( الدليل الثالث : وهو في الحقيقة رابع : الحديث الصحيح الذي خرجه مسلم وغيره من حديث جابر بن سمرة وغيره { } . { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الصلاة في مرابض الغنم فقال : صلوا فيها فإنها بركة ; فقال : لا تصلوا فيها فإنها خلقت من الشياطين الصلاة في مبارك الإبل } . ووجه الحجة من وجهين : أحدهما : أنه أطلق الإذن بالصلاة ولم يشترط حائلا بقي من ملامستها والموضع موضع حاجة إلى البيان . فلو احتاج لبينه وقد مضى تقرير هذا . وهذا شبيه بقول وسئل عن الشافعي : ترك الاستفصال . في حكاية الحال . مع قيام الاحتمال . ينزل منزلة العموم في المقال . فإنه ترك استفصال السائل : أهناك حائل يحول بينك وبين أبعارها ؟ مع ظهور الاحتمال ; ليس مع قيامه فقط وأطلق الإذن بل هذا أوكد من ذلك : لأن الحاجة هنا إلى البيان أمس وأوكد .
والوجه الثاني : أنها لو كانت نجسة كأرواث الآدميين لكانت [ ص: 573 ] الصلاة فيها : إما محرمة كالحشوش والكنف أو مكروهة كراهية شديدة لأنها مظنة الأخباث والأنجاس . فأما أن يستحب الصلاة فيها ويسميها بركة ويكون شأنها شأن الحشوش أو قريبا من ذلك فهو جمع بين المتنافيين المتضادين . وحاشا الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك . ويؤيد هذا ما روي أن أبا موسى صلى في مبارك الغنم وأشار إلى البرية وقال : هاهنا وثم سواء . وهو الصاحب الفقيه العالم بالتنزيل الفاهم للتأويل . سوى بين محل الأبعار وبين ما خلا عنها فكيف يجامع هذا القول بنجاستها . وأما نهيه عن الصلاة في مبارك الإبل فليست اختصت به دون البقر والغنم والظباء والخيل إذ لو كان السبب نجاسة البول لكان تفريقا بين المتماثلين . وهو ممتنع يقينا .