[ ص: 82 ] وقال : فصل في
nindex.php?page=treesubj&link=25984_19830العدل القولي والصدق ذكرت في مواضع شيئا من الصدق والعدل وموقعهما من الكتاب والسنة ومصالح الدنيا والآخرة وذكرت أيضا في مواضع أن عامة السيئات يدخل في الظلم وأن الحسنات غالبها عدل وأن القسط هو المقصود بإرسال الرسل وإنزال الكتب والقسط والعدل هو التسوية بين الشيئين فإن كان بين متماثلين ; كان هو العدل الواجب المحمود وإن كان بين الشيء وخلافه كان من باب قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=796&ayano=6ثم الذين كفروا بربهم يعدلون } كما قالوا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3055&ayano=26تالله إن كنا لفي ضلال مبين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3056&ayano=26إذ نسويكم برب العالمين } فهذا العدل والتسوية والتمثيل والإشراك هو الظلم العظيم .
وإذا عرف أن مادة العدل والتسوية والتمثيل والقياس . والاعتبار والتشريك والتشبيه والتنظير من جنس واحد فيستدل بهذه الأسماء على القياس الصحيح العقلي والشرعي ويؤخذ من ذلك تعبير الرؤيا فإن مداره على القياس والاعتبار والمشابهة التي بين الرؤيا
[ ص: 83 ] وتأويلها . ويؤخذ من ذلك ما في الأسماء واللغات من الاستعارة والتشبيه إما في وضع اللفظ بحيث يصير حقيقة في الاستعمال وإما في الاستعمال فقط مع القرينة إذا كانت الحقيقة أحرى فإن مسميات الأسماء المتشابهة متشابهة . ويؤخذ من ذلك ضرب الأمثال للتصور تارة وللتصديق أخرى . وهي نافعة جدا وذلك أن إدراك النفس لعين الحقائق قليل وما لم يدركه فإنما يعرفه بالقياس على ما عرفته فإذا كان هذا في المعرفة ففي التعريف ومخاطبة الناس أولى وأحرى .
ثم التماثل والتعادل ; يكون بين الوجودين الخارجين وبين الوجودين العلميين الذهنيين وبين الوجود الخارجي والذهني . فالأول يقال : هذا مثل هذا والثاني يقال فيه ; مثل هذا كمثل هذا والثالث يقال فيه : هذا كمثل هذا .
فالمثل إما أن يذكر مرة أو مرتين أو ثلاث مرات إذا كان التمثيل بالحقيقة الخارجية كما في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=2مثلهم كمثل الذي استوقد نارا } فهذا باب المثل وأما باب العدل فقد قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=947&ayano=6وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=632&ayano=4كونوا قوامين بالقسط شهداء لله } الآية وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=682&ayano=5كونوا قوامين لله شهداء بالقسط } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=780&ayano=5شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5284&ayano=65وأشهدوا ذوي عدل منكم } فهذا العدل والقسط في هذه المواضع هو الصدق
[ ص: 84 ] المبين وضده الكذب والكتمان .
وذلك أن العدل هو الذي يخبر بالأمر على ما هو عليه لا يزيد فيكون كاذبا ولا ينقص فيكون كاتما والخبر مطابق للمخبر كما تطابق الصورة العلمية والذهنية للحقيقة الخارجية ويطابق اللفظ للعلم ويطابق الرسم للفظ . فإذا كان العلم يعدل المعلوم لا يزيد ولا ينقص والقول يعدل العلم لا يزيد ولا ينقص والرسم يعدل القول : كان ذلك عدلا والقائم به قائم بالقسط وشاهد بالقسط وصاحبه ذو عدل . ومن زاد فهو كاذب ومن نقص فهو كاتم ثم قد يكون عمدا وقد يكون خطأ فتدبر هذا فإنه عظيم نافع جدا .
[ ص: 82 ] وَقَالَ : فَصْلٌ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=25984_19830الْعَدْلِ الْقَوْلِيِّ وَالصِّدْقِ ذَكَرْت فِي مَوَاضِعَ شَيْئًا مِنْ الصِّدْقِ وَالْعَدْلِ وَمَوْقِعَهُمَا مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمَصَالِحِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَذَكَرْت أَيْضًا فِي مَوَاضِعَ أَنَّ عَامَّةَ السَّيِّئَاتِ يَدْخُلُ فِي الظُّلْمِ وَأَنَّ الْحَسَنَاتِ غَالِبُهَا عَدْلٌ وَأَنَّ الْقِسْطَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ وَإِنْزَالِ الْكُتُبِ وَالْقِسْطُ وَالْعَدْلُ هُوَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ فَإِنْ كَانَ بَيْنَ مُتَمَاثِلَيْنِ ; كَانَ هُوَ الْعَدْلَ الْوَاجِبَ الْمَحْمُودَ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الشَّيْءِ وَخِلَافِهِ كَانَ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=796&ayano=6ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } كَمَا قَالُوا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3055&ayano=26تَاللَّهِ إنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3056&ayano=26إذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ } فَهَذَا الْعَدْلُ وَالتَّسْوِيَةُ وَالتَّمْثِيلُ وَالْإِشْرَاكُ هُوَ الظُّلْمُ الْعَظِيمُ .
وَإِذَا عُرِفَ أَنَّ مَادَّةَ الْعَدْلِ وَالتَّسْوِيَةِ وَالتَّمْثِيلِ وَالْقِيَاسِ . وَالِاعْتِبَارِ وَالتَّشْرِيكِ وَالتَّشْبِيهِ وَالتَّنْظِيرِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَيُسْتَدَلُّ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ عَلَى الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ الْعَقْلِيِّ وَالشَّرْعِيِّ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ تَعْبِيرُ الرُّؤْيَا فَإِنَّ مَدَارَهُ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاعْتِبَارِ وَالْمُشَابَهَةِ الَّتِي بَيْنَ الرُّؤْيَا
[ ص: 83 ] وَتَأْوِيلِهَا . وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ مَا فِي الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ مِنْ الِاسْتِعَارَةِ وَالتَّشْبِيهِ إمَّا فِي وَضْعِ اللَّفْظِ بِحَيْثُ يَصِيرُ حَقِيقَةً فِي الِاسْتِعْمَالِ وَإِمَّا فِي الِاسْتِعْمَالِ فَقَطْ مَعَ الْقَرِينَةِ إذَا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ أَحْرَى فَإِنَّ مُسَمَّيَاتِ الْأَسْمَاءِ الْمُتَشَابِهَةِ مُتَشَابِهَةٌ . وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ ضَرْبُ الْأَمْثَالِ لِلتَّصَوُّرِ تَارَةً وَلِلتَّصْدِيقِ أُخْرَى . وَهِيَ نَافِعَةٌ جِدًّا وَذَلِكَ أَنَّ إدْرَاكَ النَّفْسِ لِعَيْنِ الْحَقَائِقِ قَلِيلٌ وَمَا لَمْ يُدْرِكْهُ فَإِنَّمَا يَعْرِفُهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا عَرَفْته فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْمَعْرِفَةِ فَفِي التَّعْرِيفِ وَمُخَاطَبَةِ النَّاسِ أَوْلَى وَأَحْرَى .
ثُمَّ التَّمَاثُلُ وَالتَّعَادُلُ ; يَكُونُ بَيْن الْوُجُودَيْنِ الْخَارِجَيْنِ وَبَيْن الْوُجُودَيْنِ الْعِلْمِيَّيْنِ الذِّهْنِيَّيْنِ وَبَيْنَ الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ وَالذِّهْنِيِّ . فَالْأَوَّلُ يُقَالُ : هَذَا مِثْلُ هَذَا وَالثَّانِي يُقَالُ فِيهِ ; مَثَلُ هَذَا كَمَثَلِ هَذَا وَالثَّالِثُ يُقَالُ فِيهِ : هَذَا كَمَثَلِ هَذَا .
فَالْمَثَلُ إمَّا أَنْ يُذْكَرَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إذَا كَانَ التَّمْثِيلُ بِالْحَقِيقَةِ الْخَارِجِيَّةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=2مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا } فَهَذَا بَابُ الْمَثَلِ وَأَمَّا بَابُ الْعَدْلِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=947&ayano=6وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=632&ayano=4كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ } الْآيَةَ وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=682&ayano=5كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=780&ayano=5شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5284&ayano=65وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } فَهَذَا الْعَدْلُ وَالْقِسْطُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ هُوَ الصِّدْقُ
[ ص: 84 ] الْمُبِينُ وَضِدُّهُ الْكَذِبُ وَالْكِتْمَانُ .
وَذَلِكَ أَنَّ الْعَدْلَ هُوَ الَّذِي يُخْبِرُ بِالْأَمْرِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ لَا يَزِيدُ فَيَكُونُ كَاذِبًا وَلَا يَنْقُصُ فَيَكُونُ كَاتِمًا وَالْخَبَرُ مُطَابِقٌ لِلْمُخْبِرِ كَمَا تُطَابِقُ الصُّورَةُ الْعِلْمِيَّةُ وَالذِّهْنِيَّةُ لِلْحَقِيقَةِ الْخَارِجِيَّةِ وَيُطَابِقُ اللَّفْظُ لِلْعِلْمِ وَيُطَابِقُ الرَّسْمُ لِلَّفْظِ . فَإِذَا كَانَ الْعِلْمُ يَعْدِلُ الْمَعْلُومَ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ وَالْقَوْلُ يَعْدِلُ الْعِلْمَ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ وَالرَّسْمُ يَعْدِلُ الْقَوْلَ : كَانَ ذَلِكَ عَدْلًا وَالْقَائِمُ بِهِ قَائِمٌ بِالْقِسْطِ وَشَاهِدٌ بِالْقِسْطِ وَصَاحِبُهُ ذُو عَدْلٍ . وَمَنْ زَادَ فَهُوَ كَاذِبٌ وَمَنْ نَقَصَ فَهُوَ كَاتِمٌ ثُمَّ قَدْ يَكُونُ عَمْدًا وَقَدْ يَكُونُ خَطَأً فَتَدَبَّرْ هَذَا فَإِنَّهُ عَظِيمٌ نَافِعٌ جِدًّا .