العبد كأصدقائه والذين يبغضونه كأعدائه فالذين يحبونه يجذبونه إليهم فإذا لم تكن المحبة منهم له لله كان ذلك مما يقطعه عن الله والذين يبغضونه يؤذونه ويعادونه فيشغلونه بأذاهم عن الله ولو أحسن إليه أصدقاؤه الذين يحبونه لغير الله أوجب إحسانهم إليه محبته لهم وانجذاب قلبه إليهم ولو كان على غير الاستقامة وأوجب مكافأته لهم فيقطعونه عن الله وعبادته . الفقر تخافون لا أخاف عليكم الفقر . إنما أخاف عليكم الدنيا حتى إن قلب أحدكم إذا زاغ لا يزيغه إلا هي ولما يبغضه الله وكذلك موالاته ومعاداته وإلا فمحبة المخلوق تجذبه وحب الخلق له سبب يجذبهم به إليه ثم قد يكون هذا أقوى وقد يكون هذا أقوى فإذا كان هو غالبا لهواه لم يجذبه مغلوب مع هواه ولا محبوباته إليها ; لكونه غالبا لهواه ناهيا لنفسه عن الهوى لما في قلبه من خشية الله ومحبته التي تمنعه عن انجذابه إلى المحبوبات . فلا تزول الفتنة عن القلب إلا إذا كان دين العبد كله لله عز وجل فيكون حبه لله ولما يحبه الله وبغضه لله
وأما حب الناس له فإنه يوجب أن يجذبوه هم بقوتهم إليهم فإن لم يكن فيه قوة يدفعهم بها عن نفسه من محبة الله وخشيته [ ص: 602 ] وإلا جذبوه وأخذوه إليهم كحب امرأة العزيز ليوسف ; فإن قوة " يوسف " ومحبته لله وإخلاصه وخشيته كانت أقوى من جمال امرأة العزيز وحسنها وحبه لها ، هذا إذا أحب أحدهم صورته مع أن هنا الداعي قوي منه ومنهم فهنا وإلا فالغالب على الناس في المحبة من الطرفين أنه يقع بعض الشر بينهم . المعصوم من عصمه الله
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } . وقد يحبونه لعلمه أو دينه أو إحسانه أو غير ذلك ; فالفتنة في هذا أعظم ; إلا إذا كانت فيه قوة إيمانية وخشية وتوحيد تام ; فإن فتنة العلم والجاه والصور فتنة لكل مفتون . وهم مع ذلك يطلبون منه مقاصدهم إن لم يفعلها وإلا نقص الحب . أو حصل نوع بغض وربما زاد أو أدى إلى الانسلاخ من حبه فصار مبغوضا بعد أن كان محبوبا فأصدقاء الإنسان يحبون استخدامه واستعماله في أغراضهم حتى يكون كالعبد لهم وأعداؤه يسعون في أذاه وإضراره وأولئك يطلبون منه انتفاعهم وإن كان مضرا له مفسدا لدينه لا يفكرون في ذلك . لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان
وقليل منهم الشكور . فالطائفتان في الحقيقة لا يقصدون نفعه ولا دفع ضرره وإنما [ ص: 603 ] يقصدون أغراضهم به فإن لم يكن الإنسان عابدا الله متوكلا عليه مواليا له ومواليا فيه ومعاديا وإلا أكلته الطائفتان وأدى ذلك إلى هلاكه في الدنيا والآخرة . وهذا هو المعروف من أحوال بني آدم وما يقع بينهم من المحاربات والمخاصمات والاختلاف والفتن . قوم يوالون زيدا ويعادون عمرا . وآخرون بالعكس ; لأجل أغراضهم فإذا حصلوا على أغراضهم ممن يوالونه وما هم طالبونه من زيد انقلبوا إلى عمرو ، وكذلك أصحاب عمرو كما هو الواقع بين أصناف الناس .
وكذلك " الرأس " من الجانبين يميل إلى هؤلاء الذين يوالونه وهم إذا لم تكن الموالاة لله أضر عليه من أولئك ; فإن أولئك إنما يقصدون إفساد دنياه : إما بقتله أو بأخذ ماله ، وإما بإزالة منصبه وهذا كله ضرر دنيوي لا يعتد به إذا سلم العبد وهو عكس حال أهل الدنيا ومحبيها الذين لا يعتدون بفساد دينهم مع سلامة دنياهم . فهم لا يبالون بذلك . وأما " دين العبد " الذي بينه وبين الله فهم لا يقدرون عليه . وأما أولياؤه الذين يوالونه للأغراض فإنما يقصدون منه فساد دينه بمعاونته على أغراضهم وغير ذلك فإن لم يفعل انقلبوا أعداء . فدخل بذلك عليه الأذى من " جهتين " : [ ص: 604 ] من جهة مفارقتهم . ومن جهة عداوتهم . وعداوتهم أشد عليه من عداوة أعدائه ; لأنهم قد شاهدوا منه . وعرفوا ما لم يعرفه أعداؤه . فاستجلبوا بذلك عداوة غيرهم فتتضاعف العداوة . وإن لم يحب مفارقتهم احتاج إلى مداهنتهم ومساعدتهم على ما يريدونه وإن كان فيه فساد دينه . فإن ساعدهم على نيل مرتبة دنيوية ناله مما يعملون فيها نصيبا وافرا وحظا تاما من ظلمهم وجورهم وطلبوا منه أيضا أن يعاونهم على أغراضهم ولو فاتت أغراضه الدنيوية . فكيف بالدينية إن وجدت فيه أو عنده فإن الإنسان ظالم جاهل لا يطلب إلا هواه . فإن لم يكن هذا في الباطن يحسن إليهم ويصبر على أذاهم . ويقضي حوائجهم لله وتكون استعانته عليهم بالله تامة وتوكله على الله تام . وإلا أفسدوا دينه ودنياه كما هو الواقع المشاهد من الناس ممن يطلب الرئاسة الدنيوية فإنه يطلب منه من الظلم والمعاصي ما ينال به تلك الرئاسة ويحسن له هذا الرأي ، ويعاديه إن لم يقم معه كما قد [ ص: 605 ] جرى ذلك مع غير واحد .
وذلك يجري فيمن يحب شخصا لصورته فإنه يخدمه ويعظمه ويعطيه ما يقدر عليه ويطلب منه من المحرم ما يفسد دينه . وفيمن يحب صاحب " بدعة " لكونه له داعية إلى تلك البدعة يحوجه إلى أن ينصر الباطل الذي يعلم أنه باطل . وإلا عاداه ولهذا صار علماء الكفار وأهل البدع مع علمهم بأنهم على الباطل ينصرون ذلك الباطل ; لأجل الأتباع والمحبين ويعادون أهل الحق ويهجنون طريقهم . فمن أحب غير الله ووالى غيره كره محب الله ووليه ومن أحب أحدا لغير الله كان ضرر أصدقائه عليه أعظم من ضرر أعدائه ; فإن أعداءه غايتهم أن يحولوا بينه وبين هذا المحبوب الدنيوي ، والحيلولة بينه وبينه رحمة في حقه ، وأصدقاؤه يساعدونه على نفي تلك الرحمة وذهابها عنه ، فأي صداقة هذه ويحبون بقاء ذلك المحبوب ليستعملوه في أغراضهم وفيما يحبونه وكلاهما ضرر عليه .
قال تعالى : { إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب } .
قال عن الفضيل بن عياض ليث [ ص: 606 ] عن مجاهد : هي المودات التي كانت لغير الله ، والوصلات التي كانت بينهم في الدنيا { وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار } .
فالأعمال التي أراهم الله حسرات عليهم : هي الأعمال التي يفعلها بعضهم مع بعض في الدنيا كانت لغير الله ، ومنها الموالاة والصحبة والمحبة لغير الله . فالخير كله في أن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ولا حول ولا قوة إلا بالله .