وهذا
nindex.php?page=treesubj&link=28655التوحيد : هو عبادة الله وحده لا شريك له . وأن لا نعبده إلا بما أحبه وما رضيه . وهو ما أمر به وشرعه على ألسن رسله - صلوات الله عليهم - فهو متضمن لطاعته وطاعة رسوله وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه وأن يكون الله ورسوله أحب إلى العبد من كل ما سواهما . وهو يتضمن : أن يحب الله حبا لا يماثله ولا يساويه فيه غيره بل يقتضي : أن يكون رسوله صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه . فإذا كان الرسول - لأجل أنه رسول الله - يجب أن يكون أحب إلى المؤمن من نفسه فكيف بربه سبحانه وتعالى ؟ .
وفي صحيح
البخاري {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597594أن عمر قال يا رسول الله والله إنك لأحب إلي من كل شيء إلا من نفسي فقال : لا يا عمر حتى أكون [ ص: 379 ] أحب إليك من نفسك . قال : فوالذي بعثك بالحق إنك لأحب إلي من نفسي قال : الآن يا عمر } .
وقد قال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3572&ayano=33النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1268&ayano=9قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين } . فإن لم يكن الله ورسوله والجهاد في سبيله : أحب إلى العبد من الأهل والمال - على اختلاف أنواعه - فإنه داخل تحت هذا الوعيد .
فهذا التوحيد -
nindex.php?page=treesubj&link=28663توحيد الإلهية - يتضمن فعل المأمور وترك المحظور . ومن ذلك : الصبر على المقدور كما أن الأول يتضمن الإقرار بأنه لا خالق ولا رازق ولا معطي ولا مانع إلا الله وحده . فيقتضي : أن لا يسأل العبد غيره ولا يتوكل إلا عليه ولا يستعين إلا به كما قال تعالى في النوعين {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1إياك نعبد وإياك نستعين } وقال {
nindex.php?page=tafseer&surano=1607&ayano=11فاعبده وتوكل عليه }
.
[ ص: 380 ] وهذا التوحيد : هو الفارق بين الموحدين والمشركين . وعليه يقع الجزاء والثواب في الأولى والآخرة . فمن لم يأت به كان من المشركين الخالدين . فإن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء . أما
nindex.php?page=treesubj&link=28657توحيد الربوبية : فقد أقر به المشركون وكانوا يعبدون مع الله غيره ويحبونهم كما يحبونه . فكان ذلك التوحيد - الذي هو توحيد الربوبية - حجة عليهم .
فإذا كان الله هو رب كل شيء ومليكه ولا خالق ولا رازق إلا هو . فلماذا يعبدون غيره معه وليس له عليهم خلق ولا رزق ولا بيده لهم منع ولا عطاء بل هو عبد مثلهم لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا فإن قالوا " ليشفع " فقد قال الله {
nindex.php?page=tafseer&surano=264&ayano=2من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } فلا يشفع من له شفاعة - من الملائكة والنبيين - إلا بإذنه . وأما قبورهم - وما نصب عليها من قباب وأنصاب - أو تماثيلهم - التي مثلت على صورهم مجسدة أو مرقومة - فجعل الاستشفاع بها استشفاعا بهم فهذا باطل عقلا وشرعا . فإنها لا شفاعة لها بحال ولا لسائر الأصنام التي عملت للكواكب والجن والصالحين وغيرهم .
[ ص: 381 ] وإذا كان
nindex.php?page=treesubj&link=29690_28768الله لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه ولا يشفعون إلا لمن ارتضى : فما بقي الشفعاء شركاء كشفاعة المخلوق عند المخلوق .
فإن المخلوق يشفع عنده نظيره - أو من هو أعلى منه أو دونه - بدون إذن المشفوع إليه . ويقبل المشفوع إليه ولا بد شفاعته : إما لرغبته إليه أو فيما عنده من قوة أو سبب ينفعه به أو يدفع عنه ما يخشاه وإما لرهبته منه وإما لمحبته إياه وإما للمعاوضة بينهما والمعاونة وإما لغير ذلك من الأسباب . وتكون شفاعة الشفيع : هي التي حركت إرادة المشفوع إليه وجعلته مريدا للشفاعة بعد أن لم يكن مريدا لها . كأمر الآمر الذي يؤثر في المأمور . فيفعل ما أمره به بعد أن لم يكن مريدا لفعله .
وكذلك سؤال المخلوق للمخلوق : فإنه قد يكون محركا له إلى فعل ما سأله . فالشفيع : كما أنه شافع للطالب شفاعته في الطلب . فهو أيضا قد شفع المشفوع إليه . فبشفاعته صار المشفوع إليه فاعلا للمطلوب . فقد شفع الطالب والمطلوب . والله تعالى وتر لا يشفعه أحد . فلا يشفع عنده أحد إلا بإذنه
[ ص: 382 ] فالأمر كله إليه وحده . فلا شريك له بوجه . ولهذا ذكر سبحانه نفي ذلك في آية الكرسي التي فيها تقرير التوحيد .
فقال {
nindex.php?page=tafseer&surano=264&ayano=2الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } . وسيد الشفعاء صلى الله عليه وسلم يوم القيامة . إذا سجد وحمد ربه . يقال له " ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعطه واشفع تشفع فيحد له حدا . فيدخلهم الجنة " فالأمر كله لله . كما قال {
nindex.php?page=tafseer&surano=450&ayano=3قل إن الأمر كله لله } وقال لرسوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=424&ayano=3ليس لك من الأمر شيء } وقال {
nindex.php?page=tafseer&surano=1015&ayano=7ألا له الخلق والأمر }
. فإذا كان لا يشفع عند الله أحد إلا بإذنه . فهو يأذن لمن يشاء ولكن يكرم الشفيع بقبول الشفاعة . كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597595اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء } . وإذا دعاه الداعي وشفع عنده الشفيع . فسمع الدعاء وقبل الشفاعة : لم يكن هذا مؤثرا فيه . كما يؤثر المخلوق في المخلوق . فإنه سبحانه هو الذي جعل هذا يدعو وهذا يشفع .
وهو الخالق لأفعال العباد . فهو الذي وفق العبد للتوبة ثم قبلها . وهو الذي وفقه للعمل ثم أثابه عليه . وهو الذي وفقه للدعاء ثم أجابه . فما يؤثر فيه شيء
[ ص: 383 ] من المخلوقات . بل هو سبحانه الذي جعل ما يفعله سببا لما يفعله . وهذا مستقيم على أصول أهل السنة المؤمنين بالقدر وأن الله خالق كل شيء وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن .
ولا يكون شيء إلا بمشيئته . وهو خالق أفعال العباد كما هو خالق سائر المخلوقات . قال
يحيى بن سعيد القطان : ما زلت أسمع أصحابنا يقولون : إن
nindex.php?page=treesubj&link=28785الله خالق أفعال العباد . ولكن هذا يناقض قول
القدرية . فإنهم إذا جعلوا العبد هو الذي يحدث ويخلق أفعاله بدون مشيئة الله وخلقه : لزمهم أن يكون العبد قد جعل ربه فاعلا لما لم يكن فاعلا له . فبدعائه جعله مجيبا له وبتوبته جعله قابلا للتوبة وبشفاعته جعله قابلا للشفاعة . وهذا يشبه قول من جعل المخلوق يشفع عند الله بغير إذنه . فإن " الإذن " نوعان : إذن بمعنى المشيئة والخلق وإذن بمعنى الإباحة والإجازة . فمن الأول : قوله في السحر {
nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=2وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله } فإن ذلك بمشيئة الله وقدرته . وإلا فهو لم يبح السحر .
[ ص: 384 ] والقدرية تنكر هذا " الإذن " وحقيقة قولهم : إن السحر يضر بدون إذن الله . وكذلك قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=462&ayano=3وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله } فإن الذي أصابهم من القتل والجراح والتمثيل والهزيمة : إذا كان بإذنه فهو خالق لأفعال الكفار ولأفعال المؤمنين .
والنوع الثاني : قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=3611&ayano=33إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3612&ayano=33وداعيا إلى الله بإذنه } وقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=5190&ayano=59ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله } فإن هذا يتضمن إباحته لذلك وإجازته له ورفع الجناح والحرج عن فاعله مع كونه بمشيئته وقضائه . فقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=264&ayano=2من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } هو هذا الإذن الكائن بقدره وشرعه . ولم يرد بمجرد المشيئة والقدر .
فإن السحر وانتصار الكفار على المؤمنين كان بذلك الإذن . فمن جعل العباد يفعلون أفعالهم بدون أن يكون الله خالقا لها وقادرا عليها ومشيئا لها فعنده : كل شافع وداع قد فعل ما فعل بدون خلق الله وقدرته وإن كان قد أباح الشفاعة .
وأما الكفر والسحر وقتال الكفار : فهو عندهم بغير إذنه
[ ص: 385 ] لا هذا الإذن ولا هذا الإذن . فإنه لم يبح ذلك باتفاق المسلمين . وعندهم : أنه لم يشأه ولم يخلقه . بل كان بدون مشيئته وخلقه . والمشركون المقرون بالقدر يقولون : إن الشفعاء يشفعون بالإذن القدري وإن لم يأذن لهم إباحة وجوازا . ومن كان مكذبا بالقدر - مثل كثير من
النصارى - يقولون : إن شفاعة الشفعاء بغير إذن لا قدري ولا شرعي .
والقدرية من المسلمين يقولون : يشفعون بغير إذن قدري . ومن سأل الله بغير إذنه الشرعي : فقد شفع عنده بغير إذن قدري ولا شرعي . فالداعي المأذون له في الدعاء : مؤثر في الله عندهم . لكن بإباحته . والداعي غير المأذون له : إذا أجاب دعاءه فقد أثر فيه عندهم لا بهذا الإذن ولا بهذا الإذن كدعاء
بلعام بن باعوراء وغيره .
والله تعالى يقول {
nindex.php?page=tafseer&surano=264&ayano=2من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } فإن قيل : فمن الشفعاء من يشفع بدون إذن الله الشرعي وإن
[ ص: 386 ] كان خالقا لفعله - كشفاعة
نوح لابنه وشفاعة
إبراهيم لأبيه وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم
لعبد الله بن أبي ابن سلول حين صلى عليه بعد موته . وقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=264&ayano=2من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } قد قلتم : إنه يعم النوعين . فإنه لو أراد الإذن القدري : لكان كل شفاعة داخلة في ذلك كما يدخل في ذلك كل كفر وسحر . ولم يكن فرق بين ما يكون بإذنه وما لا يكون بإذنه .
ولو أراد الإذن الشرعي فقط : لزم قول
القدرية . وهؤلاء قد شفعوا بغير إذن شرعي ؟ . قيل : المنفي من الشفاعة بلا إذن : هي الشفاعة التامة وهي المقبولة كما في قول المصلي " سمع الله لمن حمده " أي استجاب له . وكما في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=2هدى للمتقين } وقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=5836&ayano=79إنما أنت منذر من يخشاها } وقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=4725&ayano=50فذكر بالقرآن من يخاف وعيد } ونحو ذلك . فإن الهدى والإنذار والتذكير والتعليم لا بد فيه من قبول المتعلم . فإذا تعلم حصل له التعليم المقصود . وإلا قيل : علمته فلم يتعلم . كما قيل {
nindex.php?page=tafseer&surano=4276&ayano=41وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى } فكذلك الشفاعة .
وَهَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=28655التَّوْحِيدُ : هُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ . وَأَنْ لَا نَعْبُدَهُ إلَّا بِمَا أَحَبَّهُ وَمَا رَضِيَهُ . وَهُوَ مَا أَمَرَ بِهِ وَشَرَعَهُ عَلَى أَلْسُنِ رُسُلِهِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - فَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ وَمُوَالَاةِ أَوْلِيَائِهِ وَمُعَادَاةِ أَعْدَائِهِ وَأَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَى الْعَبْدِ مِنْ كُلِّ مَا سِوَاهُمَا . وَهُوَ يَتَضَمَّنُ : أَنْ يُحِبَّ اللَّهَ حُبًّا لَا يُمَاثِلُهُ وَلَا يُسَاوِيهِ فِيهِ غَيْرُهُ بَلْ يَقْتَضِي : أَنْ يَكُونَ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ . فَإِذَا كَانَ الرَّسُولُ - لِأَجْلِ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَحَبَّ إلَى الْمُؤْمِنِ مِنْ نَفْسِهِ فَكَيْفَ بِرَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ؟ .
وَفِي صَحِيحِ
الْبُخَارِيِّ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597594أَنَّ عُمَرَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاَللَّهِ إنَّك لَأَحَبُّ إلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إلَّا مِنْ نَفْسِي فَقَالَ : لَا يَا عُمَرُ حَتَّى أَكُونَ [ ص: 379 ] أَحَبَّ إلَيْك مِنْ نَفْسِك . قَالَ : فَوَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ إنَّك لَأَحَبُّ إلَيَّ مِنْ نَفْسِي قَالَ : الْآنَ يَا عُمَرُ } .
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3572&ayano=33النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1268&ayano=9قُلْ إنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } . فَإِنْ لَمْ يَكُنْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ : أَحَبَّ إلَى الْعَبْدِ مِنْ الْأَهْلِ وَالْمَالِ - عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ - فَإِنَّهُ دَاخِلٌ تَحْتِ هَذَا الْوَعِيدِ .
فَهَذَا التَّوْحِيدُ -
nindex.php?page=treesubj&link=28663تَوْحِيدُ الْإِلَهِيَّةِ - يَتَضَمَّنُ فِعْلَ الْمَأْمُورِ وَتَرْكَ الْمَحْظُورِ . وَمِنْ ذَلِكَ : الصَّبْرُ عَلَى الْمَقْدُورِ كَمَا أَنَّ الْأَوَّل يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِأَنَّهُ لَا خَالِقَ وَلَا رَازِقَ وَلَا مُعْطِيَ وَلَا مَانِعَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ . فَيَقْتَضِي : أَنْ لَا يَسْأَلَ الْعَبْدُ غَيْرَهُ وَلَا يَتَوَكَّلُ إلَّا عَلَيْهِ وَلَا يَسْتَعِينُ إلَّا بِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي النَّوْعَيْنِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } وَقَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1607&ayano=11فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ }
.
[ ص: 380 ] وَهَذَا التَّوْحِيدُ : هُوَ الْفَارِقُ بَيْنَ الْمُوَحِّدِينَ وَالْمُشْرِكِينَ . وَعَلَيْهِ يَقَعُ الْجَزَاءُ وَالثَّوَابُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ . فَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ الْخَالِدِينَ . فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ . أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28657تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ : فَقَدْ أَقَرَّ بِهِ الْمُشْرِكُونَ وَكَانُوا يَعْبُدُونَ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ وَيُحِبُّونَهُمْ كَمَا يُحِبُّونَهُ . فَكَانَ ذَلِكَ التَّوْحِيدُ - الَّذِي هُوَ تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ - حُجَّةً عَلَيْهِمْ .
فَإِذَا كَانَ اللَّهُ هُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكُهُ وَلَا خَالِقَ وَلَا رَازِقَ إلَّا هُوَ . فَلِمَاذَا يَعْبُدُونَ غَيْرَهُ مَعَهُ وَلَيْسَ لَهُ عَلَيْهِمْ خَلْقٌ وَلَا رِزْقٌ وَلَا بِيَدِهِ لَهُمْ مَنْعٌ وَلَا عَطَاءٌ بَلْ هُوَ عَبْدٌ مِثْلُهُمْ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا فَإِنْ قَالُوا " لِيَشْفَعَ " فَقَدْ قَالَ اللَّهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=264&ayano=2مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ } فَلَا يَشْفَعُ مَنْ لَهُ شَفَاعَةٌ - مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ - إلَّا بِإِذْنِهِ . وَأَمَّا قُبُورُهُمْ - وَمَا نُصِبَ عَلَيْهَا مِنْ قِبَابٍ وَأَنْصَابٍ - أَوْ تَمَاثِيلُهُمْ - الَّتِي مُثِّلَتْ عَلَى صُوَرِهِمْ مُجَسَّدَةً أَوْ مَرْقُومَةً - فَجَعْلُ الِاسْتِشْفَاعِ بِهَا اسْتِشْفَاعًا بِهِمْ فَهَذَا بَاطِلُ عَقْلًا وَشَرْعًا . فَإِنَّهَا لَا شَفَاعَةَ لَهَا بِحَالِ وَلَا لِسَائِرِ الْأَصْنَامِ الَّتِي عُمِلَتْ لِلْكَوَاكِبِ وَالْجِنِّ وَالصَّالِحِينَ وَغَيْرِهِمْ .
[ ص: 381 ] وَإِذَا كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=29690_28768اللَّهُ لَا يَشْفَعُ أَحَدٌ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا يَشْفَعُونَ إلَّا لِمَنْ ارْتَضَى : فَمَا بَقِيَ الشُّفَعَاءُ شُرَكَاءَ كَشَفَاعَةِ الْمَخْلُوقِ عِنْدَ الْمَخْلُوقِ .
فَإِنَّ الْمَخْلُوقَ يَشْفَعُ عِنْدَهُ نَظِيرُهُ - أَوْ مَنْ هُوَ أَعْلَى مِنْهُ أَوْ دُونَهُ - بِدُونِ إذْنِ الْمَشْفُوعِ إلَيْهِ . وَيَقْبَلُ الْمَشْفُوعُ إلَيْهِ وَلَا بُدَّ شَفَاعَتُهُ : إمَّا لِرَغْبَتِهِ إلَيْهِ أَوْ فِيمَا عِنْدَهُ مِنْ قُوَّةٍ أَوْ سَبَبٍ يَنْفَعُهُ بِهِ أَوْ يَدْفَعُ عَنْهُ مَا يَخْشَاهُ وَإِمَّا لِرَهْبَتِهِ مِنْهُ وَإِمَّا لِمَحَبَّتِهِ إيَّاهُ وَإِمَّا لِلْمُعَاوَضَةِ بَيْنَهُمَا وَالْمُعَاوَنَةِ وَإِمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ . وَتَكُونُ شَفَاعَةُ الشَّفِيعِ : هِيَ الَّتِي حَرَّكَتْ إرَادَةَ الْمَشْفُوعِ إلَيْهِ وَجَعَلَتْهُ مُرِيدًا لِلشَّفَاعَةِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُرِيدًا لَهَا . كَأَمْرِ الْآمِرِ الَّذِي يُؤَثِّرُ فِي الْمَأْمُورِ . فَيَفْعَلُ مَا أَمَرَهُ بِهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُرِيدًا لِفِعْلِهِ .
وَكَذَلِكَ سُؤَالُ الْمَخْلُوقِ لِلْمَخْلُوقِ : فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُحَرِّكًا لَهُ إلَى فِعْلِ مَا سَأَلَهُ . فَالشَّفِيعُ : كَمَا أَنَّهُ شَافِعٌ لِلطَّالِبِ شَفَاعَتَهُ فِي الطَّلَبِ . فَهُوَ أَيْضًا قَدْ شَفَّعَ الْمَشْفُوعَ إلَيْهِ . فَبِشَفَاعَتِهِ صَارَ الْمَشْفُوعُ إلَيْهِ فَاعِلًا لِلْمَطْلُوبِ . فَقَدْ شَفَعَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ . وَاَللَّهُ تَعَالَى وِتْرٌ لَا يُشَفِّعُهُ أَحَدٌ . فَلَا يَشْفَعُ عِنْدَهُ أَحَدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ
[ ص: 382 ] فَالْأَمْرُ كُلُّهُ إلَيْهِ وَحْدَهُ . فَلَا شَرِيكَ لَهُ بِوَجْهِ . وَلِهَذَا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ نَفْيَ ذَلِكَ فِي آيَةِ الْكُرْسِيِّ الَّتِي فِيهَا تَقْرِيرُ التَّوْحِيدِ .
فَقَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=264&ayano=2اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ } . وَسَيِّدُ الشُّفَعَاءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . إذَا سَجَدَ وَحَمِدَ رَبَّهُ . يُقَالُ لَهُ " ارْفَعْ رَأْسَك وَقُلْ يُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهُ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَيُحِدُّ لَهُ حَدًّا . فَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ " فَالْأَمْرُ كُلُّهُ لِلَّهِ . كَمَا قَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=450&ayano=3قُلْ إنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ } وَقَالَ لِرَسُولِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=424&ayano=3لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ } وَقَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1015&ayano=7أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ }
. فَإِذَا كَانَ لَا يَشْفَعُ عِنْدَ اللَّهِ أَحَدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ . فَهُوَ يَأْذَنُ لِمَنْ يَشَاءُ وَلَكِنْ يُكْرَمُ الشَّفِيعُ بِقَبُولِ الشَّفَاعَةِ . كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597595اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاءَ } . وَإِذَا دَعَاهُ الدَّاعِي وَشَفَعَ عِنْدَهُ الشَّفِيعُ . فَسَمِعَ الدُّعَاءَ وَقَبِلَ الشَّفَاعَةَ : لَمْ يَكُنْ هَذَا مُؤَثِّرًا فِيهِ . كَمَا يُؤَثِّرُ الْمَخْلُوقُ فِي الْمَخْلُوقِ . فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي جَعَلَ هَذَا يَدْعُو وَهَذَا يَشْفَعُ .
وَهُوَ الْخَالِقُ لِأَفْعَالِ الْعِبَادِ . فَهُوَ الَّذِي وَفَّقَ الْعَبْدَ لِلتَّوْبَةِ ثُمَّ قَبِلَهَا . وَهُوَ الَّذِي وَفَّقَهُ لِلْعَمَلِ ثُمَّ أَثَابَهُ عَلَيْهِ . وَهُوَ الَّذِي وَفَّقَهُ لِلدُّعَاءِ ثُمَّ أَجَابَهُ . فَمَا يُؤَثِّرُ فِيهِ شَيْءٌ
[ ص: 383 ] مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ . بَلْ هُوَ سُبْحَانَهُ الَّذِي جَعَلَ مَا يَفْعَلُهُ سَبَبًا لِمَا يَفْعَلُهُ . وَهَذَا مُسْتَقِيمٌ عَلَى أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْقَدَرِ وَأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَأَنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ .
وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ إلَّا بِمَشِيئَتِهِ . وَهُوَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ كَمَا هُوَ خَالِقُ سَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ . قَالَ
يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ : مَا زِلْت أَسْمَعُ أَصْحَابَنَا يَقُولُونَ : إنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28785اللَّهَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ . وَلَكِنَّ هَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَ
الْقَدَرِيَّةِ . فَإِنَّهُمْ إذَا جَعَلُوا الْعَبْدَ هُوَ الَّذِي يُحْدِثُ وَيَخْلُقُ أَفْعَالَهُ بِدُونِ مَشِيئَةِ اللَّهِ وَخَلْقِهِ : لَزِمَهُمْ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ قَدْ جَعَلَ رَبَّهُ فَاعِلًا لِمَا لَمْ يَكُنْ فَاعِلًا لَهُ . فَبِدُعَائِهِ جَعَلَهُ مُجِيبًا لَهُ وَبِتَوْبَتِهِ جَعَلَهُ قَابِلًا لِلتَّوْبَةِ وَبِشَفَاعَتِهِ جَعَلَهُ قَابِلًا لِلشَّفَاعَةِ . وَهَذَا يُشْبِهُ قَوْلَ مَنْ جَعَلَ الْمَخْلُوقَ يَشْفَعُ عِنْدَ اللَّهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ . فَإِنَّ " الْإِذْنَ " نَوْعَانِ : إذْنٌ بِمَعْنَى الْمَشِيئَةِ وَالْخَلْقِ وَإِذْنٌ بِمَعْنَى الْإِبَاحَةِ وَالْإِجَازَةِ . فَمِنْ الْأَوَّلِ : قَوْلُهُ فِي السِّحْرِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=2وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ } فَإِنَّ ذَلِكَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ . وَإِلَّا فَهُوَ لَمْ يُبِحْ السِّحْرَ .
[ ص: 384 ] وَالْقَدَرِيَّةُ تُنْكِرُ هَذَا " الْإِذْنَ " وَحَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ : إنَّ السِّحْرَ يَضُرُّ بِدُونِ إذْنِ اللَّهِ . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=462&ayano=3وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ } فَإِنَّ الَّذِي أَصَابَهُمْ مِنْ الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ وَالتَّمْثِيلِ وَالْهَزِيمَةِ : إذَا كَانَ بِإِذْنِهِ فَهُوَ خَالِقٌ لِأَفْعَالِ الْكُفَّارِ وَلِأَفْعَالِ الْمُؤْمِنِينَ .
وَالنَّوْعُ الثَّانِي : قَوْلُهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=3611&ayano=33إنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3612&ayano=33وَدَاعِيًا إلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ } وَقَوْلُهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=5190&ayano=59مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ } فَإِنَّ هَذَا يَتَضَمَّنُ إبَاحَتَهُ لِذَلِكَ وَإِجَازَتَهُ لَهُ وَرَفْعَ الْجُنَاحِ وَالْحَرَجِ عَنْ فَاعِلِهِ مَعَ كَوْنِهِ بِمَشِيئَتِهِ وَقَضَائِهِ . فَقَوْلُهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=264&ayano=2مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ } هُوَ هَذَا الْإِذْنُ الْكَائِنُ بِقَدَرِهِ وَشَرْعِهِ . وَلَمْ يُرِدْ بِمُجَرَّدِ الْمَشِيئَةِ وَالْقَدَرِ .
فَإِنَّ السِّحْرَ وَانْتِصَارَ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كَانَ بِذَلِكَ الْإِذْنُ . فَمَنْ جَعَلَ الْعِبَادَ يَفْعَلُونَ أَفْعَالَهُمْ بِدُونِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ خَالِقًا لَهَا وَقَادِرًا عَلَيْهَا وَمُشِيئًا لَهَا فَعِنْدَهُ : كُلُّ شَافِعٍ وَدَاعٍ قَدْ فَعَلَ مَا فَعَلَ بِدُونِ خَلْقِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَبَاحَ الشَّفَاعَةَ .
وَأَمَّا الْكُفْرُ وَالسِّحْرُ وَقِتَالُ الْكُفَّارِ : فَهُوَ عِنْدُهُمْ بِغَيْرِ إذْنِهِ
[ ص: 385 ] لَا هَذَا الْإِذْنُ وَلَا هَذَا الْإِذْنُ . فَإِنَّهُ لَمْ يُبِحْ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ . وَعِنْدَهُمْ : أَنَّهُ لَمْ يَشَأْهُ وَلَمْ يَخْلُقْهُ . بَلْ كَانَ بِدُونِ مَشِيئَتِهِ وَخَلْقِهِ . وَالْمُشْرِكُونَ الْمُقِرُّونَ بِالْقَدَرِ يَقُولُونَ : إنَّ الشُّفَعَاءَ يَشْفَعُونَ بِالْإِذْنِ الْقَدَرِيِّ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ إبَاحَةً وَجَوَازًا . وَمَنْ كَانَ مُكَذِّبًا بِالْقَدَرِ - مِثْلَ كَثِيرٍ مِنْ
النَّصَارَى - يَقُولُونَ : إنَّ شَفَاعَةَ الشُّفَعَاءِ بِغَيْرِ إذْنٍ لَا قَدَرِيٍّ وَلَا شَرْعِيٍّ .
وَالْقَدَرِيَّةُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَ : يَشْفَعُونَ بِغَيْرِ إذْنٍ قَدَرِيٍّ . وَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ بِغَيْرِ إذْنِهِ الشَّرْعِيِّ : فَقَدْ شَفَعَ عِنْدَهُ بِغَيْرِ إذْنٍ قَدَرِيٍّ وَلَا شَرْعِيٍّ . فَالدَّاعِي الْمَأْذُونُ لَهُ فِي الدُّعَاءِ : مُؤَثِّرٌ فِي اللَّهِ عِنْدَهُمْ . لَكِنْ بِإِبَاحَتِهِ . وَالدَّاعِي غَيْرُ الْمَأْذُونِ لَهُ : إذَا أَجَابَ دُعَاءَهُ فَقَدْ أَثَّرَ فِيهِ عِنْدَهُمْ لَا بِهَذَا الْإِذْنِ وَلَا بِهَذَا الْإِذْنِ كَدُعَاءِ
بلعام بْنِ باعوراء وَغَيْره .
وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=264&ayano=2مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ } فَإِنْ قِيلَ : فَمِنْ الشُّفَعَاءِ مَنْ يَشْفَعُ بِدُونِ إذْنِ اللَّهِ الشَّرْعِيِّ وَإِنْ
[ ص: 386 ] كَانَ خَالِقًا لِفِعْلِهِ - كَشَفَاعَةِ
نُوحٍ لِابْنِهِ وَشَفَاعَةِ
إبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ وَشَفَاعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي ابْنِ سلول حِينَ صَلَّى عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ . وَقَوْلُهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=264&ayano=2مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ } قَدْ قُلْتُمْ : إنَّهُ يَعُمُّ النَّوْعَيْنِ . فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْإِذْنَ الْقَدَرِيَّ : لَكَانَ كُلُّ شَفَاعَةٍ دَاخِلَةٌ فِي ذَلِكَ كَمَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ كُلُّ كُفْرٍ وَسِحْرٍ . وَلَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ مَا يَكُونُ بِإِذْنِهِ وَمَا لَا يَكُونُ بِإِذْنِهِ .
وَلَوْ أَرَادَ الْإِذْنَ الشَّرْعِيَّ فَقَطْ : لَزِمَ قَوْلُ
الْقَدَرِيَّةِ . وَهَؤُلَاءِ قَدْ شَفَعُوا بِغَيْرِ إذْنٍ شَرْعِيٍّ ؟ . قِيلَ : الْمَنْفِيُّ مِنْ الشَّفَاعَةِ بِلَا إذْنٍ : هِيَ الشَّفَاعَةُ التَّامَّةُ وَهِيَ الْمَقْبُولَةُ كَمَا فِي قَوْلِ الْمُصَلِّي " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " أَيْ اسْتَجَابَ لَهُ . وَكَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=2هُدًى لِلْمُتَّقِينَ } وَقَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=5836&ayano=79إنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا } وَقَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4725&ayano=50فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ } وَنَحْوِ ذَلِكَ . فَإِنَّ الْهُدَى وَالْإِنْذَارَ وَالتَّذْكِيرَ وَالتَّعْلِيمَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ قَبُولِ الْمُتَعَلِّمِ . فَإِذَا تَعَلَّمَ حَصَلَ لَهُ التَّعْلِيمُ الْمَقْصُودُ . وَإِلَّا قِيلَ : عَلَّمْته فَلَمْ يَتَعَلَّمْ . كَمَا قِيلَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4276&ayano=41وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى } فَكَذَلِكَ الشَّفَاعَةُ .