[ ص: 5 ] بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده سورة الزمر قال شيخ الإسلام
أحمد بن تيمية قدس الله روحه فصل قد
nindex.php?page=treesubj&link=29010قال تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=4115&ayano=39الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه } والمراد بالقول القرآن كما فسره بذلك
سلف الأمة وأئمتها كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2764&ayano=23أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين } واللام لتعريف القول المعهود ; فإن السورة كلها إنما تضمنت مدح القرآن واستماعه وقد بسطنا هذا في غير هذا الموضع وبينا فساد قول من استدل بهذه على
nindex.php?page=treesubj&link=19290سماع الغناء وغيره وجعلها عامة وبينا أن تعميمها في كل قول باطل بإجماع المسلمين .
وهنا سؤال مشهور وهو أنه قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4115&ayano=39يستمعون القول فيتبعون أحسنه } فقد قسم القول إلى حسن وأحسن والقرآن كله متبع وهذا حجتهم .
فيقال : الجواب من ثلاثة أوجه : إلزام وحل .
" الأول " أن هذا مثل قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4152&ayano=39واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم } ومثل قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1106&ayano=7وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها } فقد أمر المؤمنين باتباع أحسن ما أنزل إليهم من ربهم وأمر
بني إسرائيل أن يأخذوا بأحسن التوراة وهذا أبلغ من تلك الآية ; فإن تلك إنما فيها مدح باتباع الأحسن ولا ريب أن القرآن فيه الخبر والأمر بالحسن والأحسن واتباع القول إنما هو العمل بمقتضاه ومقتضاه فيه حسن وأحسن ليس كله أحسن وإن كان القرآن في نفسه أحسن الحديث ; ففرق بين حسن الكلام بالنسبة إلى غيره من الكلام وبين حسنه بالنسبة إلى مقتضاه المأمور والمخبر عنه .
" الوجه الثاني " أن يقال : إنه قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4114&ayano=39فبشر عباد } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4115&ayano=39الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب } والقرآن تضمن خبرا وأمرا فالخبر عن الأبرار والمقربين وعن الكفار والفجار ; فلا ريب أن اتباع الصنفين حسن
[ ص: 7 ] واتباع المقربين أحسن والأمر يتضمن الأمر بالواجبات والمستحبات . ولا ريب أن الاقتصار على فعل الواجبات حسن وفعل المستحبات معها أحسن ومن اتبع الأحسن فاقتدى بالمقربين وتقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض كان أحق بالبشرى .
وعلى هذا فقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4152&ayano=39واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1106&ayano=7وأمر قومك يأخذوا بأحسنها } هو أيضا أمر بذلك ; لكن الأمر يعم أمر الإيجاب والاستحباب . فهم مأمورون بما في ذلك من واجب أمر إيجاب وبما فيه من مستحب أمر استحباب كما هم مأمورون مثل ذلك في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2007&ayano=16إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1118&ayano=7يأمرهم بالمعروف } والمعروف يتناول القسمين وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2694&ayano=22وافعلوا الخير لعلكم تفلحون } وهو يعم القسمين : وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2694&ayano=22اركعوا واسجدوا } وأمثال ذلك .
[ ص: 5 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ سُورَةُ الزُّمَرِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ
أَحْمَد بْنُ تيمية قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ فَصْلٌ قَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=29010قَالَ تَعَالَى : { nindex.php?page=tafseer&surano=4115&ayano=39الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } وَالْمُرَادُ بِالْقَوْلِ الْقُرْآنُ كَمَا فَسَّرَهُ بِذَلِكَ
سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2764&ayano=23أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ } وَاللَّامُ لِتَعْرِيفِ الْقَوْلِ الْمَعْهُودِ ; فَإِنَّ السُّورَةَ كُلَّهَا إنَّمَا تَضَمَّنَتْ مَدْحَ الْقُرْآنِ وَاسْتِمَاعَهُ وَقَدْ بَسَطْنَا هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَبَيَّنَّا فَسَادَ قَوْلِ مَنْ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=19290سَمَاعِ الْغِنَاءِ وَغَيْرِهِ وَجَعَلَهَا عَامَّةً وَبَيَّنَّا أَنَّ تَعْمِيمَهَا فِي كُلِّ قَوْلٍ بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ .
وَهُنَا سُؤَالٌ مَشْهُورٌ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4115&ayano=39يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } فَقَدْ قَسَّمَ الْقَوْلَ إلَى حَسَنٍ وَأَحْسَنَ وَالْقُرْآنُ كُلُّهُ مُتَّبَعٌ وَهَذَا حُجَّتُهُمْ .
فَيُقَالُ : الْجَوَابُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : إلْزَامٌ وَحَلٌّ .
" الْأَوَّلُ " أَنَّ هَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4152&ayano=39وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ } وَمِثْلُ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1106&ayano=7وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا } فَقَدْ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِاتِّبَاعِ أَحْسَنِ مَا أُنْزِلَ إلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَرَ
بَنِي إسْرَائِيلَ أَنْ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِ التَّوْرَاةِ وَهَذَا أَبْلَغُ مِنْ تِلْكَ الْآيَةِ ; فَإِنَّ تِلْكَ إنَّمَا فِيهَا مَدْحٌ بِاتِّبَاعِ الْأَحْسَنِ وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْقُرْآنَ فِيهِ الْخَبَرُ وَالْأَمْرُ بِالْحَسَنِ وَالْأَحْسَنِ وَاتِّبَاعُ الْقَوْلِ إنَّمَا هُوَ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ وَمُقْتَضَاهُ فِيهِ حَسَنٌ وَأَحْسَنُ لَيْسَ كُلُّهُ أَحْسَنَ وَإِنْ كَانَ الْقُرْآنُ فِي نَفْسِهِ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ; فَفَرَّقَ بَيْنَ حَسَنِ الْكَلَامِ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْكَلَامِ وَبَيْنَ حَسَنِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُقْتَضَاهُ الْمَأْمُورِ وَالْمُخْبِرِ عَنْهُ .
" الْوَجْهُ الثَّانِي " أَنْ يُقَالَ : إنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4114&ayano=39فَبَشِّرْ عِبَادِ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4115&ayano=39الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ } وَالْقُرْآنُ تَضَمَّنَ خَبَرًا وَأَمْرًا فَالْخَبَرُ عَنْ الْأَبْرَارِ وَالْمُقَرَّبِينَ وَعَنْ الْكُفَّارِ وَالْفُجَّارِ ; فَلَا رَيْبَ أَنَّ اتِّبَاعَ الصِّنْفَيْنِ حَسَنٌ
[ ص: 7 ] وَاتِّبَاعَ الْمُقَرَّبِينَ أَحْسَنُ وَالْأَمْرُ يَتَضَمَّنُ الْأَمْرَ بِالْوَاجِبَاتِ والمستحبات . وَلَا رَيْبَ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى فِعْلِ الْوَاجِبَاتِ حَسَنٌ وَفِعْلُ الْمُسْتَحَبَّاتِ مَعَهَا أَحْسَنُ وَمَنْ اتَّبَعَ الْأَحْسَنَ فَاقْتَدَى بِالْمُقَرَّبِينَ وَتَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ بِالنَّوَافِلِ بَعْدَ الْفَرَائِضِ كَانَ أَحَقَّ بِالْبُشْرَى .
وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4152&ayano=39وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1106&ayano=7وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا } هُوَ أَيْضًا أَمْرٌ بِذَلِكَ ; لَكِنَّ الْأَمْرَ يَعُمُّ أَمْرَ الْإِيجَابِ وَالِاسْتِحْبَابِ . فَهُمْ مَأْمُورُونَ بِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ وَاجِبٍ أَمْرَ إيجَابٍ وَبِمَا فِيهِ مِنْ مُسْتَحَبٍّ أَمْرَ اسْتِحْبَابٍ كَمَا هُمْ مَأْمُورُونَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2007&ayano=16إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1118&ayano=7يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ } وَالْمَعْرُوفُ يَتَنَاوَلُ الْقِسْمَيْنِ وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2694&ayano=22وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } وَهُوَ يَعُمُّ الْقِسْمَيْنِ : وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2694&ayano=22ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا } وَأَمْثَالِ ذَلِكَ .