وأصل آخر : وهو طهارة الأحداث التي هي الوضوء والغسل . فإن مذهب فقهاء الحديث . استعملوا فيها من السنن ما لا يوجد لغيرهم [ ص: 21 ] ويكفي . فقد صنف الإمام المسح على الخفين وغيرهما من اللباس والحوائل أحمد " كتاب المسح على الخفين " وذكر فيه من النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في المسح على الخفين والجوربين وعلى العمامة بل على خمر النساء - كما كانت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وغيرها تفعله . وعلى القلانس - كما كان أبو موسى وأنس يفعلانه : ما إذا تأمله العالم علم فضل علم أهل الحديث على غيرهم مع أن القياس يقتضي ذلك اقتضاء ظاهرا وإنما توقف عنه من توقف من الفقهاء : لأنهم قالوا بما بلغهم من الأثر وجبنوا عن القياس ورعا .
ولم يختلف قول أحمد فيما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم كأحاديث المسح على العمائم والجوربين والتوقيت في المسح . وإنما اختلف قوله فيما جاء عن الصحابة كخمر النساء وكالقلانس الدنيات .
ومعلوم أن في هذا الباب من الرخصة التي تشبه أصول الشريعة وتوافق الآثار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
واعلم أن كل من تأول في هذه الأخبار تأويلا - مثل كون هو المجزئ ونحو ذلك - لم يقف على مجموع الأخبار وإلا فمن وقف على مجموعها أفادته علما يقينا بخلاف ذلك . [ ص: 22 ] وأصل آخر في التيمم : فإن أصح حديث فيه : حديث المسح على العمامة مع بعض الرأس - رضي الله عنه - المصرح بأنه يجزئ عمار بن ياسر وليس في الباب حديث يعارضه من جنسه وقد أخذ به فقهاء الحديث ضربة واحدة للوجه والكفين أحمد وغيره . وهذا أصح من قول من قال : يجب ضربتان وإلى المرفقين ; كقول أبي حنيفة والشافعي في الجديد أو ضربتان إلى الكوعين .
وأصل آخر : في الحيض والاستحاضة فإن مسائل الاستحاضة من أشكل أبواب الطهارة . وفي الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنن : سنة في المعتادة : أنها ترجع إلى عادتها وسنة في المميزة : أنها تعمل بالتمييز وسنة في : بأنها تتحيض غالب عادات النساء : ستا أو سبعا وأن تجمع بين الصلاتين إن شاءت . المتحيرة التي ليست لها عادة ولا تميز
فأما السنتان الأولتان ففي الصحيح وأما الثالثة : فحديث حمنة بنت جحش رواه أهل السنن : وصححه الترمذي . وكذلك قد روى أبو داود وغيره في سهلة بنت سهيل بعض معناه .
وقد استعمل أحمد هذه . فإن اجتمعت العادة والتمييز قدم العادة في أصح الروايتين كما جاء في أكثر الأحاديث . السنن الثلاث في المعتادة المميزة والمتحيرة
[ ص: 23 ] فأما أبو حنيفة فيعتبر العادة إن كانت ولا يعتبر التمييز ولا الغالب . بل إن لم تكن عادة إن كانت مبتدئة حيضها حيضة الأكثر وإلا حيضة الأقل .
ومالك يعتبر التمييز ولا يعتبر العادة ولا الأغلب فإن لم يعتبر العادة ولا الأغلب فلا يحيضها بل تصلي أبدا إلا في الشهر الأول فهل تحيض أكثر الحيض ; أو عادتها وتستظهر ثلاثة أيام ؟ على روايتين .
والشافعي يستعمل التمييز والعادة دون الأغلب ; فإن اجتمع قدم التمييز وإن عدم صلت أبدا . واستعمل من الاحتياط في الإيجاب والتحريم والإباحة ما فيه مشقة عظيمة علما وعملا .
فالسنن الثلاث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحالات الفقهية : استعملها فقهاء الحديث ووافقهم في كل منها طائفة من الفقهاء .