nindex.php?page=treesubj&link=28829_28836وكلام السلف والأئمة في ذم الجهمية كثير مشهور فإن مرض التعطيل شر من مرض التجسيم وإنما كان
السلف يذمون المشبهة كما قال الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل رضي الله عنه
وإسحاق بن راهويه وغيرهما قالوا : المشبهة الذين يقولون : بصر كبصري ويد كيدي وقدم كقدمي
nindex.php?page=treesubj&link=28783_29445وابن كلاب ومن تبعه أثبتوا الصفات التي لا تتعلق بمشيئته وقدرته [ فأما التي تتعلق بمشيئته وقدرته ] فينفونها قالوا لأنها حادثة ولو قامت به الحوادث لكان حادثا لأن ما قبل الشيء لم يخل عنه وعن ضده فلو قبل بعض هذه الحوادث لم يخل منه ومن ضده فلم يخل من الحوادث فيكون حادثا .
و "
nindex.php?page=showalam&ids=17017محمد بن كرام " كان بعد
nindex.php?page=showalam&ids=13464ابن كلاب في عصر
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بن الحجاج أثبت أنه يوصف بالصفات الاختياريات ويتكلم بمشيئته وقدرته ; ولكن عنده يمتنع أنه كان في الأزل متكلما بمشيئته وقدرته ; لامتناع حوادث لا أول لها فلم يقل بقول
السلف إنه لم يزل متكلما إذا شاء بل قال : إنه صار يتكلم بمشيئته وقدرته كما صار يفعل بمشيئته وقدرته بعد أن لم يكن كذلك .
وقال : هو وأصحابه في المشهور عنه :
[ ص: 155 ] إن الحوادث التي تقوم به لا يخلو منها ولا يزول عنها ; لأنه لو قامت به الحوادث ثم زالت عنه كان قابلا لحدوثها وزوالها وإذا كان قابلا لذلك لم يخل منه وما لم يخل من الحوادث فهو حادث وإنما يقبل على أصلهم أنه تقوم به الحوادث فقط كما يقبل أن يفعلها ويحدثها ولا يلزم من ذلك أنها لم تخل منه كما لم يلزم أنه لم يزل فاعلا لها والحدوث عندهم غير الإحداث والقرآن عندهم حادث لا محدث ; لأن المحدث يفتقر إلى إحداث بخلاف الحدوث . وهم إذا قالوا : كان خاليا منها في الأزل وكان ساكنا لم يقولوا إنه قام به حادث ; بل يقولون السكون أمر عدمي كما يقوله
الفلاسفة ; ولكن الحركة أمر وجودي ; بخلاف ما يقوله [ من يقوله ] من
المعتزلة والأشعرية : إن السكون أمر وجودي كالحركة فإذا حصل به حادث لم يكن ثم عدم هذا الحادث فإنما يعدم الحادث بإحداث يقوم به وهذا ممتنع وهم يقولون : إنه يمتنع عدم الجسم وعندهم أن الباري يقوم به إحداث المخلوقات وإفناؤها فالحوادث التي تقوم بهم تقوم به لو أفناها لقام به الإحداث والإفناء فكان قابلا لأن يحدث فيه حادث ويفنى ذلك الحادث وما كان كذلك لم يخل من إحداث وإفناء فلم يخل من الحوادث وما لم يخل منها فهو حادث وإنما كان كذلك لأن القابل للشيء لا يخلو عنه وعن ضده كما قالت
الكلابية ; لكن
المعتزلة يقولون :
[ ص: 156 ] السكون ضد الحركة فالقابل لأحدهما لا يخلو عنه وعن الآخر .
وهؤلاء يقولون : السكون ليس بضد وجودي ; بل هو عدمي وإنما الوجودي هو الإحداث والإفناء فلو قبل قيام الإحداث والإفناء به لكان قابلا لقيام الأضداد الوجودية والقابل للشيء لا يخلو عنه وعن ضده . وهؤلاء لما أراد منازعوهم إبطال قولهم كان عمدتهم بيان تناقض أقوالهم كما ذكر ذلك
أبو المعالي وأتباعه وكما ذكر
الآمدي تناقضهم من وجوه كثيرة .
قد ذكرت في غير هذا الموضع وغايتهما أنها تدل على مناقضتهم لا على صحة مذهب المنازع . وثم
nindex.php?page=treesubj&link=29442_28743_29445طائفة كثيرة تقول : إنه تقوم به الحوادث وتزول وإنه كلم موسى بصوت وذلك الصوت عدم وهذا مذهب أئمة السنة والحديث من
السلف وغيرهم وأظن
الكرامية لهم في ذلك قولان وإلا
nindex.php?page=treesubj&link=29442_28743_29445فالقول بفناء الصوت الذي كلم به موسى من جنس القول بقدمه كما يقول ذلك من يقوله من أهل الكلام والحديث والفقه من
السالمية وغيرهم ومن
الحنبلية والشافعية والمالكية يقول : إنه كلم
موسى بصوت سمعه
موسى وذلك الصوت قديم وهذا القول يعرف فساده ببديهة العقل وكذلك قول من يقول كلمه بصوت حادث وأن ذلك الصوت باق لا يزال هو وسائر ما يقوم به من الحوادث هي أقوال يعرف فسادها بالبديهة .
[ ص: 157 ] وإنما أوقع هذه الطوائف في هذه الأقوال ذلك الأصل الذي تلقوه عن
الجهمية وهو أن ما لم يخل من الحوادث فهو حادث وهو باطل عقلا وشرعا وهذا الأصل فاسد مخالف للعقل والشرع وبه استطالت عليهم
الفلاسفة الدهرية فلا للإسلام نصروا ولا لعدوه كسروا . بل قد خالفوا
السلف والأئمة وخالفوا العقل والشرع وسلطوا عليهم وعلى المسلمين عدوهم من
الفلاسفة والدهرية والملاحدة بسبب غلطهم في هذا الأصل الذي جعلوه أصل دينهم ولو اعتصموا بما جاء به الرسول لوافقوا المنقول والمعقول وثبت لهم الأصل ; ولكن ضيعوا الأصول فحرموا الوصول ; والأصول اتباع ما جاء به الرسول . وأحدثوا أصولا ظنوا أنها أصول ثابتة وكانت كما ضرب الله المثلين : مثل البناء والشجرة . فقال في المؤمنين والمنافقين : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1353&ayano=9أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1788&ayano=14ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1789&ayano=14تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1790&ayano=14ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1791&ayano=14يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء } والأصول مأخوذة
[ ص: 158 ] من أصول الشجرة وأساس البناء ; ولهذا يقال فيه الأصل ما ابتني عليه غيره أو ما تفرع عنه غيره .
فالأصول الثابتة هي أصول الأنبياء كما قيل : أيها المغتدي لتطلب علما كل علم عبد لعلم الرسول تطلب الفرع كي تصحح حكما
ثم أغفلت أصل أصل الأصول والله يهدينا وسائر إخواننا المؤمنين إلى صراطه المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .
وهذه الأصول ينبني عليها ما في القلوب ويتفرع عليها وقد
nindex.php?page=treesubj&link=28902ضرب الله مثل الكلمة الطيبة التي في قلوب المؤمنين ومثل الكلمة الخبيثة التي في قلوب الكافرين . و ( الكلمة هي قضية جازمة وعقيدة جامعة ونبينا صلى الله عليه وسلم أوتي فواتح الكلام وخواتمه وجوامعه ; فبعث بالعلوم الكلية والعلوم الأولية والآخرية على أتم قضية فالكلمة الطيبة في قلوب المؤمنين - وهي العقيدة الإيمانية التوحيدية - كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء فأصل
nindex.php?page=treesubj&link=29428_28902أصول الإيمان ثابت في قلب المؤمن كثبات أصل الشجرة الطيبة وفرعها في السماء {
nindex.php?page=tafseer&surano=3705&ayano=35إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه } والله سبحانه مثل الكلمة الطيبة أي : كلمة التوحيد بشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء .
فبين بذلك أن الكلمة الطيبة لها أصل ثابت في قلب المؤمن ولها فرع عال وهي ثابتة في قلب ثابت كما قال يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة فالمؤمن عنده يقين وطمأنينة والإيمان في قلبه ثابت مستقر وهو في نفسه ثابت على الإيمان مستقر لا يتحول عنه والكلمة الخبيثة {
nindex.php?page=tafseer&surano=1790&ayano=14كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض } استؤصلت واجتثت كما يقطع الشيء يجتث من فوق الأرض {
nindex.php?page=tafseer&surano=1790&ayano=14ما لها من قرار } لا مكان تستقر فيه ولا استقرار في المكان ; فإن القرار يراد به مكان الاستقرار كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1793&ayano=14وبئس القرار } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4237&ayano=40جعل لكم الأرض قرارا } .
ويقال : فلان ما له قرار أي ثبات وقد فسر القرار في الآية بهذا وهذا فالمبطل ليس قوله ثابتا في قلبه ولا هو ثابت فيه ولا يستقر كما قال تعالى في المثل الآخر : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1737&ayano=13فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض } فإنه وإن اعتقده مدة فإنه عند الحقيقة يخونه كالذي يشرك بالله فعند الحقيقة يضل عنه ما كان يدعو من دون الله . وكذلك الأفعال الباطلة التي يعتقدها الإنسان عند الحقيقة تخونه ولا تنفعه بل هي كالشجرة الخبيثة التي اجتثت من فوق الأرض ما لها
[ ص: 160 ] من قرار فمن كان معه كلمة طيبة أصلها ثابت كان له فرع في السماء يوصله إلى الله فإنه سبحانه {
nindex.php?page=tafseer&surano=3705&ayano=35إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه } ومن لم يكن معه أصل ثابت فإنه يحرم الوصول ; لأنه ضيع الأصول ; ولهذا تجد أهل البدع والشبهات لا يصلون إلى غاية محمودة كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1734&ayano=13له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال } .
nindex.php?page=treesubj&link=28829_28836وَكَلَامُ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ فِي ذَمِّ الجهمية كَثِيرٌ مَشْهُورٌ فَإِنَّ مَرَضَ التَّعْطِيلِ شَرٌّ مِنْ مَرَضِ التَّجْسِيمِ وَإِنَّمَا كَانَ
السَّلَفُ يَذُمُّونَ الْمُشَبِّهَةَ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَإِسْحَاقُ بْنُ راهويه وَغَيْرُهُمَا قَالُوا : الْمُشَبِّهَةُ الَّذِينَ يَقُولُونَ : بَصَرٌ كَبَصَرِي وَيَدٌ كَيَدِي وَقَدَمٌ كَقَدَمِي
nindex.php?page=treesubj&link=28783_29445وَابْنُ كِلَابٍ وَمَنْ تَبِعَهُ أَثْبَتُوا الصِّفَاتِ الَّتِي لَا تَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ [ فَأَمَّا الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ ] فَيَنْفُونَهَا قَالُوا لِأَنَّهَا حَادِثَةٌ وَلَوْ قَامَتْ بِهِ الْحَوَادِثُ لَكَانَ حَادِثًا لِأَنَّ مَا قَبِلَ الشَّيْءَ لَمْ يَخْلُ عَنْهُ وَعَنْ ضِدِّهِ فَلَوْ قَبِلَ بَعْضَ هَذِهِ الْحَوَادِثِ لَمْ يَخْلُ مِنْهُ وَمِنْ ضِدِّهِ فَلَمْ يَخْلُ مِنْ الْحَوَادِثِ فَيَكُونُ حَادِثًا .
و "
nindex.php?page=showalam&ids=17017مُحَمَّدُ بْنُ كَرَّامٍ " كَانَ بَعْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13464ابْنِ كِلَابٍ فِي عَصْرِ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ أَثْبَتَ أَنَّهُ يُوصَفُ بِالصِّفَاتِ الاختياريات وَيَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ ; وَلَكِنْ عِنْدَهُ يَمْتَنِعُ أَنَّهُ كَانَ فِي الْأَزَلِ مُتَكَلِّمًا بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ ; لِامْتِنَاعِ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا فَلَمْ يَقُلْ بِقَوْلِ
السَّلَفِ إنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ بَلْ قَالَ : إنَّهُ صَارَ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ كَمَا صَارَ يَفْعَلُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ .
وَقَالَ : هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ :
[ ص: 155 ] إنَّ الْحَوَادِثَ الَّتِي تَقُومُ بِهِ لَا يَخْلُو مِنْهَا وَلَا يَزُولُ عَنْهَا ; لِأَنَّهُ لَوْ قَامَتْ بِهِ الْحَوَادِثُ ثُمَّ زَالَتْ عَنْهُ كَانَ قَابِلًا لِحُدُوثِهَا وَزَوَالِهَا وَإِذَا كَانَ قَابِلًا لِذَلِكَ لَمْ يَخْلُ مِنْهُ وَمَا لَمْ يَخْلُ مِنْ الْحَوَادِثِ فَهُوَ حَادِثٌ وَإِنَّمَا يُقْبَلُ عَلَى أَصْلِهِمْ أَنَّهُ تَقُومُ بِهِ الْحَوَادِثُ فَقَطْ كَمَا يُقْبَلُ أَنْ يَفْعَلَهَا وَيُحْدِثَهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا لَمْ تَخْلُ مِنْهُ كَمَا لَمْ يَلْزَمْ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ فَاعِلًا لَهَا وَالْحُدُوثُ عِنْدَهُمْ غَيْرُ الْإِحْدَاثِ وَالْقُرْآنُ عِنْدَهُمْ حَادِثٌ لَا مُحْدَثٌ ; لِأَنَّ الْمُحْدَثَ يَفْتَقِرُ إلَى إحْدَاثٍ بِخِلَافِ الْحُدُوثِ . وَهُمْ إذَا قَالُوا : كَانَ خَالِيًا مِنْهَا فِي الْأَزَلِ وَكَانَ سَاكِنًا لَمْ يَقُولُوا إنَّهُ قَامَ بِهِ حَادِثٌ ; بَلْ يَقُولُونَ السُّكُونُ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ كَمَا يَقُولُهُ
الْفَلَاسِفَةُ ; وَلَكِنَّ الْحَرَكَةَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ ; بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ [ مَنْ يَقُولُهُ ] مِنْ
الْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ : إنَّ السُّكُونَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ كَالْحَرَكَةِ فَإِذَا حَصَلَ بِهِ حَادِثٌ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ عَدَمُ هَذَا الْحَادِثِ فَإِنَّمَا يَعْدَمُ الْحَادِثُ بِإِحْدَاثِ يَقُومُ بِهِ وَهَذَا مُمْتَنِعٌ وَهُمْ يَقُولُونَ : إنَّهُ يَمْتَنِعُ عَدَمُ الْجِسْمِ وَعِنْدَهُمْ أَنَّ الْبَارِيَ يَقُومُ بِهِ إحْدَاثُ الْمَخْلُوقَاتِ وَإِفْنَاؤُهَا فَالْحَوَادِثُ الَّتِي تَقُومُ بِهِمْ تَقُومُ بِهِ لَوْ أَفْنَاهَا لَقَامَ بِهِ الْإِحْدَاثُ وَالْإِفْنَاءُ فَكَانَ قَابِلًا لِأَنْ يَحْدُثَ فِيهِ حَادِثٌ وَيَفْنَى ذَلِكَ الْحَادِثُ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ مِنْ إحْدَاثٍ وَإِفْنَاءٍ فَلَمْ يَخْلُ مِنْ الْحَوَادِثِ وَمَا لَمْ يَخْلُ مِنْهَا فَهُوَ حَادِثٌ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَابِلَ لِلشَّيْءِ لَا يَخْلُو عَنْهُ وَعَنْ ضِدِّهِ كَمَا قَالَتْ
الكلابية ; لَكِنَّ
الْمُعْتَزِلَةَ يَقُولُونَ :
[ ص: 156 ] السُّكُونُ ضِدُّ الْحَرَكَةِ فَالْقَابِلُ لِأَحَدِهِمَا لَا يَخْلُو عَنْهُ وَعَنْ الْآخَرِ .
وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ : السُّكُونُ لَيْسَ بِضِدِّ وُجُودِي ; بَلْ هُوَ عَدَمِيٌّ وَإِنَّمَا الْوُجُودِيُّ هُوَ الْإِحْدَاثُ وَالْإِفْنَاءُ فَلَوْ قَبِلَ قِيَامَ الْإِحْدَاثِ وَالْإِفْنَاءِ بِهِ لَكَانَ قَابِلًا لِقِيَامِ الْأَضْدَادِ الْوُجُودِيَّةِ وَالْقَابِلُ لِلشَّيْءِ لَا يَخْلُو عَنْهُ وَعَنْ ضِدِّهِ . وَهَؤُلَاءِ لَمَّا أَرَادَ مُنَازِعُوهُمْ إبْطَالَ قَوْلِهِمْ كَانَ عُمْدَتُهُمْ بَيَانَ تَنَاقُضِ أَقْوَالِهِمْ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ
أَبُو الْمَعَالِي وَأَتْبَاعُهُ وَكَمَا ذَكَرَ
الآمدي تَنَاقُضَهُمْ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ .
قَدْ ذُكِرَتْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَغَايَتُهُمَا أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى مُنَاقَضَتِهِمْ لَا عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِ الْمُنَازِعِ . وَثَمَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29442_28743_29445طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ تَقُولُ : إنَّهُ تَقُومُ بِهِ الْحَوَادِثُ وَتَزُولُ وَإِنَّهُ كَلَّمَ مُوسَى بِصَوْتِ وَذَلِكَ الصَّوْتُ عَدَمٌ وَهَذَا مَذْهَبُ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ مِنْ
السَّلَفِ وَغَيْرِهِمْ وَأَظُنُّ
الكرامية لَهُمْ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ وَإِلَّا
nindex.php?page=treesubj&link=29442_28743_29445فَالْقَوْلُ بِفَنَاءِ الصَّوْتِ الَّذِي كَلَّمَ بِهِ مُوسَى مِنْ جِنْسِ الْقَوْلِ بِقِدَمِهِ كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ مِنْ
السالمية وَغَيْرِهِمْ وَمِنْ
الْحَنْبَلِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ يَقُولُ : إنَّهُ كَلَّمَ
مُوسَى بِصَوْتِ سَمِعَهُ
مُوسَى وَذَلِكَ الصَّوْتُ قَدِيمٌ وَهَذَا الْقَوْلُ يُعْرَفُ فَسَادُهُ بِبَدِيهَةِ الْعَقْلِ وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ كَلَّمَهُ بِصَوْتِ حَادِثٍ وَأَنَّ ذَلِكَ الصَّوْتَ بَاقٍ لَا يَزَالُ هُوَ وَسَائِرُ مَا يَقُومُ بِهِ مِنْ الْحَوَادِثِ هِيَ أَقْوَالٌ يُعْرَفُ فَسَادُهَا بِالْبَدِيهَةِ .
[ ص: 157 ] وَإِنَّمَا أَوْقَعَ هَذِهِ الطَّوَائِفَ فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ ذَلِكَ الْأَصْلُ الَّذِي تَلَقَّوْهُ عَنْ
الجهمية وَهُوَ أَنَّ مَا لَمْ يَخْلُ مِنْ الْحَوَادِثِ فَهُوَ حَادِثٌ وَهُوَ بَاطِلٌ عَقْلًا وَشَرْعًا وَهَذَا الْأَصْلُ فَاسِدٌ مُخَالِفٌ لِلْعَقْلِ وَالشَّرْعِ وَبِهِ اسْتَطَالَتْ عَلَيْهِمْ
الْفَلَاسِفَةُ الدَّهْرِيَّةُ فَلَا لِلْإِسْلَامِ نَصَرُوا وَلَا لِعَدُوِّهِ كَسَرُوا . بَلْ قَدْ خَالَفُوا
السَّلَفَ وَالْأَئِمَّةَ وَخَالَفُوا الْعَقْلَ وَالشَّرْعَ وَسَلَّطُوا عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ عَدُوَّهُمْ مِنْ
الْفَلَاسِفَةِ وَالدَّهْرِيَّةِ وَالْمَلَاحِدَةِ بِسَبَبِ غَلَطِهِمْ فِي هَذَا الْأَصْلِ الَّذِي جَعَلُوهُ أَصْلَ دِينِهِمْ وَلَوْ اعْتَصَمُوا بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ لَوَافَقُوا الْمَنْقُولَ وَالْمَعْقُولَ وَثَبَتَ لَهُمْ الْأَصْلُ ; وَلَكِنْ ضَيَّعُوا الْأُصُولَ فَحُرِمُوا الْوُصُولَ ; وَالْأُصُولُ اتِّبَاعُ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ . وَأَحْدَثُوا أُصُولًا ظَنُّوا أَنَّهَا أُصُولٌ ثَابِتَةٌ وَكَانَتْ كَمَا ضَرَبَ اللَّهُ الْمَثَلَيْنِ : مِثْلَ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرَةِ . فَقَالَ فِي الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1353&ayano=9أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1788&ayano=14ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1789&ayano=14تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1790&ayano=14وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1791&ayano=14يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ } وَالْأُصُولُ مَأْخُوذَةٌ
[ ص: 158 ] مِنْ أُصُولِ الشَّجَرَةِ وَأَسَاسِ الْبِنَاءِ ; وَلِهَذَا يُقَالُ فِيهِ الْأَصْلُ مَا اُبْتُنِيَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ أَوْ مَا تَفَرَّعَ عَنْهُ غَيْرُهُ .
فَالْأُصُولُ الثَّابِتَةُ هِيَ أُصُولُ الْأَنْبِيَاءِ كَمَا قِيلَ : أَيُّهَا الْمُغْتَدِي لِتَطْلُبَ عِلْمًا كُلُّ عِلْمِ عَبْدٍ لِعِلْمِ الرَّسُولِ تَطْلُبُ الْفَرْعَ كَيْ تُصَحِّحَ حُكْمًا
ثُمَّ أَغْفَلْت أَصْلَ أَصْلِ الْأُصُولِ وَاَللَّهُ يَهْدِينَا وَسَائِرُ إخْوَانِنَا الْمُؤْمِنِينَ إلَى صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ صِرَاطِ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا .
وَهَذِهِ الْأُصُولُ يَنْبَنِي عَلَيْهَا مَا فِي الْقُلُوبِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهَا وَقَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=28902ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلَ الْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ الَّتِي فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَثَلَ الْكَلِمَةِ الْخَبِيثَةِ الَّتِي فِي قُلُوبِ الْكَافِرِينَ . و ( الْكَلِمَةُ هِيَ قَضِيَّةٌ جَازِمَةٌ وَعَقِيدَةٌ جَامِعَةٌ وَنَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُوتِيَ فَوَاتِحَ الْكَلَامِ وَخَوَاتِمَهُ وَجَوَامِعَهُ ; فَبَعَثَ بِالْعُلُومِ الْكُلِّيَّةِ وَالْعُلُومِ الْأَوَّلِيَّةِ والآخرية عَلَى أَتَمِّ قَضِيَّةٍ فَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ - وَهِيَ الْعَقِيدَةُ الْإِيمَانِيَّةُ التَّوْحِيدِيَّةُ - كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ فَأَصْلُ
nindex.php?page=treesubj&link=29428_28902أُصُولِ الْإِيمَانِ ثَابِتٌ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ كَثَبَاتِ أَصْلِ الشَّجَرَةِ الطَّيِّبَةِ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=3705&ayano=35إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ مَثَّلَ الْكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ أَيْ : كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ بِشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ .
فَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ الْكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ لَهَا أَصْلٌ ثَابِتٌ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ وَلَهَا فَرْعٌ عَالٍ وَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي قَلْبٍ ثَابِتٍ كَمَا قَالَ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ فَالْمُؤْمِنُ عِنْدَهُ يَقِينٌ وَطُمَأْنِينَةٌ وَالْإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ ثَابِتٌ مُسْتَقِرٌّ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ ثَابِتٌ عَلَى الْإِيمَانِ مُسْتَقَرٌّ لَا يَتَحَوَّلُ عَنْهُ وَالْكَلِمَةُ الْخَبِيثَةُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1790&ayano=14كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ } اُسْتُؤْصِلَتْ وَاجْتُثَّتْ كَمَا يُقْطَعُ الشَّيْءُ يُجْتَثُّ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1790&ayano=14مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ } لَا مَكَانَ تَسْتَقِرُّ فِيهِ وَلَا اسْتِقْرَارَ فِي الْمَكَانِ ; فَإِنَّ الْقَرَارَ يُرَادُ بِهِ مَكَانُ الِاسْتِقْرَارِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1793&ayano=14وَبِئْسَ الْقَرَارُ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4237&ayano=40جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا } .
وَيُقَالُ : فُلَانٌ مَا لَهُ قَرَارٌ أَيْ ثَبَاتٌ وَقَدْ فُسِّرَ الْقَرَارُ فِي الْآيَةِ بِهَذَا وَهَذَا فَالْمُبْطِلُ لَيْسَ قَوْلُهُ ثَابِتًا فِي قَلْبِهِ وَلَا هُوَ ثَابِتٌ فِيهِ وَلَا يَسْتَقِرُّ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْمَثَلِ الْآخَرِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1737&ayano=13فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ } فَإِنَّهُ وَإِنْ اعْتَقَدَهُ مُدَّةً فَإِنَّهُ عِنْدَ الْحَقِيقَةِ يَخُونُهُ كَاَلَّذِي يُشْرِكُ بِاَللَّهِ فَعِنْدَ الْحَقِيقَةِ يَضِلُّ عَنْهُ مَا كَانَ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ . وَكَذَلِكَ الْأَفْعَالُ الْبَاطِلَةُ الَّتِي يَعْتَقِدُهَا الْإِنْسَانُ عِنْدَ الْحَقِيقَةِ تَخُونُهُ وَلَا تَنْفَعُهُ بَلْ هِيَ كَالشَّجَرَةِ الْخَبِيثَةِ الَّتِي اُجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا
[ ص: 160 ] مِنْ قَرَارٍ فَمَنْ كَانَ مَعَهُ كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ أَصْلُهَا ثَابِتٌ كَانَ لَهُ فَرْعٌ فِي السَّمَاءِ يُوَصِّلُهُ إلَى اللَّهِ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=3705&ayano=35إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَصْلٌ ثَابِتٌ فَإِنَّهُ يُحْرَمُ الْوُصُولَ ; لِأَنَّهُ ضَيَّعَ الْأُصُولَ ; وَلِهَذَا تَجِدُ أَهْلَ الْبِدَعِ وَالشُّبُهَاتِ لَا يَصِلُونَ إلَى غَايَةٍ مَحْمُودَةٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1734&ayano=13لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إلَّا فِي ضَلَالٍ } .