ثم إن وغيره من علماء الحديث زادوا في متابعة السنة على غيرهم ; بأن أمروا بما أمر الله به ورسوله مما يزيل ضرر بعض المباحات مثل : الإمام أحمد فإنها حلال بالكتاب والسنة والإجماع ولكن فيها من القوة الشيطانية ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : { لحوم الإبل } " وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه إنها جن خلقت من جن أبو داود : { } فأمر بالتوضؤ من الأمر العارض من الشيطان فأكل لحمها يورث قوة شيطانية تزول بما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الوضوء من لحمها كما صح ذلك عنه من غير وجه من حديث الغضب من الشيطان وإن الشيطان من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ جابر بن سمرة والبراء بن [ ص: 11 ] عازب وأسيد بن الحضير وذي الغرة وغيرهم فقال مرة : { } فمن توضأ من لحومها اندفع عنه ما يصيب المدمنين لأكلها من غير وضوء كالأعراب : من الحقد وقسوة القلب ; التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله المخرج عنه في الصحيحين : { توضئوا من لحوم الإبل ولا توضئوا من لحوم الغنم وصلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في معاطن الإبل } . إن الغلظة وقسوة القلوب في الفدادين أصحاب الإبل وإن السكينة في أهل الغنم
واختلف عن أحمد : على روايتين بناء على أن الحكم مختص بها أو أن المحرم أولى بالتوضؤ منه من المباح الذي فيه نوع مضرة . هل يتوضأ من سائر اللحوم المحرمة ؟
وسائر المصنفين من أصحاب الشافعي وغيره وافقوا أحمد على هذا الأصل وعلموا أن من فقد أبعد ; لأنه فرق في الحديث بين اللحمين ليتبين أن العلة هي الفارقة بينهما لا الجامع . اعتقد أن هذا منسوخ بترك الوضوء مما مست النار
وكذلك قالوا بما اقتضاه الحديث : من أنه يتوضأ منه نيئا ومطبوخا ولأن هذا الحديث كان بعد النسخ ; ولهذا قال في لحم الغنم : { } ولأن النسخ لم يثبت إلا بالترك [ ص: 12 ] من لحم غنم فلا عموم له . وهذا معنى قول وإن شئت فلا تتوضأ جابر : { } فإنه رآه يتوضأ ثم رآه أكل لحم غنم ولم يتوضأ ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم صيغة عامة في ذلك ولو نقلها لكان فيه نسخ للخاص بالعام الذي لم يثبت شموله لذلك الخاص عينا وهو أصل لا يقول به أكثر كان آخر الأمرين منه : ترك الوضوء مما مست النار المالكية والشافعية والحنبلية .
هذا مع أن أحاديث لم يثبت أنها منسوخة بل قد قيل : إنها متأخرة ولكن أحد الوجهين في مذهب الوضوء مما مست النار أحمد : أن الوضوء منها مستحب ; ليس بواجب . والوجه الآخر : لا يستحب .