[ ص: 18 ] وقال شيخ الإسلام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني قدس الله روحه .
فصل في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4150&ayano=39nindex.php?page=treesubj&link=19705قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4151&ayano=39nindex.php?page=treesubj&link=19706وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له } .
وقد ذكرنا في غير موضع أن هذه الآية في حق التائبين وأما آيتا النساء قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=545&ayano=4إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } فلا يجوز أن تكون في حق التائبين كما يقوله من يقوله من
المعتزلة فإن التائب من الشرك يغفر له الشرك أيضا بنصوص القرآن واتفاق المسلمين . وهذه الآية فيها تخصيص وتقييد وتلك الآية فيها تعميم وإطلاق هذه خص فيها الشرك بأنه لا يغفره وما عداه لم يجزم بمغفرته ; بل علقه بالمشيئة فقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=545&ayano=4ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } .
[ ص: 19 ] وقد ذكرنا في غير موضع أن هذه كما ترد على الوعيدية من
الخوارج والمعتزلة فهي ترد أيضا على
المرجئة الواقفية الذين يقولون : يجوز أن يعذب كل فاسق فلا يغفر لأحد ويجوز أن يغفر للجميع فإنه قد قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=545&ayano=4ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } فأثبت أن ما دون ذلك هو مغفور لكن لمن يشاء فلو كان لا يغفره لأحد بطل قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=545&ayano=4ويغفر ما دون ذلك } ولو كان يغفره لكل أحد بطل قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=545&ayano=2لمن يشاء } فلما أثبت أنه يغفر ما دون ذلك وأن المغفرة هي لمن يشاء دل ذلك على
nindex.php?page=treesubj&link=19729_19708وقوع المغفرة العامة مما دون الشرك ; لكنها لبعض الناس .
وحينئذ فمن غفر له لم يعذب ومن لم يغفر له عذب وهذا مذهب
الصحابة والسلف والأئمة وهو القطع بأن
nindex.php?page=treesubj&link=29494بعض عصاة الأمة يدخل النار وبعضهم يغفر له : لكن هل ذلك على وجه الموازنة والحكمة أو لا اعتبار بالموازنة ؟ فيه قولان للمنتسبين إلى السنة من أصحابنا وغيرهم بناء على أصل الأفعال الإلهية هل يعتبر فيها الحكمة والعدل . وأيضا فمسألة الجزاء فيها نصوص كثيرة دلت على الموازنة كما قد بسط في غير هذا الموضع .
والمقصود هنا أن قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4150&ayano=39يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا } فيه نهي عن
nindex.php?page=treesubj&link=20003القنوط من رحمة الله تعالى وإن عظمت الذنوب وكثرت فلا يحل لأحد أن يقنط من
[ ص: 20 ] رحمة الله وإن عظمت ذنوبه ولا أن يقنط الناس من رحمة الله . قال بعض
السلف إن الفقيه كل الفقيه الذي لا يؤيس الناس من رحمة الله ولا يجرئهم على معاصي الله .
والقنوط يكون بأن يعتقد أن الله لا يغفر له . إما لكونه إذا تاب لا يقبل الله توبته ويغفر ذنوبه وإما بأن يقول نفسه لا تطاوعه على التوبة ; بل هو مغلوب معها والشيطان قد استحوذ عليه فهو ييأس من توبة نفسه وإن كان يعلم أنه إذا تاب غفر الله له وهذا يعتري كثيرا من الناس . والقنوط يحصل بهذا تارة وبهذا تارة : فالأول {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597795كالراهب الذي أفتى قاتل تسعة وتسعين أن الله لا يغفر له فقتله وكمل به مائة ثم دل على عالم فأتاه فسأله فأفتاه بأن الله يقبل توبته } . والحديث في الصحيحين . والثاني كالذي يرى للتوبة شروطا كثيرة ويقال له لها شروط كثيرة يتعذر عليه فعلها فييأس من أن يتوب .
وقد تنازع الناس في العبد هل يصير في حال تمتنع منه التوبة إذا أرادها . والصواب الذي عليه
أهل السنة والجمهور أن
nindex.php?page=treesubj&link=19708_19729التوبة ممكنة من كل ذنب وممكن أن الله يغفره وقد فرضوا في ذلك من توسط أرضا مغصوبة ومن توسط جرحى فكيفما تحرك قتل بعضهم . فقيل هذا لا طريق له إلى التوبة . والصحيح أن هذا إذا تاب قبل الله توبته .
[ ص: 21 ] أما من توسط الأرض المغصوبة فهذا خروجه بنية تخلية المكان وتسليمه إلى مستحقه ليس منهيا عنه ولا محرما ; بل الفقهاء متفقون على أن من غصب دارا وترك فيها قماشه وماله إذا أمر بتسليمها إلى مستحقها فإنه يؤمر بالخروج منها وبإخراج أهله وماله منها وإن كان ذلك نوع تصرف فيها لكنه لأجل إخلائها .
والمشرك إذا دخل
الحرم أمر بالخروج منه وإن كان فيه مرور فيه ومثل هذا حديث الأعرابي المتفق على صحته لما بال في المسجد فقام الناس إليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597796لا تزرموه أي لا تقطعوا عليه بوله وأمرهم أن يصبوا على بوله دلوا من ماء } . فهو لما بدأ بالبول كان إتمامه خيرا من أن يقطعوه فيلوث ثيابه وبدنه ولو زنى رجل بامرأة ثم تاب لنزع ولم يكن مذنبا بالنزع وهل هو وطء ؟ فيه قولان هما روايتان عن
أحمد . فلو حلف أن لا يطأ امرأته بالطلاق الثلاث فالذين يقولون : إنه يقع به الطلاق الثلاث إذا وطئها تنازعوا هل يجوز له وطؤها ؟ على قولين : هما روايتان عن
أحمد . " أحدهما " يجوز كقول
الشافعي . و " الثاني " لا يجوز كقول
مالك فإنه يقول : إذا أجزت الوطء لزم أن يباشرها في حال النزع وهي محرمة وهذا إنما يجوز للضرورة لا يجوزه ابتداء وذلك يقول النزع ليس بمحرم .
[ ص: 22 ] وكذلك الذين يقولون إذا طلع عليه الفجر وهو مولج فقد جامع لهم في النزع قولان : في مذهب
أحمد وغيره وأما على ما نصرناه فلا يحتاج إلى شيء من هذه المسائل فإن الحالف إذا حنث يكفر يمينه ولا يلزمه الطلاق الثلاث وما فعله الناس حال التبين من أكل وجماع فلا بأس به لقوله : ( حتى .
والمقصود أنه لا يجوز أن يقنط أحد ولا يقنط أحدا من رحمة الله فإن الله نهى عن ذلك وأخبر أنه يغفر الذنوب جميعا .
فإن قيل قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4150&ayano=39إن الله يغفر الذنوب جميعا } معه عموم على وجه الإخبار فدل أن الله يغفر كل ذنب ; ومعلوم أنه لم يرد أن من أذنب من كافر وغيره فإنه يغفر له ولا يعذبه لا في الدنيا ولا في الآخرة فإن هذا خلاف المعلوم بالضرورة والتواتر والقرآن والإجماع ; إذ كان الله أهلك أمما كثيرة بذنوبها ومن هذه الأمة من عذب بذنوبه إما قدرا وإما شرعا في الدنيا قبل الآخرة .
وقد قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=620&ayano=4من يعمل سوءا يجز به } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6244&ayano=99فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6245&ayano=99ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } فهذا يقتضي أن هذه الآية ليست على ظاهرها ; بل المراد أن الله قد يغفر الذنوب جميعا . أي ذلك مما قد يفعله أو أنه يغفره لكل تائب لكن يقال : فلم أتى بصيغة الجزم والإطلاق في موضع التردد والتقييد ؟ قيل بل
[ ص: 23 ] الآية على مقتضاها فإن الله أخبر أنه يغفر جميع الذنوب ولم يذكر أنه يغفر لكل مذنب ; بل قد ذكر في غير موضع أنه لا يغفر لمن مات كافرا فقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4626&ayano=47إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم } .
وقال في حق المنافقين : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5257&ayano=63سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم } لكن هذا اللفظ العام في الذنوب هو مطلق في المذنبين . فالمذنب لم يتعرض له بنفي ولا إثبات ; لكن يجوز أن يكون مغفورا له ويجوز أن لا يكون مغفورا له . إن أتى بما يوجب المغفرة غفر له وإن أصر على ما يناقضها لم يغفر له .
وأما جنس الذنب فإن الله يغفره في الجملة : الكفر والشرك وغيرهما ; يغفرها لمن تاب منها ليس في الوجود ذنب لا يغفره الرب تعالى ; بل ما من ذنب إلا والله تعالى يغفره في الجملة .
وهذه آية عظيمة جامعة من أعظم الآيات نفعا وفيها رد على طوائف رد على
nindex.php?page=treesubj&link=20454_20470من يقول إن الداعي إلى البدعة لا تقبل توبته ويحتجون بحديث إسرائيلي فيه : {
أنه قيل لذلك الداعية فكيف بمن أضللت ؟ } وهذا يقوله طائفة ممن ينتسب إلى السنة والحديث وليسوا من العلماء بذلك
كأبي علي الأهوازي وأمثاله ممن لا يميزون بين
[ ص: 24 ] الأحاديث الصحيحة والموضوعة وما يحتج به وما لا يحتج به ; بل يروون كل ما في الباب محتجين به .
وقد حكى هذا طائفة قولا في مذهب
أحمد أو رواية عنه وظاهر مذهبه مع مذاهب سائر أئمة المسلمين أنه تقبل توبته كما تقبل
nindex.php?page=treesubj&link=19705_19709توبة الداعي إلى الكفر وتوبة من فتن الناس عن دينهم . وقد تاب قادة الأحزاب : مثل
أبي سفيان بن حرب والحارث ابن هشام وسهيل بن عمرو وصفوان بن أمية nindex.php?page=showalam&ids=28وعكرمة بن أبي جهل وغيرهم بعد أن قتل على الكفر بدعائهم من قتل وكانوا من أحسن الناس إسلاما وغفر الله لهم . قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1206&ayano=8قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } .
وعمرو بن العاص كان من أعظم الدعاة إلى الكفر والإيذاء للمسلمين وقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم لما أسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13836يا عمرو أما علمت أن الإسلام يجب ما كان قبله } وفي صحيح
البخاري عن
ابن مسعود في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2103&ayano=17أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب } قال كان ناس من الإنس يعبدون ناسا من الجن فأسلم أولئك الجن والإنس يعبدونهم . ففي هذا أنه لم يضر الذين أسلموا عبادة غيرهم بعد الإسلام لهم وإن كانوا هم أضلوهم أولا .
[ ص: 25 ] وأيضا فالداعي إلى الكفر والبدعة وإن كان أضل غيره فذلك الغير يعاقب على ذنبه ; لكونه قبل من هذا واتبعه وهذا عليه وزره ووزر من اتبعه إلى يوم القيامة مع بقاء أوزار أولئك عليهم فإذا تاب من ذنبه لم يبق عليه وزره ولا ما حمله هو لأجل إضلالهم وأما هم فسواء تاب أو لم يتب حالهم واحد ; ولكن توبته قبل هذا تحتاج إلى ضد ما كان عليه من الدعاء إلى الهدى كما تاب كثير من الكفار وأهل البدع وصاروا دعاة إلى الإسلام والسنة .
وسحرة فرعون كانوا أئمة في الكفر ثم أسلموا وختم الله لهم بخير .
ومن ذلك
nindex.php?page=treesubj&link=19705_19709توبة قاتل النفس . والجمهور على أنها مقبولة ; وقال
ابن عباس لا تقبل ; وعن
أحمد روايتان . وحديث قاتل التسعة والتسعين في الصحيحين دليل على قبول توبته وهذه الآية تدل على ذلك وآية النساء إنما فيها وعيد في القرآن كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=507&ayano=4إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا } ومع هذا فهذا إذا لم يتب . وكل وعيد في القرآن فهو مشروط بعدم التوبة باتفاق الناس فبأي وجه يكون وعيد القاتل لاحقا به وإن تاب ؟ هذا في غاية الضعف ؟ ولكن قد يقال لا تقبل توبته بمعنى أنه لا يسقط حق المظلوم بالقتل ; بل التوبة تسقط حق الله والمقتول مطالبه بحقه وهذا صحيح في جميع حقوق الآدميين حتى الدين فإن في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم
[ ص: 26 ] أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=69435الشهيد يغفر له كل شيء إلا الدين } لكن حق الآدمي يعطاه من حسنات القاتل .
فمن تمام التوبة أن يستكثر من الحسنات حتى يكون له ما يقابل حق المقتول ولعل
ابن عباس رأى أن القتل أعظم الذنوب بعد الكفر فلا يكون لصاحبه حسنات تقابل حق المقتول فلا بد أن يبقى له سيئات يعذب بها وهذا الذي قاله قد يقع من بعض الناس فيبقى الكلام فيمن تاب وأخلص : وعجز عن حسنات تعادل حق المظلوم هل يجعل عليه من سيئات المقتول ما يعذب به ؟ وهذا موضع دقيق على مثله يحمل حديث
ابن عباس ; لكن هذا كله لا ينافي موجب الآية وهو أن الله تعالى يغفر كل ذنب الشرك والقتل والزنا وغير ذلك من حيث الجملة فهي عامة في الأفعال مطلقة في الأشخاص . ومثل هذا قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1249&ayano=9فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } عام في الأشخاص مطلق في أحوال الأرجل ; إذ قد تكون مستورة بالخف واللفظ لم يتعرض إلى الأحوال .
وكذلك قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=508&ayano=4يوصيكم الله في أولادكم } عام في الأولاد عام في الأحوال ؟ إذ قد يكون الولد موافقا في الدين ومخالفا وحرا وعبدا . واللفظ لم يتعرض إلى الأحوال .
[ ص: 27 ] وكذلك قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4150&ayano=3يغفر الذنوب } عام في الذنوب مطلق في أحوالها ; فإن الذنب قد يكون صاحبه تائبا منه وقد يكون مصرا واللفظ لم يتعرض لذلك بل الكلام يبين أن الذنب يغفر في حال دون حال فإن الله أمر بفعل ما تغفر به الذنوب ونهى عما به يحصل العذاب يوم القيامة بلا مغفرة فقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4151&ayano=39وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4152&ayano=39واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4153&ayano=39أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4154&ayano=39أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4155&ayano=39أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4156&ayano=39بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين } فهذا إخبار أنه يوم القيامة يعذب نفوسا لم يغفر لها كالتي كذبت بآياته واستكبرت وكانت من الكافرين ومثل هذه الذنوب غفرها الله لآخرين لأنهم تابوا منها .
فإن قيل فقد قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=386&ayano=3إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=634&ayano=4إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا } ؟ قيل : إن القرآن قد بين توبة الكافر وإن كان قد ارتد ثم عاد إلى الإسلام في غير موضع كقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=382&ayano=3كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين } ; {
nindex.php?page=tafseer&surano=383&ayano=3أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=384&ayano=2خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=385&ayano=3إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=382&ayano=3كيف يهدي الله } أي أنه لا يهديهم مع كونهم مرتدين ظالمين ; ولهذا قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=382&ayano=2والله لا يهدي القوم الظالمين } فمن ارتد عن دين الإسلام لم يكن إلا ضالا لا يحصل له الهدى إلى أي دين ارتد . " والمقصود " أن هؤلاء لا يهديهم الله ولا يغفر لهم إلا أن يتوبوا .
وكذلك قال في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2023&ayano=16من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره } ومن كفر بالله من بعد إيمانه من غير إكراه فهو مرتد قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2027&ayano=16ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم } .
وهو سبحانه في آل عمران ذكر المرتدين ثم ذكر التائبين منهم ثم ذكر من لا تقبل توبته ومن مات كافرا ; فقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=386&ayano=3إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=387&ayano=3إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين } . وهؤلاء الذين لا تقبل توبتهم قد ذكروا فيهم أقوالا : قيل لنفاقهم وقيل
[ ص: 29 ] لأنهم تابوا مما دون الشرك ولم يتوبوا منه وقيل لن تقبل توبتهم بعد الموت وقال الأكثرون
كالحسن وقتادة وعطاء الخراساني والسدي : لن تقبل توبتهم حين يحضرهم الموت فيكون هذا كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=515&ayano=4وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار } .
وكذلك قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=634&ayano=4إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا } قال
مجاهد وغيره من المفسرين : ازدادوا كفرا ثبتوا عليه حتى ماتوا .
قلت : وذلك لأن التائب راجع عن الكفر ومن لم يتب فإنه مستمر يزداد كفرا بعد كفر فقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=634&ayano=3ثم ازدادوا } بمنزلة قول القائل ثم أصروا على الكفر واستمروا على الكفر وداموا على الكفر فهم كفروا بعد إسلامهم ثم زاد كفرهم ما نقص فهؤلاء لا تقبل توبتهم وهي التوبة عند حضور الموت ; لأن من تاب قبل حضور الموت فقد تاب من قريب ورجع عن كفره فلم يزدد بل نقص ; بخلاف المصر إلى حين المعاينة فما بقي له زمان يقع لنقص كفره فضلا عن هدمه .
وفي الآية الأخرى قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=634&ayano=4لم يكن الله ليغفر لهم } وذكر أنهم
[ ص: 30 ] آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا قيل لأن المرتد إذا تاب غفر له كفره فإذا كفر بعد ذلك ومات كافرا حبط إيمانه فعوقب بالكفر الأول والثاني كما في الصحيحين عن
ابن مسعود قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597798قيل : يا رسول الله أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية ؟ فقال : من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر } فلو قال : إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم كان هؤلاء الذين ذكرهم في آل عمران فقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=386&ayano=3إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم } بل ذكر أنهم آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا بعد ذلك وهو المرتد التائب ; فهذا إذا كفر وازداد كفرا لم يغفر له كفره السابق أيضا فلو آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا لم يكونوا قد ازدادوا كفرا فلا يدخلون في الآية .
والفقهاء إذا تنازعوا في قبول توبة من تكررت ردته أو قبول توبة الزنديق فذاك إنما هو في الحكم الظاهر ; لأنه لا يوثق بتوبته أما إذا قدر أنه أخلص التوبة لله في الباطن فإنه يدخل في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4150&ayano=39يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم } .
ونحن حقيقة قولنا أن
nindex.php?page=treesubj&link=19704التائب لا يعذب لا في الدنيا ولا في الآخرة [ ص: 31 ] لا شرعا ولا قدرا والعقوبات التي تقام من حد أو تعزير إما أن يثبت سببها بالبينة مثل قيام البينة بأنه زنى أو سرق أو شرب فهذا إذا أظهر التوبة لم يوثق بها ولو درئ الحد بإظهار هذا لم يقم حد فإنه كل من تقام عليه البينة يقول قد تبت وإن كان تائبا في الباطن كان الحد مكفرا وكان مأجورا على صبره وأما إذا جاء هو بنفسه فاعترف وجاء تائبا فهذا لا يجب أن يقام عليه الحد في ظاهر مذهب
أحمد نص عليه في غير موضع وهي من مسائل التعليق واحتج عليها القاضي بعدة أحاديث وحديث الذي قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597799أصبت حدا فأقمه علي فأقيمت الصلاة } يدخل في هذا لأنه جاء تائبا وإن شهد على نفسه كما شهد به
ماعز والغامدية واختار إقامة الحد أقيم عليه وإلا فلا . كما في حديث
ماعز : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=24950فهلا تركتموه ؟ }
والغامدية ردها مرة بعد مرة .
فالإمام والناس ليس عليهم إقامة الحد على مثل هذا ; ولكن هو إذا طلب ذلك أقيم عليه كالذي يذنب سرا وليس على أحد أن يقيم عليه حدا : لكن إذا اختار هو أن يعترف ويقام عليه الحد أقيم وإن لم يكن تائبا وهذا كقتل الذي ينغمس في العدو هو مما يرفع الله به درجته كما قال النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=32559لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله } .
وقد قيل في
ماعز إنه رجع عن الإقرار وهذا هو أحد القولين
[ ص: 32 ] فيه في مذهب
أحمد وغيره ; وهو ضعيف والأول أجود . وهؤلاء يقولون : سقط الحد لكونه رجع عن الإقرار ويقولون رجوعه عن الإقرار مقبول وهو ضعيف ; بل فرق بين من أقر تائبا ومن أقر غير تائب فإسقاط العقوبة بالتوبة - كما دلت عليه النصوص - أولى من إسقاطها بالرجوع عن الإقرار ; والإقرار شهادة منه على نفسه ; ولو قبل الرجوع لما قام حد بإقرار فإذا لم تقبل التوبة بعد الإقرار مع أنه قد يكون صادقا فالرجوع الذي هو فيه كاذب أولى .
آخره والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا
محمد وآله وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
[ ص: 18 ] وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ
تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَد بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ تيمية الحراني قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ .
فَصْلٌ فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4150&ayano=39nindex.php?page=treesubj&link=19705قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4151&ayano=39nindex.php?page=treesubj&link=19706وَأَنِيبُوا إلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ } .
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي حَقِّ التَّائِبِينَ وَأَمَّا آيَتَا النِّسَاءِ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=545&ayano=4إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي حَقِّ التَّائِبِينَ كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ
الْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّ التَّائِبَ مِنْ الشِّرْكِ يُغْفَرُ لَهُ الشِّرْكُ أَيْضًا بِنُصُوصِ الْقُرْآنِ وَاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ . وَهَذِهِ الْآيَةُ فِيهَا تَخْصِيصٌ وَتَقْيِيدٌ وَتِلْكَ الْآيَةُ فِيهَا تَعْمِيمٌ وَإِطْلَاقٌ هَذِهِ خَصَّ فِيهَا الشِّرْكَ بِأَنَّهُ لَا يَغْفِرُهُ وَمَا عَدَاهُ لَمْ يَجْزِمْ بِمَغْفِرَتِهِ ; بَلْ عَلَّقَهُ بِالْمَشِيئَةِ فَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=545&ayano=4وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } .
[ ص: 19 ] وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّ هَذِهِ كَمَا تَرُدُّ عَلَى الوعيدية مِنْ
الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ فَهِيَ تَرُدُّ أَيْضًا عَلَى
الْمُرْجِئَةِ الواقفية الَّذِينَ يَقُولُونَ : يَجُوزُ أَنْ يُعَذِّبَ كُلَّ فَاسِقٍ فَلَا يَغْفِرُ لِأَحَدِ وَيَجُوزُ أَنْ يَغْفِرَ لِلْجَمِيعِ فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=545&ayano=4وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } فَأَثْبَتَ أَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ هُوَ مَغْفُورٌ لَكِنْ لِمَنْ يَشَاءُ فَلَوْ كَانَ لَا يَغْفِرُهُ لِأَحَدِ بَطَلَ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=545&ayano=4وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ } وَلَوْ كَانَ يَغْفِرُهُ لِكُلِّ أَحَدٍ بَطَلَ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=545&ayano=2لِمَنْ يَشَاءُ } فَلَمَّا أَثْبَتَ أَنَّهُ يَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ وَأَنَّ الْمَغْفِرَةَ هِيَ لِمَنْ يَشَاءُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=19729_19708وُقُوعِ الْمَغْفِرَةِ الْعَامَّةِ مِمَّا دُونَ الشِّرْكِ ; لَكِنَّهَا لِبَعْضِ النَّاسِ .
وَحِينَئِذٍ فَمَنْ غُفِرَ لَهُ لَمْ يُعَذَّبْ وَمَنْ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ عُذِّبَ وَهَذَا مَذْهَبُ
الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ وَهُوَ الْقَطْعُ بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29494بَعْضَ عُصَاةِ الْأُمَّةِ يَدْخُلُ النَّارَ وَبَعْضَهُمْ يُغْفَرُ لَهُ : لَكِنْ هَلْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمُوَازَنَةِ وَالْحِكْمَةِ أَوْ لَا اعْتِبَارَ بِالْمُوَازَنَةِ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْمُنْتَسِبِينَ إلَى السُّنَّةِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ بِنَاءً عَلَى أَصْلِ الْأَفْعَالِ الْإِلَهِيَّةِ هَلْ يُعْتَبَرُ فِيهَا الْحِكْمَةُ وَالْعَدْلُ . وَأَيْضًا فَمَسْأَلَةُ الْجَزَاءِ فِيهَا نُصُوصٌ كَثِيرَةٌ دَلَّتْ عَلَى الْمُوَازَنَةِ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .
وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ قَوْلَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4150&ayano=39يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا } فِيهِ نَهْيٌ عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=20003الْقُنُوطِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ عَظُمَتْ الذُّنُوبُ وَكَثُرَتْ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدِ أَنْ يَقْنَطَ مِنْ
[ ص: 20 ] رَحْمَةِ اللَّهِ وَإِنْ عَظُمَتْ ذُنُوبُهُ وَلَا أَنْ يُقَنِّطَ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ . قَالَ بَعْضُ
السَّلَفِ إنَّ الْفَقِيهَ كُلَّ الْفَقِيهِ الَّذِي لَا يُؤَيِّسُ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَلَا يُجَرِّئُهُمْ عَلَى مَعَاصِي اللَّهِ .
وَالْقُنُوطُ يَكُونُ بِأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ لَهُ . إمَّا لِكَوْنِهِ إذَا تَابَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ تَوْبَتَهُ وَيَغْفِرُ ذُنُوبَهُ وَإِمَّا بِأَنْ يَقُولَ نَفْسُهُ لَا تُطَاوِعُهُ عَلَى التَّوْبَةِ ; بَلْ هُوَ مَغْلُوبٌ مَعَهَا وَالشَّيْطَانُ قَدْ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ فَهُوَ يَيْأَسُ مِنْ تَوْبَةِ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا تَابَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَهَذَا يَعْتَرِي كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ . وَالْقُنُوطُ يَحْصُلُ بِهَذَا تَارَةً وَبِهَذَا تَارَةً : فَالْأَوَّلُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597795كَالرَّاهِبِ الَّذِي أَفْتَى قَاتِلَ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ لَهُ فَقَتَلَهُ وَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً ثُمَّ دُلَّ عَلَى عَالِمٍ فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ فَأَفْتَاهُ بِأَنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَتَهُ } . وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ . وَالثَّانِي كَاَلَّذِي يَرَى لِلتَّوْبَةِ شُرُوطًا كَثِيرَةً وَيُقَالُ لَهُ لَهَا شُرُوطٌ كَثِيرَةٌ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ فِعْلُهَا فَيَيْأَسُ مِنْ أَنْ يَتُوبَ .
وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي الْعَبْدِ هَلْ يَصِيرُ فِي حَالٍ تَمْتَنِعُ مِنْهُ التَّوْبَةُ إذَا أَرَادَهَا . وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ
أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجُمْهُورُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19708_19729التَّوْبَةَ مُمْكِنَةٌ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَمُمْكِنٌ أَنَّ اللَّهَ يَغْفِرُهُ وَقَدْ فَرَضُوا فِي ذَلِكَ مَنْ تَوَسَّطَ أَرْضًا مَغْصُوبَةً وَمَنْ تَوَسَّطَ جَرْحَى فَكَيْفَمَا تَحَرَّكَ قَتَلَ بَعْضَهُمْ . فَقِيلَ هَذَا لَا طَرِيقَ لَهُ إلَى التَّوْبَةِ . وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا إذَا تَابَ قَبِلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُ .
[ ص: 21 ] أَمَّا مَنْ تَوَسَّطَ الْأَرْضَ الْمَغْصُوبَةَ فَهَذَا خُرُوجُهُ بِنِيَّةِ تَخْلِيَةِ الْمَكَانِ وَتَسْلِيمِهِ إلَى مُسْتَحَقِّهِ لَيْسَ مَنْهِيًّا عَنْهُ وَلَا مُحَرَّمًا ; بَلْ الْفُقَهَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ غَصَبَ دَارًا وَتَرَكَ فِيهَا قُمَاشَهُ وَمَالَهُ إذَا أُمِرَ بِتَسْلِيمِهَا إلَى مُسْتَحِقِّهَا فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْخُرُوجِ مِنْهَا وَبِإِخْرَاجِ أَهْلِهِ وَمَالِهِ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ نَوْعُ تَصَرُّفٍ فِيهَا لَكِنَّهُ لِأَجْلِ إخْلَائِهَا .
وَالْمُشْرِكُ إذَا دَخَلَ
الْحَرَمَ أُمِرَ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُرُورٌ فِيهِ وَمِثْلُ هَذَا حَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ الْمُتَّفَقُ عَلَى صِحَّتِهِ لَمَّا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَامَ النَّاسُ إلَيْهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597796لَا تَزْرِمُوهُ أَيْ لَا تَقْطَعُوا عَلَيْهِ بَوْلَهُ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَصُبُّوا عَلَى بَوْلِهِ دَلْوًا مِنْ مَاءٍ } . فَهُوَ لَمَّا بَدَأَ بِالْبَوْلِ كَانَ إتْمَامُهُ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَقْطَعُوهُ فَيُلَوِّثَ ثِيَابَهُ وَبَدَنَهُ وَلَوْ زَنَى رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَابَ لِنَزْعِ وَلَمْ يَكُنْ مُذْنِبًا بِالنَّزْعِ وَهَلْ هُوَ وَطْءٌ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ
أَحْمَد . فَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فَاَلَّذِينَ يَقُولُونَ : إنَّهُ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ إذَا وَطِئَهَا تَنَازَعُوا هَلْ يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ : هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ
أَحْمَد . " أَحَدُهُمَا " يَجُوزُ كَقَوْلِ
الشَّافِعِيِّ . و " الثَّانِي " لَا يَجُوزُ كَقَوْلِ
مَالِكٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ : إذَا أَجَزْت الْوَطْءَ لَزِمَ أَنْ يُبَاشِرَهَا فِي حَالِ النَّزْعِ وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ وَهَذَا إنَّمَا يُجَوَّزُ لِلضَّرُورَةِ لَا يُجَوِّزُهُ ابْتِدَاءً وَذَلِكَ يَقُولُ النَّزْعُ لَيْسَ بِمُحَرَّمِ .
[ ص: 22 ] وَكَذَلِكَ الَّذِينَ يَقُولُونَ إذَا طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ وَهُوَ مُولِجٌ فَقَدْ جَامَعَ لَهُمْ فِي النَّزْعِ قَوْلَانِ : فِي مَذْهَبِ
أَحْمَد وَغَيْرِهِ وَأَمَّا عَلَى مَا نَصَرْنَاهُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَإِنَّ الْحَالِفَ إذَا حَنِثَ يُكَفِّرُ يَمِينَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ وَمَا فَعَلَهُ النَّاسُ حَالَ التَّبَيُّنِ مِنْ أَكْلٍ وَجِمَاعٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِقَوْلِهِ : ( حَتَّى .
وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْنَطَ أَحَدٌ وَلَا يُقَنِّطَ أَحَدًا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا .
فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4150&ayano=39إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا } مَعَهُ عُمُومٌ عَلَى وَجْهِ الْإِخْبَارِ فَدَلَّ أَنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ كُلَّ ذَنْبٍ ; وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنَّ مَنْ أَذْنَبَ مِنْ كَافِرٍ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَغْفِرُ لَهُ وَلَا يُعَذِّبُهُ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ فَإِنَّ هَذَا خِلَافُ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ وَالتَّوَاتُرِ وَالْقُرْآنِ وَالْإِجْمَاعِ ; إذْ كَانَ اللَّهُ أَهْلَكَ أُمَمًا كَثِيرَةً بِذُنُوبِهَا وَمِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَنْ عُذِّبَ بِذُنُوبِهِ إمَّا قَدَرًا وَإِمَّا شَرْعًا فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ .
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=620&ayano=4مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6244&ayano=99فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6245&ayano=99وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَيْسَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا ; بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا . أَيْ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ يَفْعَلُهُ أَوْ أَنَّهُ يَغْفِرُهُ لِكُلِّ تَائِبٍ لَكِنْ يُقَالُ : فَلِمَ أَتَى بِصِيغَةِ الْجَزْمِ وَالْإِطْلَاقِ فِي مَوْضِعِ التَّرَدُّدِ وَالتَّقْيِيدِ ؟ قِيلَ بَلْ
[ ص: 23 ] الْآيَةُ عَلَى مُقْتَضَاهَا فَإِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَغْفِرُ جَمِيعَ الذُّنُوبِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يَغْفِرُ لِكُلِّ مُذْنِبٍ ; بَلْ قَدْ ذَكَرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ لِمَنْ مَاتَ كَافِرًا فَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4626&ayano=47إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ } .
وَقَالَ فِي حَقِّ الْمُنَافِقِينَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5257&ayano=63سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ } لَكِنَّ هَذَا اللَّفْظَ الْعَامَّ فِي الذُّنُوبِ هُوَ مُطْلَقٌ فِي الْمُذْنِبِينَ . فَالْمُذْنِبُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ بِنَفْيِ وَلَا إثْبَاتٍ ; لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَغْفُورًا لَهُ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ مَغْفُورًا لَهُ . إنْ أَتَى بِمَا يُوجِبُ الْمَغْفِرَةَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ أَصَرَّ عَلَى مَا يُنَاقِضُهَا لَمْ يَغْفِرْ لَهُ .
وَأَمَّا جِنْسُ الذَّنْبِ فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُهُ فِي الْجُمْلَةِ : الْكُفْرُ وَالشِّرْكُ وَغَيْرُهُمَا ; يَغْفِرُهَا لِمَنْ تَابَ مِنْهَا لَيْسَ فِي الْوُجُودِ ذَنْبٌ لَا يَغْفِرُهُ الرَّبُّ تَعَالَى ; بَلْ مَا مِنْ ذَنَبٍ إلَّا وَاَللَّهُ تَعَالَى يَغْفِرُهُ فِي الْجُمْلَةِ .
وَهَذِهِ آيَةٌ عَظِيمَةٌ جَامِعَةٌ مِنْ أَعْظَمِ الْآيَاتِ نَفْعًا وَفِيهَا رَدٌّ عَلَى طَوَائِفَ رَدٌّ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=20454_20470مَنْ يَقُولُ إنَّ الدَّاعِيَ إلَى الْبِدْعَةِ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَيَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِ إسْرَائِيلِيٍّ فِيهِ : {
أَنَّهُ قِيلَ لِذَلِكَ الدَّاعِيَةِ فَكَيْفَ بِمَنْ أَضْلَلْت ؟ } وَهَذَا يَقُولُهُ طَائِفَةٌ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إلَى السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ وَلَيْسُوا مِنْ الْعُلَمَاءِ بِذَلِكَ
كَأَبِي عَلِيٍّ الْأَهْوَازِيِّ وَأَمْثَالِهِ مِمَّنْ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ
[ ص: 24 ] الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالْمَوْضُوعَةِ وَمَا يُحْتَجُّ بِهِ وَمَا لَا يُحْتَجُّ بِهِ ; بَلْ يَرْوُونَ كُلَّ مَا فِي الْبَابِ مُحْتَجِّينَ بِهِ .
وَقَدْ حَكَى هَذَا طَائِفَةٌ قَوْلًا فِي مَذْهَبِ
أَحْمَد أَوْ رِوَايَةً عَنْهُ وَظَاهِرُ مَذْهَبِهِ مَعَ مَذَاهِبِ سَائِرِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ كَمَا تُقْبَلُ
nindex.php?page=treesubj&link=19705_19709تَوْبَةُ الدَّاعِي إلَى الْكُفْرِ وَتَوْبَةُ مَنْ فَتَنَ النَّاسَ عَنْ دِينِهِمْ . وَقَدْ تَابَ قَادَةُ الْأَحْزَابِ : مِثْلُ
أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَالْحَارِثِ ابْنِ هِشَامٍ وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ nindex.php?page=showalam&ids=28وَعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ وَغَيْرِهِمْ بَعْدَ أَنْ قُتِلَ عَلَى الْكُفْرِ بِدُعَائِهِمْ مَنْ قُتِلَ وَكَانُوا مَنْ أَحْسَنِ النَّاسِ إسْلَامًا وَغَفَرَ اللَّهُ لَهُمْ . قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1206&ayano=8قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ } .
وَعَمْرُو بْنُ العاص كَانَ مِنْ أَعْظَمِ الدُّعَاةِ إلَى الْكُفْرِ وَالْإِيذَاءِ لِلْمُسْلِمِينَ وَقَدْ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَسْلَمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13836يَا عَمْرُو أَمَا عَلِمْت أَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ } وَفِي صَحِيحِ
الْبُخَارِيِّ عَنْ
ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2103&ayano=17أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ } قَالَ كَانَ نَاسٌ مِنْ الْإِنْسِ يَعْبُدُونَ نَاسًا مِنْ الْجِنِّ فَأَسْلَمَ أُولَئِكَ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَعْبُدُونَهُمْ . فَفِي هَذَا أَنَّهُ لَمْ يَضُرَّ الَّذِينَ أَسْلَمُوا عِبَادَةَ غَيْرِهِمْ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لَهُمْ وَإِنْ كَانُوا هُمْ أَضَلُّوهُمْ أَوَّلًا .
[ ص: 25 ] وَأَيْضًا فَالدَّاعِي إلَى الْكُفْرِ وَالْبِدْعَةِ وَإِنْ كَانَ أَضَلَّ غَيْرَهُ فَذَلِكَ الْغَيْرُ يُعَاقَبُ عَلَى ذَنْبِهِ ; لِكَوْنِهِ قَبِلَ مِنْ هَذَا وَاتَّبَعَهُ وَهَذَا عَلَيْهِ وِزْرُهُ وَوِزْرُ مَنْ اتَّبَعَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَعَ بَقَاءِ أَوْزَارِ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ فَإِذَا تَابَ مِنْ ذَنْبِهِ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ وِزْرُهُ وَلَا مَا حَمَلَهُ هُوَ لِأَجْلِ إضْلَالِهِمْ وَأَمَّا هُمْ فَسَوَاءٌ تَابَ أَوْ لَمْ يَتُبْ حَالُهُمْ وَاحِدٌ ; وَلَكِنَّ تَوْبَتَهُ قَبْلَ هَذَا تَحْتَاجُ إلَى ضِدِّ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الدُّعَاءِ إلَى الْهُدَى كَمَا تَابَ كَثِيرٌ مِنْ الْكُفَّارِ وَأَهْلُ الْبِدَعِ وَصَارُوا دُعَاةً إلَى الْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ .
وَسَحَرَةُ فِرْعَوْنَ كَانُوا أَئِمَّةً فِي الْكُفْرِ ثُمَّ أَسْلَمُوا وَخَتَمَ اللَّهُ لَهُمْ بِخَيْرِ .
وَمِنْ ذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=19705_19709تَوْبَةُ قَاتِلِ النَّفْسِ . وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا مَقْبُولَةٌ ; وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ لَا تُقْبَلُ ; وَعَنْ
أَحْمَد رِوَايَتَانِ . وَحَدِيثُ قَاتِلِ التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ فِي الصَّحِيحَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى قَبُولِ تَوْبَتِهِ وَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَآيَةُ النِّسَاءِ إنَّمَا فِيهَا وَعِيدٌ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=507&ayano=4إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا } وَمَعَ هَذَا فَهَذَا إذَا لَمْ يَتُبْ . وَكُلُّ وَعِيدٍ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ التَّوْبَةِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ فَبِأَيِّ وَجْهٍ يَكُونُ وَعِيدُ الْقَاتِلِ لَاحِقًا بِهِ وَإِنْ تَابَ ؟ هَذَا فِي غَايَةِ الضَّعْفِ ؟ وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ حَقُّ الْمَظْلُومِ بِالْقَتْلِ ; بَلْ التَّوْبَةُ تُسْقِطُ حَقَّ اللَّهِ وَالْمَقْتُولُ مُطَالِبُهُ بِحَقِّهِ وَهَذَا صَحِيحٌ فِي جَمِيعِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ حَتَّى الدَّيْنِ فَإِنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[ ص: 26 ] أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=69435الشَّهِيدُ يُغْفَرُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا الدَّيْنُ } لَكِنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ يُعْطَاهُ مِنْ حَسَنَاتِ الْقَاتِلِ .
فَمِنْ تَمَامِ التَّوْبَةِ أَنْ يَسْتَكْثِرَ مِنْ الْحَسَنَاتِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ مَا يُقَابِلُ حَقَّ الْمَقْتُولِ وَلَعَلَّ
ابْنَ عَبَّاسٍ رَأَى أَنَّ الْقَتْلَ أَعْظَمُ الذُّنُوبِ بَعْدَ الْكُفْرِ فَلَا يَكُونُ لِصَاحِبِهِ حَسَنَاتٌ تُقَابِلُ حَقَّ الْمَقْتُولِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى لَهُ سَيِّئَاتٌ يُعَذَّبُ بِهَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ قَدْ يَقَعُ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ فَيَبْقَى الْكَلَامُ فِيمَنْ تَابَ وَأَخْلَصَ : وَعَجَزَ عَنْ حَسَنَاتٍ تُعَادِلُ حَقَّ الْمَظْلُومِ هَلْ يُجْعَلُ عَلَيْهِ مِنْ سَيِّئَاتِ الْمَقْتُولِ مَا يُعَذَّبُ بِهِ ؟ وَهَذَا مَوْضِعٌ دَقِيقٌ عَلَى مِثْلِهِ يُحْمَلُ حَدِيثُ
ابْنِ عَبَّاسٍ ; لَكِنَّ هَذَا كُلَّهُ لَا يُنَافِي مُوجَبَ الْآيَةِ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغْفِرُ كُلَّ ذَنْبٍ الشِّرْكَ وَالْقَتْلَ وَالزِّنَا وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ فَهِيَ عَامَّةٌ فِي الْأَفْعَالِ مُطْلَقَةٌ فِي الْأَشْخَاصِ . وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1249&ayano=9فاُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } عَامٌّ فِي الْأَشْخَاصِ مُطْلَقٌ فِي أَحْوَالِ الْأَرْجُلِ ; إذْ قَدْ تَكُونُ مَسْتُورَةً بِالْخُفِّ وَاللَّفْظُ لَمْ يَتَعَرَّضْ إلَى الْأَحْوَالِ .
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=508&ayano=4يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ } عَامٌّ فِي الْأَوْلَادِ عَامٌّ فِي الْأَحْوَالِ ؟ إذْ قَدْ يَكُونُ الْوَلَدُ مُوَافِقًا فِي الدِّينِ وَمُخَالِفًا وَحُرًّا وَعَبْدًا . وَاللَّفْظُ لَمْ يَتَعَرَّضْ إلَى الْأَحْوَالِ .
[ ص: 27 ] وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4150&ayano=3يَغْفِرُ الذُّنُوبَ } عَامٌّ فِي الذُّنُوبِ مُطْلَقٌ فِي أَحْوَالِهَا ; فَإِنَّ الذَّنْبَ قَدْ يَكُونُ صَاحِبُهُ تَائِبًا مِنْهُ وَقَدْ يَكُونُ مُصِرًّا وَاللَّفْظُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ بَلْ الْكَلَامُ يُبَيِّنُ أَنَّ الذَّنْبَ يُغْفَرُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِفِعْلِ مَا تُغْفَرُ بِهِ الذُّنُوبُ وَنَهَى عَمَّا بِهِ يَحْصُلُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلَا مَغْفِرَةٍ فَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4151&ayano=39وَأَنِيبُوا إلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4152&ayano=39وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4153&ayano=39أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4154&ayano=39أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4155&ayano=39أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4156&ayano=39بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ } فَهَذَا إخْبَارٌ أَنَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعَذِّبُ نُفُوسًا لَمْ يَغْفِرْ لَهَا كَاَلَّتِي كَذَّبَتْ بِآيَاتِهِ وَاسْتَكْبَرَتْ وَكَانَتْ مِنْ الْكَافِرِينَ وَمِثْلُ هَذِهِ الذُّنُوبِ غَفَرَهَا اللَّهُ لِآخَرِينَ لِأَنَّهُمْ تَابُوا مِنْهَا .
فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=386&ayano=3إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=634&ayano=4إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا } ؟ قِيلَ : إنَّ الْقُرْآنَ قَدْ بَيَّنَ تَوْبَةَ الْكَافِرِ وَإِنْ كَانَ قَدْ ارْتَدَّ ثُمَّ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=382&ayano=3كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } ; {
nindex.php?page=tafseer&surano=383&ayano=3أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=384&ayano=2خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=385&ayano=3إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=382&ayano=3كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ } أَيْ أَنَّهُ لَا يَهْدِيهِمْ مَعَ كَوْنِهِمْ مُرْتَدِّينَ ظَالِمِينَ ; وَلِهَذَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=382&ayano=2وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } فَمَنْ ارْتَدَّ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَكُنْ إلَّا ضَالًّا لَا يَحْصُلُ لَهُ الْهُدَى إلَى أَيِّ دِينٍ ارْتَدَّ . " وَالْمَقْصُودُ " أَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَهْدِيهِمْ اللَّهُ وَلَا يَغْفِرُ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَتُوبُوا .
وَكَذَلِكَ قَالَ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2023&ayano=16مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إيمَانِهِ إلَّا مَنْ أُكْرِهَ } وَمَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ مِنْ بَعْدِ إيمَانِهِ مِنْ غَيْرِ إكْرَاهٍ فَهُوَ مُرْتَدٌّ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2027&ayano=16ثُمَّ إنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } .
وَهُوَ سُبْحَانَهُ فِي آلِ عِمْرَانَ ذَكَرَ الْمُرْتَدِّينَ ثُمَّ ذَكَرَ التَّائِبِينَ مِنْهُمْ ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَمَنْ مَاتَ كَافِرًا ; فَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=386&ayano=3إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=387&ayano=3إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } . وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ قَدْ ذَكَرُوا فِيهِمْ أَقْوَالًا : قِيلَ لِنِفَاقِهِمْ وَقِيلَ
[ ص: 29 ] لِأَنَّهُمْ تَابُوا مِمَّا دُونَ الشِّرْكِ وَلَمْ يَتُوبُوا مِنْهُ وَقِيلَ لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ
كَالْحَسَنِ وقتادة وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ والسدي : لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ حِينَ يَحْضُرُهُمْ الْمَوْتُ فَيَكُونُ هَذَا كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=515&ayano=4وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ } .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=634&ayano=4إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا } قَالَ
مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ : ازْدَادُوا كُفْرًا ثَبَتُوا عَلَيْهِ حَتَّى مَاتُوا .
قُلْت : وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّائِبَ رَاجِعٌ عَنْ الْكُفْرِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَإِنَّهُ مُسْتَمِرٌّ يَزْدَادُ كُفْرًا بَعْدَ كُفْرٍ فَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=634&ayano=3ثُمَّ ازْدَادُوا } بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ الْقَائِلِ ثُمَّ أَصَرُّوا عَلَى الْكُفْرِ وَاسْتَمَرُّوا عَلَى الْكُفْرِ وَدَامُوا عَلَى الْكُفْرِ فَهُمْ كَفَرُوا بَعْدَ إسْلَامِهِمْ ثُمَّ زَادَ كُفْرُهُمْ مَا نَقَصَ فَهَؤُلَاءِ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ وَهِيَ التَّوْبَةُ عِنْدَ حُضُورِ الْمَوْتِ ; لِأَنَّ مَنْ تَابَ قَبْلَ حُضُورِ الْمَوْتِ فَقَدْ تَابَ مِنْ قَرِيبٍ وَرَجَعَ عَنْ كُفْرِهِ فَلَمْ يَزْدَدْ بَلْ نَقَصَ ; بِخِلَافِ الْمُصِرِّ إلَى حِينِ الْمُعَايَنَةِ فَمَا بَقِيَ لَهُ زَمَانٌ يَقَعُ لِنَقْصِ كُفْرِهِ فَضْلًا عَنْ هَدْمِهِ .
وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=634&ayano=4لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ } وَذَكَرَ أَنَّهُمْ
[ ص: 30 ] آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا قِيلَ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ إذَا تَابَ غُفِرَ لَهُ كُفْرُهُ فَإِذَا كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَمَاتَ كَافِرًا حَبِطَ إيمَانُهُ فَعُوقِبَ بِالْكُفْرِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597798قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ؟ فَقَالَ : مَنْ أَحْسَنَ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَنْ أَسَاءَ فِي الْإِسْلَامِ أُخِذَ بِالْأَوَّلِ وَالْآخِرِ } فَلَوْ قَالَ : إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ كَانَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ فِي آلِ عِمْرَانَ فَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=386&ayano=3إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } بَلْ ذَكَرَ أَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ الْمُرْتَدُّ التَّائِبُ ; فَهَذَا إذَا كَفَرَ وَازْدَادَ كُفْرًا لَمْ يُغْفَرْ لَهُ كُفْرُهُ السَّابِقُ أَيْضًا فَلَوْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا لَمْ يَكُونُوا قَدْ ازْدَادُوا كُفْرًا فَلَا يَدْخُلُونَ فِي الْآيَةِ .
وَالْفُقَهَاءُ إذَا تَنَازَعُوا فِي قَبُولِ تَوْبَةِ مَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ أَوْ قَبُولِ تَوْبَةِ الزِّنْدِيقِ فَذَاكَ إنَّمَا هُوَ فِي الْحُكْمِ الظَّاهِرِ ; لِأَنَّهُ لَا يُوثَقُ بِتَوْبَتِهِ أَمَّا إذَا قُدِّرَ أَنَّهُ أَخْلَصَ التَّوْبَةَ لِلَّهِ فِي الْبَاطِنِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4150&ayano=39يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } .
وَنَحْنُ حَقِيقَةُ قَوْلِنَا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19704التَّائِبَ لَا يُعَذَّبُ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ [ ص: 31 ] لَا شَرْعًا وَلَا قَدَرًا وَالْعُقُوبَاتُ الَّتِي تُقَامُ مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ إمَّا أَنْ يَثْبُتَ سَبَبُهَا بِالْبَيِّنَةِ مِثْلَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ بِأَنَّهُ زَنَى أَوْ سَرَقَ أَوْ شَرِبَ فَهَذَا إذَا أَظْهَرَ التَّوْبَةَ لَمْ يُوثَقْ بِهَا وَلَوْ دُرِئَ الْحَدُّ بِإِظْهَارِ هَذَا لَمْ يَقُمْ حَدٌّ فَإِنَّهُ كُلُّ مَنْ تُقَامُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ يَقُولُ قَدْ تُبْت وَإِنْ كَانَ تَائِبًا فِي الْبَاطِنِ كَانَ الْحَدُّ مُكَفِّرًا وَكَانَ مَأْجُورًا عَلَى صَبْرِهِ وَأَمَّا إذَا جَاءَ هُوَ بِنَفْسِهِ فَاعْتَرَفَ وَجَاءَ تَائِبًا فَهَذَا لَا يَجِبُ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِ
أَحْمَد نَصَّ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ التَّعْلِيقِ وَاحْتَجَّ عَلَيْهَا الْقَاضِي بِعِدَّةِ أَحَادِيثَ وَحَدِيثِ الَّذِي قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597799أَصَبْت حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ } يَدْخُلُ فِي هَذَا لِأَنَّهُ جَاءَ تَائِبًا وَإِنْ شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا شَهِدَ بِهِ
مَاعِزٌ والغامدية وَاخْتَارَ إقَامَةَ الْحَدِّ أُقِيمَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا . كَمَا فِي حَدِيثِ
مَاعِزٍ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=24950فَهَلَّا تَرَكْتُمُوهُ ؟ }
والغامدية رَدَّهَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ .
فَالْإِمَامُ وَالنَّاسُ لَيْسَ عَلَيْهِمْ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى مِثْلِ هَذَا ; وَلَكِنْ هُوَ إذَا طَلَبَ ذَلِكَ أُقِيمَ عَلَيْهِ كَاَلَّذِي يُذْنِبُ سِرًّا وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ حَدًّا : لَكِنْ إذَا اخْتَارَ هُوَ أَنْ يَعْتَرِفَ وَيُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ أُقِيمَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَائِبًا وَهَذَا كَقَتْلِ الَّذِي يَنْغَمِسُ فِي الْعَدُوِّ هُوَ مِمَّا يَرْفَعُ اللَّهُ بِهِ دَرَجَتَهُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=32559لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مُكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ وَهَلْ وَجَدْت أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ } .
وَقَدْ قِيلَ فِي
مَاعِزٍ إنَّهُ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ وَهَذَا هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ
[ ص: 32 ] فِيهِ فِي مَذْهَبِ
أَحْمَد وَغَيْرِهِ ; وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْأَوَّلُ أَجْوَدُ . وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ : سَقَطَ الْحَدُّ لِكَوْنِهِ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ وَيَقُولُونَ رُجُوعُهُ عَنْ الْإِقْرَارِ مَقْبُولٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ ; بَلْ فَرْقٌ بَيْنَ مَنْ أَقَرَّ تَائِبًا وَمَنْ أَقَرَّ غَيْرَ تَائِبٍ فَإِسْقَاطُ الْعُقُوبَةِ بِالتَّوْبَةِ - كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ - أَوْلَى مِنْ إسْقَاطِهَا بِالرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ ; وَالْإِقْرَارُ شَهَادَةٌ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ ; وَلَوْ قَبِلَ الرُّجُوعَ لَمَا قَامَ حَدٌّ بِإِقْرَارِ فَإِذَا لَمْ تُقْبَلْ التَّوْبَةُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ صَادِقًا فَالرُّجُوعُ الَّذِي هُوَ فِيهِ كَاذِبٌ أَوْلَى .
آخِرُهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا
مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إلَى يَوْمِ الدِّينِ .