الوجه الحادي عشر أن كما قال تعالى : { الله تعالى خلق الخلق لعبادته وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } وذلك هو أصل ما أمرهم به على ألسن الرسل كما قال نوح وهود وصالح وإبراهيم وشعيب : { اعبدوا الله ما لكم من إله غيره } . وقال : { ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه } إلى قوله : { إلها واحدا ونحن له مسلمون } وقال لموسى : { إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني } وقال المسيح : { ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم } .
والإسلام : هو الاستسلام لله وحده وهو أصل عبادته وحده وذلك يجمع معرفته ومحبته والخضوع له وهذا المعنى الذي [ ص: 116 ] خلق الله له الخلق هو : أمر وجودي من باب المأمور به ثم الأمر بعد ذلك بما هو كمال ما خلق له . وأما المنهي عنه : فإما مانع من أصل ما خلق له وإما من كمال ما خلق له نهوا عن الإشراك لأنه مانع من الأصل وهو ظلم في الربوبية كما قال تعالى : { إن الشرك لظلم عظيم } ومنعوا عن ظلم بعضهم بعضا في النفوس والأموال والأبضاع والأعراض لأنه مانع من كمال ما خلق له .
فظهر أن . وقال تعالى : { فعل المأمور به أصل وهو المقصود وأن ترك المنهي عنه فرع وهو التابع إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } لأن الشرك منع الأصل فلم يك في النفس استعداد للفلاح في الآخرة بخلاف ما دونه فإن مع المغفور له أصل الإيمان الذي هو سبب السعادة .