قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم } الآية إلى قوله : { وقال تعالى : { وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون } . فأمر الله سبحانه الرجال والنساء بالغض من البصر وحفظ الفرج كما أمرهم جميعا بالتوبة وأمر النساء خصوصا بالاستتار وأن لا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ومن استثناه الله تعالى في الآية فما ظهر من الزينة هو الثياب الظاهرة فهذا لا جناح عليها في إبدائها إذا لم يكن في ذلك محذور آخر ; فإن هذه لا بد من إبدائها وهذا قول ابن مسعود وغيره وهو المشهور عن أحمد . وقال ابن عباس : الوجه واليدان من الزينة الظاهرة وهي الرواية الثانية عن أحمد وهو قول طائفة من العلماء كالشافعي وغيره .
لئلا يعرفن ولا يؤذين وهذا دليل على القول الأول وقد ذكر وأمر سبحانه النساء بإرخاء الجلابيب عبيدة السلماني وغيره : أن نساء المؤمنين كن يدنين عليهن الجلابيب من فوق رءوسهن حتى لا يظهر إلا عيونهن لأجل رؤية الطريق وثبت في الصحيح : { } وهذا مما يدل على أن النقاب [ ص: 372 ] والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن . أن المرأة المحرمة تنهى عن الانتقاب والقفازين
وقد نهى الله تعالى عما يوجب العلم بالزينة الخفية بالسمع أو غيره فقال : { ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن } وقال : { وليضربن بخمرهن على جيوبهن } فلما نزل ذلك عمد نساء المؤمنين إلى خمرهن فشققنهن وأرخينها على أعناقهن . و " الجيب " هو شق في طول القميص . فإذا ضربت المرأة بالخمار على الجيب سترت عنقها . وأمرت بعد ذلك أن ترخي من جلبابها والإرخاء إنما يكون إذا خرجت من البيت فأما إذا كانت في البيت فلا تؤمر بذلك وقد ثبت في الصحيح : { بصفية قال أصحابه : إن أرخى عليها الحجاب فهي من أمهات المؤمنين وإن لم يضرب عليها الحجاب فهي مما ملكت يمينه فضرب عليها الحجاب } وإنما ضرب الحجاب على النساء لئلا ترى وجوههن وأيديهن . أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل
كما كانت سنة المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه أن الحرة تحتجب والأمة تبرز وكان والحجاب مختص بالحرائر دون الإماء عمر رضي الله عنه إذا رأى أمة مختمرة ضربها وقال أتتشبهين بالحرائر أي لكاع فيظهر من الأمة رأسها ويداها ووجهها .
[ ص: 373 ] وقال تعالى : { والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن } . فرخص فلا تلقي عليها جلبابها ولا تحتجب وإن كانت مستثناة من الحرائر لزوال المفسدة الموجودة في غيرها كما استثنى التابعين غير أولي الإربة من الرجال في إظهار الزينة لهم لعدم الشهوة التي تتولد منها الفتنة وكذلك الأمة إذا كان يخاف بها الفتنة كان عليها أن ترخي من جلبابها وتحتجب ووجب غض البصر عنها ومنها . للعجوز التي لا تطمع في النكاح أن تضع ثيابها
وليس في الكتاب والسنة إباحة ولا ترك احتجابهن وإبداء زينتهن ولكن القرآن لم يأمرهن بما أمر الحرائر والسنة فرقت بالفعل بينهن وبين الحرائر ولم تفرق بينهن وبين الحرائر بلفظ عام بل كانت عادة المؤمنين أن تحتجب منهم الحرائر دون الإماء واستثنى القرآن من النساء الحرائر القواعد فلم يجعل عليهن احتجابا واستثنى بعض الرجال وهم غير أولي الإربة فلم يمنع من إبداء الزينة الخفية لهم لعدم الشهوة في هؤلاء وهؤلاء فأن يستثنى بعض الإماء أولى وأحرى وهن من كانت الشهوة والفتنة حاصلة بترك احتجابها وإبداء زينتها . النظر إلى عامة الإماء
وكما أن المحارم أبناء أزواجهن ونحوه ممن فيه شهوة وشغف لم يجز [ ص: 374 ] إبداء الزينة الخفية له فالخطاب خرج عاما على العادة فما خرج عن العادة خرج به عن نظائره فإذا كان في ظهور الأمة والنظر إليها فتنة وجب المنع من ذلك كما لو كانت في غير ذلك وهكذا الرجل مع الرجال والمرأة مع النساء : لو كان في المرأة فتنة للنساء وفي الرجل فتنة للرجال لكان الأمر بالغض للناظر من بصره متوجها كما يتوجه إليه الأمر بحفظ فرجه فالإماء والصبيان إذا كن حسانا تختشى الفتنة بالنظر إليهم كان حكمهم كذلك كما ذكر ذلك العلماء