وإذا كانت " الرؤيا " على " ثلاثة أقسام " : رؤيا من الله . [ ص: 613 ] ورؤيا من حديث النفس . ورؤيا من الشيطان فكذلك ولهذا كانت الأحوال " ثلاثة " رحماني ونفساني وشيطاني . وما يحصل من نوع المكاشفة والتصرف " ثلاثة أصناف " ملكي ونفسي وشيطاني فإن الملك له قوة والنفس لها قوة والشيطان له قوة وقلب المؤمن له قوة . فما كان من الملك ومن قلب المؤمن فهو حق وما كان من الشيطان ووسوسة النفس فهو باطل وقد اشتبه هذا بهذا على طوائف كثيرة فلم يفرقوا بين أولياء الله وأعداء الله بل صاروا يظنون في من هو من جنس المشركين والكفار - ما يلقى في نفس الإنسان في حال يقظته " ثلاثة أقسام " أهل الكتاب من وجوه كثيرة - أنه من أولياء الله المتقين . والكلام في هذا مبسوط في موضع آخر .
ولهذا في هؤلاء من يرى جواز قتال الأنبياء ومنهم من يرى أنه أفضل من الأنبياء إلى أنواع أخر . وذلك لأنه حصل لهم من الأنواع الشيطانية والنفسانية ما ظنوا أنها من كرامات الأولياء فظنوا [ ص: 614 ] أنهم منهم فكان الأمر بالعكس . وأصل هذا أنهم تعبدوا بما تحبه النفس ; وأما العبادة بما يحبه الله ويرضاه فلا يحبونه ولا يريدونه وحده ويرون أنهم إذا عبدوا الله بما أمر به ورسله حط لهم عن منصب الولاية فيحدثون محبة قوية وتألها وعبادة وشوقا وزهدا ; ولكن فيه شرك وبدعة . إنما تكون لله وحده على متابعة رسوله ; كما قال تعالى : { ومحبة " التوحيد " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم } فلهذا يكون أهل الاتباع فيهم جهاد ونية في محبتهم ; يحبون لله ويبغضون له . وهم على ملة إبراهيم . والذين معه { إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده } وأولئك محبتهم فيها شرك وليسوا متابعين للرسول ولا مجاهدين في سبيل الله فليست هي المحبة الإخلاصية . فإنها مقرونة بالتوحيد . ولهذا سمى أبو طالب المكي كتابه " قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد " والله سبحانه أعلم .